عمون
قدّم الدكتور محمد عصفور الأربعاء، محاضرة بعنوان "من مشكلات الترجمة إلى اللغة العربية" في مجمع اللغة العربية الأردني ترأسها الدكتور موسى الناظر وحضرها رئيس المجمع الدكتور خالد الكركي والأمين العام الدكتور محمد السعودي وجمع من الأساتذة والمثقفين والمهتمين.
وقال عصفور في مستهل حديثه عن الجدل الذي لا ينتهي حول كون الترجمة فنّاً أو علماً أن ثمة فرقاً تتباين درجته من مترجم إلى آخر بين النصّ الأصلي والنصّ المترجم. فمن الواضح أن النصّ الأصلي كثيراً ما يفقد شيئاً من خصائصه في اللغة الأخرى إن لم يكن نصّاً إخبارياً خالصاً.
وذهب إلى ما وراء عبارة "النصّ الإخباري" الذي يهدف عادة إلى نقل معلومات موضوعية لا تخضع للآراء والأهواء، وأشار إلى أنه لا يشكِّل صعوبات للمترجم في العادة لأن اللغات لا تعجز عن نقل المعلومات، ولو أن المترجم يضطرُّ أحياناً إلى ابتكار كلمات جديدة من داخل لغته، أو إلى استعارة كلمات من اللغة الأجنبية، أو إلى تكييف كلمات موجودة فيها للتعبير عن الأفكار الجديدة.
وانتقل إلى النصوص غير الإخبارية التي تشمل كلَّ ما يهمّ البشر خارج العلوم الطبيعية والوقائع اليومية وهذه السلسلة من الحقول المعرفية هي المجالات التي تقع فيها خيانات المترجمين أو تقع فيها أخطاؤهم إن شئنا التخفيف من تهمة الخيانة.
وعرض عدداً من الأمثلة على مشكلات الترجمة بدأها بترجمةٍ للسونيتة الثامنةَ عشرةَ من سونيتات ﺷﻴﮑﺴﭙﻴﺮ، والثانية للدكتورة فطينة النائب، والثالثة للدكتور جعفر عبابنة.
وقال أن الترجمة الحرفية هي التي تُعنى بنقل معاني المفردات حسبُ. أما الطريقة الثانية فهي نقلُ المعاني والأساليبِ وروحِ النصوص المرادِ ترجمتُها. ويحسب عصفور أن الترجمة الحرفية تنطبق على النصوص العلمية أو الإخبارية.
أما الترجمة التي تُعنى بروح النصوص فنراها أكثر ما نراها في الترجمة الشعرية التي تسعى لأن تكون "ترجمةً لأسلوب الشاعر أو الكاتب، وروحيتِه وطلاوتِه، وموسيقاه، وما تختزن عباراتُه من ظلال المعاني المستترة ولطائفِ اللغة وجماليّاتِها."
وتناول عدداً قليلاً من مشكلات الترجمة في كتب متعددة مثل كتاب "من العالم المغلق إلى الكون اللامتناهي" تأليف الكسندر كُويْريه، ترجمة يوسف بن عثمان، وهو كتاب يبحث في الفلسفة وعلم الكونيّات، وأبرزها: التهجئة، و الولع بالمصطلحات الأجنبية رغم وجود مقابلات عربية معتمدة، و أخطاء في الترجمة، و الاشتقاقات المتعسِّفة.
وتساءل عصفور "إن لم تكن الترجمة فنّا، فهل هي علم؟" وأجاب لمن يرى أنها علمٌ: نعم، إنها قابلةٌ لأن تُدرَسَ وتُدرَّسَ مثل أيِّ ظاهرة طبيعية أو ثقافية، ولكن العالِم فيها لا يصبح مترجماً بالضرورة، مثلما أن ناقد الشعر لا يصبح شاعراً بالضرورة، ومثلما أن مدرِّس مادَّة التأليف الموسيقي في معهد الموسيقى لا يجب أن يكون مؤلِّفاً موسيقيّاً بالضرورة.
وأشار أن دراسات الترجمة في العقود الأخيرة دخلت في مجال الدراسة الأكاديمية في بعض الجامعات العربية وجامعات كثيرة أخرى في العالَم، ولكن الشهادات التي تمنحها هذه الجامعات لا تعني أن من يمارسون الترجمة من حملة هذه الشهادات قد تأهَّلوا حقّاً لممارسة هذه المهنة. كذلك فإن كبار المترجمين في العالَم على مرِّ العصور لم يدرسوا "علم" الترجمة، بل مارسوه.
ويرى عصفور أن الترجمة مهارة يكتسبها المترجم بالدُّربةِ، والمثابرةِ، والثقافةِ الواسعةِ، والاستعدادِ الدائمِ للبحث الدؤوب، وإتقانِ لغتين على الأقلّ إتقاناً يجعله قادراً على إدراك المعاني وما يكمن خلفها من تلميحات وإحالات، ويكون مع ذلك مستعدّاً للتسليم بأنه ليست هنالك ترجمة نهائية، وأن كلّ ترجمة قابلة للتحسين إن أُعطيَ المترجمُ الوقتَ الكافي، والوسائلَ الضروريةَ لإعادة النظر.
وخلصت المحاضرة من كلِّ ما تقدَّم أن اللغة العربية، شأنُها في ذلك شأنُ بقية لغات العالم، قادرةٌ على التعبير عن الأفكار كلِّها بكلمات أصيلة فيها أو بكلمات تستعيرها عند الحاجة من لغات أخرى. إن مشكلة الترجمة أو مشكلاتها لا توجد في اللغة بل في المترجمين الذين لا يبذلون الجهد الكافي لتحسين معرفتهم باللغات، ولتدريب أنفسهم على البحث والتنقيب.
يذكر أن المحاضرة جاءت استكمالاً للموسم الثقافي السابع والثلاثين الذي أطلقه المجمع تشرين الثاني الماضي بالتعاون مع مبادرة (ض) وسيواصل عقد جلساته حتى آذار المقبل.
عمون