|
|
الحذف عند ابن هشام الأنصاري
د. مي صالح نصر
جاء معنى الحذف في المعاجم العربية بمعنى القطع والسكوت ، ففي لسان العرب يقال : حذف ذنب الشيء إذا قطع طرفه ؛ وحذف رأسه بالسيف : ضربه فقطع منه قطعة ، حذفه يحذفه : أي أسقطه ، ومن شعره : أخذه و بالعصا : رماه بها ، قال امرؤ القيس :
لها جبهة كسراة المجن حذفه الصانع المقتدر
والتعريف الاصطلاحي للحذف لا يختلف كثيرا عن التعريف اللغوي السابق ، بل يماثله ويجري مجراه حيث يقول
سيبويه في حدّه للحذف ( هذا باب ما يكون في اللفظ من أغراض ، اعلم أنهم مما يحذفون ويعرضون ويستغنون بالشيء عن الشيء ، الذي أصله في الكلام غير ذلك "لم يك " و "لم أدر" وأشباه ذلك ) . ويفهم من كلام سيبويه أن الحذف غرض يعرض في الكلام من خلال السياق الموجود في الكلام ، فالأصل عدم الحذف ، بينما يعرفه الزركشي على أنه ( ما لا يبقى له أثر في اللفظ ) ويعرفه أيضا بقوله : ( إسقاط جزء من الكلام أو كله لدليل ) ويرى ابن هشام أن الحذف الذي يلزم النحوي النظر فيه هو ما اقتضته الصناعة وذلك بأن يجد خبرا بدون مبتدأ أو العكس ، أو شرطا بدون جزاء أو العكس أو معطوفا أو معمولا بدون عامل ) . وقد وضع ابن هشام عددا من الشروط والقواعد التي يجب مراعاتها عند الحذف حتى لا يتسبب الحذف في الإخلال بالمعنى وإحداث تشويه في بناء الجملة وقد حصر هذه الشروط في ثمانية نقاط أولها : وجود دليل يدّل على المحذوف كما في قوله تعالى : ( وقيل للذين اتّقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ) أي : أنزل خيرا ، فحذف الفعل للدليل المقالي ، يقول ابن جني : ( قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة ، وليس شيء من ذلك إلا عن دليل عليه ، وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته ) . أما الشرط الثاني للحذف : ألا يؤدي الحذف إلى اختصار المختصر ؛ فمثلا لا يُحذف اسم الفعل دون معموله ؛ لأنه اختصار للفعل ، ويرى ابن هشام أنه : جرت عادة النحويين أن يقولوا بحذف المفعول اختصارا واقتصارا ، ويريدون بالاختصار الحذف لدليل وبالاقتصار الحذف لغير دليل ويمثلونه بنحو : كلوا واشربوا ؛ أي أوقعوا هذين الفعلين . والشرط الثالث : ألا يكون المحذوف مؤكدا لأن في التوكيد تطويلا وفي الحذف اختصارا لذلك منع ابن هشام أن يؤكد الضمير العائد على المحذوف في قولك : ( الذي رأيت زيد ) بـ( نفسه) أي منع قولك : ( الذي رأيت نفسه زيد ) لأن الصواب : ( الذي رأيته نفسه زيد) . رابعا : ألا يكون ما يحذف كالجزء ؛ والمقصود بما هو كالجزء الفاعل ونائب الفاعل مما يفيد أنهما لا يحذفان وإن كان استثنى ابن هشام حذفهما مع الفعل إذ يقول : ( لا خلاف في جواز حذف الفاعل مع فعله في نحو : قالوا خيرا و "يا عبد الله " و " زيدا ضربته ") أي قلنا خيرا ، وأنادي عبد الله ، وضربت زيدا . والشرط الخامس للحذف : ألا يكون العامل ضعيفا ؛ حيث يرى ابن هشام أنه لا يجوز حذف الجار مع بقاء عمله إذ يقول : ( لا يجوز أن يحذف الجار والجازم والناصب للفعل إلا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك العوامل ولا يجوز القياس عليها ) . سادسا : ألا يكون المحذوف عوضا عن شيء ؛ فلا يجوز أن يحذف لفظ جيء به عوضا عن محذوف ، فمثلا لا يجوز حذف ( ما ) لأنها استعملت عوضا عن ( كان ) في نحو قولهم : ( أما أنت منطلقا انطلقت ) ، بمعنى : (إن كنت منطلقا انطلقت ) . أما الشرط السابع الذي وضعه ابن هشام للحذف هو : ألا يؤدي الحذف إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه ؛ حيث منع النحويون حذف الضمير الهاء من نحو قولنا : ( ضربني وضربته زيد ) باعتباره مفعول الفعل الثاني لأن عند حذفه سيتهيأ الفعل الثاني ( ضرب ) للعمل في كلمة ( زيد ) ويطلبه مفعولا به ثم ينقطع عن ذلك لأن ( زيد ) مرفوع وفاعلا للفعل الأول . والشرط الثامن والأخير للحذف هو : ألا يؤدي الحذف إلى إعمال العامل الضعيف مع إمكان إعمال العامل القوي : فالعامل القوي هو الفعل والضعيف ما عداه ، ومفاد هذا الشرط ألا يؤدي الحذف إلى إعمال العامل الضعيف مع إمكانية عمل العامل القوي فمثلا قولنا : ( زيد ضربته ) كلمة ( زيد ) مبتدأ يعمل فيه الابتداء ، و ( ضربته ) فعل وفاعل ومفعول به فحذف الضمير الهاء ( المفعول به ) ـــ هنا لا يجوز عند النحويين ، لأنه لو حذف سيصبح من الممكن أن يعمل الفعل ( ضرب ) في ( زيد ) مع أنه معمول للابتداء والفعل أقوى في العمل من الابتداء وهكذا سنعمل عاملا ضعيفا ( الابتداء ) في الوقت الذي يمكن أن يعمل فيه عاملا قويا وهو الفعل .
|
|
|
|
|