كريم السليتي
هل شاهدت يوما برنامجا باللغة العربية ودون ترجمة على إحدى القنوات الفرنسية المعروفة مثل TF1 أو France 2 أو غيرها من القنوات.
حتما ستستغرب وتتعجب وترميني بالجنون لأن هذا من سابع المستحيلات، حيث تسعى كل قناة للترويج للغتها الرسمية وحتى ان بثت مقاطع بلغة أجنبية فإنها ترفقها حتما بالترجمة الفورية إحتراما للمشاهد.
هذا ليس في فرنسا فقط بل في أغلب دول العالم المتحررة من الإستعمار والواثقة من ثوابتها الوطنية.
لكن عندما يتعلق الأمر بالقنوات التونسية فالأمر مختلف تماما، الأسوء في القصة أن من ارتكب جريمة الترويج للاستعمار الثقافي الفرنسي وإحتقار المشاهد التونسي وخيانة اللغة الرسمية للبلاد هي القناة الرسمية للدولة المملوكة للشعب والتي تمول من دافعي الضرائب التونسيين.
إنها القناة الوطنية الأولى يا سادة، هي من اقترفت هذه الجريمة، لقد بثت مساء اليوم برنامجا مباشرا باللغة الفرنسية يمجد الفرنكفونية السوداء ولا يقدم أي ترجمة مرافقة باللغة العربية في استهزاء واضح واحتقار تام لمشاهدي هذه القناة في تونس والعالم العربي.
أتخيل ذلك المواطن العربي في المشرق أو التونسي البسيط الذي يحاول متابعة مجريات الانتخابات في تونس فيضع قناتنا الوطنية، بوصفها القناة الرسمية ومرآة تونس في الداخل والخارج، فيجد برنامجا باللغة الفرنسية ، فيتثب من شارة القناة فيرى أنها للقناة الوطنية... فيتبادر إلى ذهنه أنه تمت قرصنة القناة الوطنية أو أن الجيش الفرنسي قد إحتل تونس العاصمة وسيطر على وسائل الإعلام الرسمية.
اقرأ أيضا: 'مسار الفرنكفونية' برنامج يبث يوم الخميس من 18 بلدا من بينها تونس
لمصلحة من تقوم قناتنا الوطنية بخدمة الأجندة الفرنسية وما علاقتنا بالفرنكفونية السوداء أصلا؟ وماذا سنستفيد من تنظيم قمة فرنكوفونية في تونس لا تخدم إلا مصالح المستعمر الذي ينهب ثرواتنا ويذل التونسيين أمام القنصليات للحصول على التأشيرة.
ثم أي مستقبل للغة الفرنسية وللفرنكفونية في العالم وقد انحصر استعمالها حتى في فرنسا نفسها خاصة في قطاعات التكنولوجيا والتعليم و المال والأعمال مما حدا بالرئيس الفرنسي الراحل جاك شراك بالقول أنه "يجب المحافظة على لغتنا (الفرنسية) كي لا يتم تهميش شبابنا اقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا"
هل سيأتي اليوم الذي سيتحدث فيه الفرنسي بالإنجليزية و التونسي بالفرنسية؟ . لماذا لدينا أناسا متفرنسين أكثر من الفرنسيين أنفسهم؟
قد لا يستغرب البعض حدوث ذلك بوصف أن رئيس الحكومة التونسية مواطن فرنسي؟ وأن البرامج في مؤسسة التلفزة الوطنية لا تخضع إلى أية مقاييس أو معايير تراعى فيها جوانب السيادة الوطنية. ولا نرى أي أثر ملموس للهايكا لردع خيانة الوطن في وسائل الإعلام التي تخدم أعدائه الذين يفرضون أمرا واقعا على ثرواتنا الوطنية وعلى مناهج تعليمنا وعلى ثقافتنا.
إن من يبث برنامجا مباشرا باللغة الفرنسية دون ترجمة يخدم فيه الأجندة الفرنسية الاستعمارية يتعين أن يخضع للمساءلة القانونية والبرلمانية والشعبية وعقوبات رادعة من الهايكا وذلك لخرقه ثابتا من الثوابت الوطنية وخيانته لدماء الشهداء ونضال جيل كامل ليتحقق استقلال ولو منقوص لبلادنا. هو خيانة أيضا للغتنا الرسمية المنصوص عليها بالدستور وخيانة للمشاهدين التونسيين والعرب.
هل نسيتم عندما اقترحت وزيرة التربية الفرنسية من أصول مغربية إدراج اللغة العربية كلغة اخيارية في التعليم خاصة وأن 10٪ من الفرنسيين أصولهم عربية، كيف قامت عليها القيامة في البرلمان والإعلام واتهموها بالتطرف وخيانة القيم الفرنسية. لماذا نقبل الدنية في لغتنا بينما هم يتشددون في الحفاظ على لغتهم.
متى يستفيق البعض ويدرك أن شمس فرنسا في طريقها للغروب وأن عصر الفرنكفونية السوداء قد ولى بدون رجعة في عصر ال 5G وأن العمالة للمستعمر لا تكرس إلا الذل والهوان والسقوط.
وقد كان على القناة الوطنية والقائمين عليها الترويج للغة العربية عوضا عن خيانتها. والعودة الى الجادة بخدمة قضايا المجتمع الحقيقية عوضا عن خدمة أجندات خارجية استعمارية لاناقة للشعب فيها ولا جمل.
babnet