ليست لغة المهاجرين فحسب.. باريس تحتفي بلغة الضاد باعتبارها "من لغات فرنسا
هشام أبو مريم
نظم معهد العالم العربي في باريس عروضا وفعاليات أدبية وفكرية متنوعة على مدى ثلاثة أيام احتفاء بلغة الضاد بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.
واختار القائمون على المعهد في النسخة الخامسة للتظاهرة الثقافية شعارا متميزا تحت عنوان "العربية لغة من لغات فرنسا"، في إشارة إلى الأهمية التي تكتسبها اللغة العربية داخل النسيج الثقافي والاجتماعي في فرنسا حاليا.
رسالة سياسية
واعتبر باتريك بيرجو المسؤول عن نسخة هذا العام للاحتفال باللغة العربية في معهد العالم العربي أن شعار هذه الدورة اختير بعناية وبشكل مقصود، كما أنه رسالة سياسية ردا على كل الأصوات العنصرية في فرنسا التي ما زالت تعادي اللغة العربية وتعتبرها لغة دخيلة على المجتمع الفرنسي، وترفض أن يتم تدريسها لأبنائنا في المدارس مثلها مثل باقي اللغات الحية.
وأضاف بيرجو للجزيرة نت أن اللغة العربية ليست لغة المهاجرين العرب كما يزعم بعض القوميين والعنصريين، بل هي لغة ذات جذور عميقة مرتبطة بتاريخ فرنسا، حتى قبل الحقبة الاستعمارية، حيث ترجع إلى بداية القرن الـ17 عندما قرر ملك فرنسا فرانسوا الأول تدريسها في مختلف المدارس والمعاهد الفرنسية.
لغة حية وكونية
بدوره، قال جاك لانغ مدير معهد العالم العربي وزير التربية والتعليم الفرنسي الأسبق إن العربية لغة كونية، وهي لغة الأدب والثقافة والعلم بامتياز، ويجب أن ندافع عنها باستماتة كبيرة لكي تحظى بالمكانة التي تليق بها في فرنسا.
وأضاف لانغ في تصريح للجزيرة نت أن لغة الضاد يجب أن تدرس كلغة حية لكل الفرنسيين الراغبين بذلك، وليس فقط لأبناء الفرنسيين من أصول عربية أو مسلمة.
وتابع وزير التعليم الأسبق أن اللغة العربية تفتح آفاقا كبيرة للطلبة الفرنسيين على التعرف على حضارة كبيرة وثقافة عربية وإسلامية غنية جدا، حسب وصفه.
يذكر أن جاك لانغ كان طالب العام الماضي وزير التربية والتعليم الفرنسي جان ميشيل بلانكر بالإسراع في إصدار مذكرة وزارية تعطي أهمية قصوى لتعليم اللغة العربية إلى جانب اللغتين الإنجليزية والإسبانية كلغة ثانية للطلبة الراغبين في تعلمها في كل المدارس والمعاهد الفرنسية.
صور نمطية
في السياق ذاته، قال مسؤول قسم تعليم اللغة العربية في معهد العالم العربي محمد قرقور إن تعليم لغة الضاد في فرنسا يعاني من مشاكل عدة، بينها نقص الإرادة السياسية لأسباب أيديولوجية لتمكين اللغة العربية من كل الفرنسيين، إضافة إلى انتشار بعض الصور النمطية الخاطئة لدى بعض الفرنسيين الذين يربطون بين تعليم اللغة العربية والدين الإسلامي، وأحيانا التطرف والإرهاب، وهذا غير صحيح البتة، حسب تعبيره.
يشار إلى أن معهد العالم العربي كان أطلق قبل أشهر "شهادة سمة" الدولية في إتقان اللغة العربية الفصحى لغير الناطقين بها، وهي أول شهادة من هذا النوع على الصعيد الأوروبي، وذلك على غرار الشهادات العالمية المعترف بها من أجل دخول المعاهد والجامعات، أو للحصول على فرصة عمل في بعض الشركات -خصوصا في الشرق الأوسط- التي تشترط على موظفيها الأجانب مستوى معينا في اللغة العربية.
ورشات فنية وأدبية
وشهدت الاحتفالية باللغة العربية على مدى ثلاثة أيام تنظيم ندوات فكرية عدة، وورشات فنية وأدبية مسرحية، ومسابقة كبيرة في الإملاء لمختلف المستويات، ودورات في التعريف باللغة العربية لغير الناطقين بها.
كما تضمنت الفعاليات عروضا فنية من خلال تنظيم أمسيات شعرية، وقراءة لقصائد لمحمود درويش ونصوص أدبية، مثل قصص جحا على لسان "حكواتي" بهدف تعريف الفرنسيين بالتراث الأدبي الشفهي الذي تتميز به اللغة العربية.
كما شملت الفعاليات تنظيم ورشة للخط العربي أدارها الفنان والخطاط العراقي محمد صالح الذي قدم عرضا عن تاريخ الخط العربي وتنوعه وانتشاره وعلاقة تطوره بالدين الإسلامي، وتأثر عدد من الرسامين الأوروبيين البارزين بجمالية الخط العربي.
وأكد الفنان العراقي في تصريح للجزيرة نت أن الورشة لاقت نجاحا وإقبالا كبيرين على يد فرنسيين شغوفين لديهم ذائقة فنية عالية يرغبون بتعلم الخط العربي رغم أن أغلبهم من غير الناطقين بها، ولكن باعتباره فنا راقيا يضاهي باقي الفنون الغربية الأخرى مثل الرسم، حسب وصفه.
كما التقت الجزيرة بزوجين في عقدهما السابع هما فيليب ومارتين كليريون اللذان عبرا عن عشقهما للخط العربي، ورغبتهما في تعلمه رغم عدم إتقانهما اللغة العربية.
وأكدت مارتين المتقاعدة ذات الـ63 ربيعا للجزيرة نت أنه لا يوجد أجمل من الخط العربي باعتباره فنا فريدا من نوعه، لأنه يمزج بين الجمال والجانب الروحي حسب تعبيرها.
الجزيرة