أدب الرّحلة وغرائب الأخبار
د. نوال بنت سيف البلوشية
يعدّ أدب الرّحلة من الفنون النّثريّة، الّتي صُنفت في التّراث العربيّ كفنٍّ قَصصيّ رِوائيّ؛ والّتي يُعبّر كاتبها عن أحداثٍ ومواقفٍ صادفها أثناء رحلته، والّتي من خلالها يتمّ اكتشاف الّذات والمكان والزّمان سواءٌ أكان قديمًا أو حديثًا، كما تترجم أدب الرّحلة تجربة ذاتيّة نفسيّة لدى الكاتب؛ لها جوانبها الموضوعيّة العامّة والاجتماعيّة المتنوّعة.
ولأدب الرّحلة جوانب فنيّة سرديّة تُروى كنصٍ قَصصيّ، ونظام حكائيّ يُروى بأشكالٍ مختلفة، هذا يترجم لنا؛ أنّ لأدب الرّحلة مستويات فنيّة نفسيّة اجتماعيّة وجماليّة. كما أنّ لهذا الفنّ؛ أسلوبٌ خاصّ في السّرد وتنظيم المعلومات والمعطيات الخاصّة بالرّحلة؛ الّتي تكون لها أثر في تشكيل رؤية الكاتب وخصوصيّة في السّرد وطريقة التّدوين.
وقد أخذ فنّ الرّحلة شكله من فنونٍ أدبيّة عدّة؛ حيثُ أخذ من فنّ القصّة أسلوب السّرد، والتّقديم والتّشويق في نظامٍ حِكائيّ منظم، وأخذ من فنّ السّيرة الذاتيّة والتّراجم؛ البطل الّذي حدثت معه الأحداث.
حيث تزداد مساحة القصّ، حينما يعمد المؤلف في فنّ الرّحلة إلى جمع خوارق النّساكَ والمتصوّفين، بجانب خوارق البنيان والآثار، وغرائب الأخبار ليس هذا فحسب؛ وإنّما غرائب الطّيرو والحيوان والزّواحف، الّتي صادفها أثناء رحلته، كما يذكر القاص في فنّ الرّحلة على ذكر التّنين –قديمًا-؛ لتوسيع دائرة التّشويق والتّعجب الّتي يترتب عليها المتعة الجماليّة؛ والّتي لا علاقة لها في وصفٍ علمي أو تصميم هندسيّ أو تدقيقٍ مكانيّ وزمانيّ، وإنّما لها أثر في إثارة انفعالات المتلقي وإطلاق خياليّة.
ولأدب الرّحلة جذوره الشعبيّة والأسطوريّة في الحكايات والأساطير والملاحم والسّير لدى الشّعوب الّتي انتخبت هذه الأنواع سواء أكانت عند المؤلفين العرب أو الغرب. لذا تختلف أغراض فنّ الرّحلة من مؤلف إلى آخر، إذ تجد أنّ هناكَ رحلات لتعلّم والاستكشاف، ورحلات البحث عن مصادر العيش لاستمرار الحياة ورحلات للعمل.
فقد ظلّ فنّ الرّحلة رغم شحوبها تتجه نحو ثقافة الشّعوب الأخرى من زاوية العجيب والغريب؛ وقد تبيّن ذلكَ من عناوين كتب ورحلات المؤلفين في هذا المجال، ولم يقتصر الإنسان العربي رحلاته على الجوانب المعيشيّة، وإنّما أحذت اتّجاه روحيًّا فكريًّا وخاليًّا كما ورد في رحلة ( حيّ بن يقظان) أنّ الإنسان يولد بفكر يسانده في الوصول للتعرّف على الذّات و ثمّ الوصول إلى الوجود - وجود الله-، وأبو العلاء المعمري في رسالة الغفران ترجم فيها رحلات المسلمين وعقيدتهم بالله.
وحين تصنيف أدب الرّحلة من حيث الأغراض، يأتي في أربعة أصناف: 1] دينيّة: تتمثل في زيارة الأماكن المقدسة؛ لطلب الأجر والمغفرة. 2] علميّة : بغرض الاستزادة في العلم والمعرفة في مختلف مجالات المعرفة. 3] سياسيّة: تتمثل في رحلات الوفود السّياسيّة والسّفارات الّتي يعبث بها الملوك والحكّام إلى الدّول الأخرى. 4] اقتصاديّة: بغرض التّجارة و تبادل السّلع بين الدّول؛ إما لفتح أسواق جديدة أو غلاء الأسعار أو لوفرة السّلع وإيجاد فرص للعمل.
ومن الشّخصيات العربيّة البارزة في مجال أدب الرّحلة؛ ابن بطوطة وابن جُبير والمسعوديّ وغيرهم.
نستنتج مما سبق:
أنّ مصطلح الرّحلة يُفيد الانتقال من نقطةٍ إلى أخرى، ولا يُقصد به السّفر الجغرافيّ عبر المكان فقط؛ وإنّما يشمل دلالاتٍ مجازيّة رمزيّة يستعملها الكاتب وفق الزّاويّة الّتي تناول فيها غرض الرّحلة؛ سواءٌ أكانت لأغراضٍ روحانيّة وجدانيّة مثل ما كان يستخدمها المتصوّفين، أو لأغراضٍ علميّة أو لأغراضٍ ترفيهيّة ذاتيّة نفسيّة.
المراجع
1] بغورة، صبحة. (2017). أدب الرحلة. الأمن والحياة: جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، مج37, ع425 ، 98 - 103. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/885851
2] ابن حامد، عبدالله بن أحمد. (2011). أدب الرحلة: الانطباع والاقتناع. الآطام: النادي الأدبي بالمدينة المنورة، مج 13, ع 39,40 ، 43 - 54. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/152853
3] بدوى، سهام أحمد. (1990). رحلة. أدب ونقد: حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، ع 94 ، 52. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/249454
4] الجيار، مدحت. (2014). أدب الرحلة: مداخل لفهمه وتوظيفه. الرواية - قضايا وآفاق: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ع13 ، 19 - 37. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/889715
5] خليل، فاطمة، و المريني، نجاة. (1989). الرحلة في الادب المغربي. دعوة الحق: وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية، ع 274 ، 172 - 174. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/227320
6] الملحم، غازي خيران. (2014). السمات الفنية في أدب الرحلة. الجوبة: مركز عبد الرحمن السديري الثقافى، ع 42 ، 24 - 34. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/509599
|