|
|
لواعج الحنين
أ. مطران محمد عياشي
هذي دموعيَ من خديَّ تنهمرُ
كمْ كنتُ اُخفي لهيبَ النار في خلَدي
ماذا أقولُ أمَا للوجدِ أغنيةٌ
كمْ مِن قلوبٍ سوادُ الصب أحرقها
ياما غدا مبحراً في الدمّ زورقُنا
على عُبابِ الهوى يجري فيحضنه
قلبيْ لهُ مرفأٌ يرسو وألثُمُهُ
مهما تزد حالكات البين في ترحٍ
كم كان يروي غليلَ النفسِ منظرُهُ
يا بلبلَ الحُسنِ غردْ في مرابعنا
مالي أرى الضرّ في دنياي يجذبني
كم رفرف الطير في الأوكارِ مشتكياً
فقام يشدو على الأفنانِ أغنيةً
يا للحنينِ على قومٍ رحيلُهمُ
ودّعْتُهمْ ورماحُ الشمس ساطعة
راحوا ومن خلفهمْ يلتاعُ محترقاً
شاحوا جميعاً وما أبقوا لصاحبهمْ
مازال رسْمُ رحيلِ القومِ يتبعُني
لم يبقَ من قربكمْ إلا لظىً ، وهوى
يا ساكنينَ مع الأنسامِ في دعَةٍ
على الهضابِ شذا مِن نفحكمْ عَبِقٌ
أمَا شربنا الهوى غضاً بطلعتهِ
بحثتُ عن صاحبٍ خلّ يشاركُني
وبعد صبرٍ طويلٍ جاءني شبحٌ
أخبرْتُه حينها ما مسني خجلٌ
ثنى الرحالَ وألوى الظهرَ ممتعضاً
لو دمعةٌ سقطتْ من ناظريْ فغدتْ
ماذا جنيتُ أما للبُعدِ من سببٍ؟
العيشُ حلو إذا أدركتُ عافيةً
ألمْ يكن زهرُنا تسقيه أوديةٌ
وفي الصباح ندى من ليله عَطِرٌ
عمّ الظلامُ بكيتُ الدارَ بعدهمُ
يضمّخُ الحزنُ أحداقي ويأسرُها
أرخى الفراقُ غيوماً غيثها شررٌ
ياما ذرفتُ دموعَ الحُزنِ مغدقةً
ضمّتهم العينُ والأحداقُ واجمة
قلبي يقول لكُمْ لطفاً ومرحمة
ألم يكن غصنُنا الميّادُ مبتسماً
لكَم طوانا خيالُ البينِ معترضاً
عوادي الدهر ترجونيْ مقابلة
إنْ كانَ ضمّ الجمالَ الزهرُ رائحةً
كم غرّدَ العشقُ في أوصالنا جذلاً
فقام يشدو على إيقاعهِ فرحاً
حاورتُ ليلي بأنغام الهوى فإذا
كم صاغَ وجْدي من الأشعار مركبة
وكم عزفتُ من الأشواق أغنيةً
أُسلي النفسَ بالأشعارِ أنظُمُها
هَوّنْ على قيسِ آهاتٍ يكابدُها
يا ليتَ صفوَ ودادِ الحُبِ ملتفتٌ
|
|
تُوحي بسرٍّ عليه القلبُ يستترُ
وها هو اليوم في جفنيَّ ينصهرُ
فياضةٌ يرتوي من بردها البَصَرُ
لكنّ قلبي على ألحاظهِ قمرُ
بلا شراع ولا يهوي به الخَطَرُ
موجُ الحنينِ وبحرُ الشوقِ ينْشَطرُ
عشقاً وتبكي على هِجرانهِ الجُزُرُ
فالبدرُ خلّ وكم يحلو به السّمَرُ
نور الملاك على عنابه الدرر
شدواً شجياً لعلّ الأنس يزدهرُ
الهمُّ والغمُّ والآهاتُ والضجرُ
حزناً دهاني وكم يبكي ليَ الحَجَرُ
سحرية من شداها الوجدُ ينبهرُ
أضنى كياني وطالَ الضَّعْنُ والسَّفَرُ
يبكيهمُ القلبُ والأطلالُ والجُدُرُ
أنا جُرحتُ وهم في أنسهم سكِروا
إلاّ بكاءً تناديني له الصورُ
عند الشروق وجنح الليل، يبتدرُ
ما عادَ يُغْني وقلبٌ عاد ينفطرُ
طيف الوفاءِ بنا قد عاد ينكسرُ
وفي الروابي أريجُ الشوقِ ينتشرُ
ألمْ يُغنِ لنا في حسنهِ الزّهَرُ
همَّ الحياةِ قضيتُ العُمرَ انتظرُ
فقال : خلّ على الأصحابِ يدكرُ
إنْ كنتَ خلاً فللأموال أفتقرُ
فقال : كلا انا في الحب اعتذرُ
على محيطٍ لجاءَ الماءُ يستعرُ
هبني جنيتُ أليسَ الذنبُ يُغتفرُ؟
وإن طواني الضنا أمسيتُ احتضرُ
من الوفاءِ وعينُ الحب تنفجرُ
يحلو لنا في شدا انسامه السَّحَرُ
ثمّ استبدتْ بيَ الأنّاتُ والكدر
بركان صهد على اعتابه سقر
على فؤاديْ فمات العشب والشجرُ
على صِحاب بطيْبِ التُرْبِ قد قـُبروا
ضمّتهم الروحُ والأكبادُ تنسجرُ
عسى السيوف من التقطيع تندثرُ
ألمْ يُكنْ نهرُنا بالودّ مُنحَدِرُ
همٌ وغمٌ وفي أحشائنا صَبِـِرُ
والحزنُ في القلبِ لا يُبقي ولا يَذرُ
ومنظراً ففؤادي ضمّهُ الحَوَرُ
حتى غدا في هوانا يعزف المطرُ
الرمشُ يرقصُ والأجفانُ والنظرُ
بدرب صمتيْ من اللوعاتِ ينفجرُ
تشقّ صمت الجوى والعقلُ يفتكرُ
على صداها تهاوى اللحنُ والوترُ
لعله عن فؤادي الهمُّ ينتهرُ
وجْدي تداعى وجاءت تكتبُ السّيَرُ
حتى يرى ما جنى في جسميَ السّهرُ
|
|
|
|
|
|