في يوم اللغة العربية.. هل يمكن للتاريخ والجمال أن يكونا طوق نجاة؟
الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر، يوم اللغة العربية، عيدها الذي يمر سنة بعد أخرى تحت وطأة السؤال المكرور: بأي حال عدت يا عيد؟
يوم اللغة العربية أقرته منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة اليونسكو في التاريخ الذي اتخذت فيه الجمعية العامة عام 1973 قراراً تاريخياً بإدراج اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة، وأصبح مناسبة لإقامة الكثير من الفعاليات الثقافية المعنية باللغة العربية. ولكن كأيام كثيرة أخرى تحيا، يكتفى غالباً بهذه الخطوات، في حين تغيب المبادرات والجهود الحقيقية للنهوض بهذه اللغة الجميلة والعريقة لمواكبة إيقاع الحياة الحديثة.
ففي كل عام يسترجع المهتمون بهذه اللغة أمجاد الماضي وإرثها الهائل، كما تحتفي مؤسسات ثقافية غربية بهذه المناسبة كذلك، بالمجمل لا يتم الغوص عميقاً بالحال الذي وصلت إليه اللغة حالياً.
لا يغيب عن بال أي محب للغة العربية أنها لغة سامية من أقدم لغات الأرض، وأن نحو نصف مليار شخص حول العالم يتحدثونها إضافة إلى مليار ونصف المليار يستخدمونها في طقوسهم الدينية بحسب اليونسكو، ليكون ترتيبها الخامسة بين لغات العالم، بمفرداتها التي يبلغ عددها حوالي 12 مليون كلمة.
وكذلك لا نغفل أن العربية لطالما كانت مصدراً رئيساً للمفردات في لغات متنوعة منها على سبيل المثال لا الحصر: الفارسية والصومالية والتركية، كما أن حروفها هي أبجدية لغات أخرى معظمها لغات آسيوية، كالفارسية والآذرية والبنجابية والبلوشية والكشميرية مثلاً، كما أن لغات أوروبية تأثرت بها وحورت بعض مفرداتها لتصبح كلمات تنتمي لهذه اللغات الجديدة خاصة لغات بلدان المتوسط كالإسبانية والبرتغالية والمالطية، كما يبدو تأثير اللغة العربية واضحاً كذلك على كثير من مفردات الفرنسية والإنكليزية.
إلا أنه إذا تركنا المميزات التاريخية والجمالية جانباً، وأوغلنا النظر في واقع هذه اللغة في اللحظة الراهنة ما الذي سنجده؟
تواجه اللغة العربية معضلة الثنائية اللغوية، حيث هناك لهجات محكية إضافة إلى الفصحى، وإذا كانت الفصحى هي الجامعة والأساس فإن اللغة تعاني اليوم من غياب استخدام أسمى درجاتها في الحياة اليومية، حيث يقتصر استخدام الفصحى على الاستخدامات الرسمية والمؤسسات العلمية والصحافة والإعلام والأدب، وبالتالي غالباً ما ينحصر متقنوها ضمن المشتغلين في هذه المجالات، هذا إن أغفلنا كذلك احتلال اللغات الأخرى مساحات كبيرة من يوميات المتحدثين بالعربية لأسباب عديدة، من ضمنها الاغتراب، أو التعليم الأجنبي، أو سوق العمل التي تفرض استخدام لغات أجنبية على رأسها الإنكليزية.
المعضلة الأخرى تتعلق بارتباط اللغة بمجتمعاتها. في ظل الركود والتراجع الحضاري الذي ترزح تحته الدول ذات اللسان العربي منذ عقود طويلة، لم تستطع اللغة العربية مواكبة التطور الحاصل في أماكن أخرى من العالم، حيث تولد أفرع جديدة للغات مع كل تقدم جديد يحرز في مجتمعاتها خاصة على الصعيد العلمي والاجتماعي والسياسي. وبهذا نرى أن الإنكليزية باتت اللغة العالمية قائدة التغيير اليوم، 5400 كلمة إنكليزية جديدة يتم إدخالها القاموس، الحاوي نحو مليون كلمة، كل عام وفقًا لمرصد اللغة العالمي Global Language Monitor، رغم أن نحو 1000 فقط يتم استخدامها على نطاق واسع.
هذا التفصيل هو ما يحيل إلى فكرة أن غنى اللغة ليس مرادفاً بالضرورة لحيويتها، فاللغة العربية لديها كلمات تقدر بأضعاف كلمات اللغة الإنكليزية التي باتت لغة الثورة التكنولوجية في هذا العصر.
وهنا يبرز السؤال عن دور مجامع اللغة العربية.
يوجد عدة مجامع لغة عربية منتشرة في أنحاء الوطن العربي، مما قد يبدو معضلة أخرى في وجه استنباط كلمات جديدة وتعريب أخرى يتفق عليها بشكل واسع.
من ناحية أخرى يبدو وجود مكتب تنسيق التعريب، وهو جهاز تابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم يعنى بإيجاد المقابلات العربية للمصطلحات العلمية والتقنية الجديدة ومن ثم توحيدها واعتمادها، خطوة جدية في هذا الاتجاه خاصة بعد إنشاء بوابة مشروع المعجم التقني التفاعلي ARABTERM وهو قاموس إلكتروني موسوعي للمصطلحات مصنف حسب المجالات التقنية والقطاعات الصناعية المختلفة وبأربع لغات، هي العربية والألمانية والإنكليزية والفرنسية.
ويبقى السؤال... هل المشكلة في اللغة أم في الإنجاز؟
في عصر الازدهار العربي والإسلامي كانت اللغة العربية الحامل للنهضة العلمية التي قدمها العرب والمسلمون للعالم آنذاك، أما اليوم هل ينجح النبش في تلافيف القواميس وابتكار كلمات جديدة وتعريب أخرى بمواكبة ثورة علمية ذات أبجدية مختلفة تماماً حرفياً ومجازياً؟
euronews
|