عشق بالفطرة وضرورة حياتية.. الأتراك يقبلون على تعلم العربية
منة جميل
يعشق الأتراك اللغة العربية بالفطرة، تعرفوا عليها بسماع القرآن الكريم والأغنيات، ولم يمنعهم غياب تلك اللغة وحروفها رسميا عن شتى مناحي الحياة بقرار من مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة التركية الحديثة، في أكتوبر/تشرين الأول 1923، من استمرار تعلقهم بها.
لكن منذ عام 2011، ومع توافد اللاجئين السوريين على تركيا، عادت اللغة العربية إلى الشارع التركي، وأحيت في النفوس العشق القديم لهذه اللغة السامية، كما أخذت اللغة العربية مسارا عمليا في المجتمع لتكون أكثر ملاءمة للحياة اليومية ومفرداتها لتصل إلى أهمية اللغات اللاتينية لدى الأتراك، كالإنجليزية والألمانية.
خير النساء نور (26 عاما) طالبة تركية تدرس الفيزياء تعشق العربية منذ الصغر ولا سيما العامية المصرية، استمرت لسنوات تعلم نفسها العربية دون أي مساعدة أكاديمية حتى انتشرت في البلاد مراكز وتجمعات تعلم تلك اللغة.
منذ أقل من شهر واحد، التحقت نور بدورة لممارسة العربية الفصحى في أحد مساجد إسطنبول، وكانت كالتي وجدت ضالتها.
وقالت للجزيرة نت "منذ سنوات أتعلم العامية المصرية عبر سماع أغاني عمرو دياب وفيروز وأم كلثوم، عشقي لهذه اللغة دفعني للسفر إلى قطر، ومصر، وتونس والمغرب لأمارسها وأتعلمها".
وأضافت "لا أحد في المنزل يتحدث العربية، لكني مصممة على إتقانها، ولهذا التحقت بدورة تعلم العربية الفصحى وسعدت جدا لانتشار هذه التجمعات بتركيا في السنوات الأخيرة".
وأشارت نور إلى إقبال الأتراك في الوقت الحالي على تعلم العربية، لافتة إلى أن التجمع الذي تحضره لتعلم تلك اللغة، ويقام في أحد المساجد يتردد عليه العشرات وتقام الدورة مرتين أسبوعيا في ظل حضور كافة المنتسبين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و45 عاما.
وتابعت أن الأتراك يسعون الآن لتعلم العربية "ليس فقط لكونها لغة القرآن وهو الارتباط الديني التاريخي للمجتمع التركي بتلك اللغة، بل لكونها كغيرها من اللغات العالمية، توفر لمن يتعلمها فرصا وآفاقا أوسع".
وتابعت "إن وجدت عملا في إحدى الدول العربية، ستكون معرفتي بالعربية ميزة تضاف إلى مهاراتي العلمية والعملية".
وبعد سنوات من انحصار تلك اللغة في المجتمع الديني التركي، فرضت لغة الضاد نفسها على الحياة اليومية في تركيا، سواء بانتشار اللافتات الإعلانية المكتوبة بالعربية، أو تقديم الكثير من المتاجر وحتى البنوك خدماتها بهذه اللغة لتلبية احتياجات شريحة كبيرة من المجتمع، لغتها الأم هي العربية.
ووصل عدد العرب في تركيا إلى تسعة ملايين نسمة، بينهم عشرة آلاف طالب مسجلين في جامعات تركيا، كما تشتمل اللغة التركية على 6459 مفردة عربية، حسب وكالة "الأناضول" التركية.
اهتمام رسمي
في عام 2019، افتتح معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي، بدورته الخامسة، بمشاركة أكثر من مئتي دار نشر من 15 دولة، ما يبرز الأهمية التي باتت توليها تركيا للغة العربية كلغة عالمية.
من جانبه، قال صهيب الفلاحي المتحدث باسم المعرض، في تصريحات صحفية، إن المعرض "أكبر حدث ثقافي عربي في تركيا، وأكبر معرض دولي للكتاب العربي خارج الدول العربية".
وشمل الاهتمام الرسمي باللغة العربية في تركيا، افتتاح الحكومة تخصصات باللغة العربية في عدد من الجامعات الحكومية والأهلية، بينها جامعة غازي بالعاصمة أنقرة وجامعة قسطموني (شمال)، وجامعات إسطنبول ومحمد الفاتح و29 مايو وصباح الدين زعيم وابن خلدون في مدينة إسطنبول.
كما خصصت البلديات التركية دورات تعلم اللغة العربية مجانا في عدد من المراكز الحكومية (ISMEK) المعروفة باسم "اسمك".
وبجانب كون اللغة العربية إلزامية في مدارس "الأئمة والخطباء" للتعليم الديني وكليات الشريعة، أدخلت وزارة التربية والتعليم التركية عام 2016 اللغة العربية كمادة اختيارية للتدريس في المرحلة الابتدائية بالمدارس الحكومية، بعد أن كانت العربية مادة اختيارية في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
اعلان
وأوضحت زينب باكمان -التي تعمل في إحدى المؤسسات الإعلامية التركية- أنّ تعلم الأتراك للغة العربية "شهد إقبالا كبيرا في السنوات الأخيرة، وبات ينافس تعلم الإنجليزية والألمانية".
وأضافت "ليس فقط الرابط الديني والحنين لتلك اللغة وفترات تاريخية قديمة هو سبب سعي الأتراك لتعلم العربية، لكن هناك نظرة مستقبلية لحياتهم المهنية والعلمية ولا سيما في ظل التقارب الشديد الذي تشهده العلاقات التركية القطرية، فكثير من الأتراك باتوا يفكرون في العمل هناك أو الاستفادة من أي فرصة للتعلم في الجامعات القطرية".
كما أشارت إلى أن تعلم العربية أصبح أسهل على التركي لانتشار مراكز تعليم العربية لغير الناطقين بها، والتطبيقات الإلكترونية والمدونات المصورة على الإنترنت اللتين انتشرتا بفضل العرب الذين أتوا إلى تركيا وبدؤوا في ابتكار وسائل تساعدهم في تعلم اللغة التركية.
أواصر عائلية
التقارب المجتمعي التركي العربي، رافقه خلق أواصر عائلية لجيل جديد من الأتراك العرب بات تعلم العربية وسيلة لعدم اقتلاعهم من جذورهم، وجعلهم جسر التواصل الذي يربط بين الثقافتين.
وقال إبراهيم فاضل تشيلك (29 عاما) مسؤول ببنك البركة التركي، إنه حرص على تعلم العربية منذ زواجه من فتاة مصرية.
وأضاف "قبل عامين، ذهبت لتعلم العربية بمركز اسمك الحكومي، مرتين أسبوعيا، وكنا حوالي عشرين شخصا، لكني الآن أتعلم عبر الإنترنت وبمساعدة زوجتي".
وحول الدوافع الأخرى التي جعلته يسعى لتعلم العربية، تابع قائلا "لدينا مَثل تركي يقول إذا عرفتَ لغة فأنت شخص، وإذا عرفتَ لغتين فأنت شخصان، لذا ما المانع أن أكون ثلاثة أشخاص وأربعة، ثانيا يوجد الملايين من متحدثي اللغة العربية حول العالم وسيكون جيدا من أجل عملي، فأنا أتعامل كثيرا مع العرب".
كما شدد على أن الأتراك يتعلمون اللغة العربية لأسباب كثيرة أخرى بينها "الحصول على فرص عمل أفضل، وتوسيع دائرة الأصدقاء والمعارف في مجالات العمل".
واختتم بالقول "إذا تعلمتَ اللغة العربية بشكل جيد، فقد أضفت لنفسك مكسبا كبيرا".
الجزيرة