عبد الله مولود
أثار قرار اتخذه الشيخ ولد بايه رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية يقضي بمنع استخدام اللغة الفرنسية داخل جلسات البرلمان، أمس، جدلا كبيرا بين الأوساط السياسية الموريتانية، حيث رفضه السياسيون الزنوج المتمسكون باللغة الفرنسية والداعون لاتخاذها لغة عمل وتخاطب، بينما رحبت به الأوساط العروبية.
وأكد ولد بايه في تسويغه للقرار: “لا داعي لاستخدام اللغة الفرنسية بعد اليوم، فلدينا أربع لهجات وعلينا التخاطب بلهجاتنا الوطنية وهي الحسانية (لهجة مشتقة من العربية يتكلمها عرب موريتانيا)، واللهجات الزنجية الأخرى الولفية والبولارية والسوننكية”.
وأضاف: “ليس هناك مكان للغة الفرنسية هنا فلدينا لغاتنا ولهجاتنا”.
ولم يكد هذا القرار يتخذ حتى بدأ العروبيون ترحيبهم به، بينما أطلق معارضوه من السياسيين الفرانكفونيين، تنديداتهم به باعتباره قرارا غريبا، حسب رأيهم.
وأكد النائب لادجي اتراووري من حزب التحالف الشعبي التقدمي تنديده بالقرار، وقال: “لغة العمل في القطاعين العام والخاص هي اللغة الفرنسية، فهي لغة التواصل مع دول الجوار ومع العالم الخارجي. لا يمكن أن نلزم النواب بالحديث فقط باللهجات فهذا قرار طائفي”.
وفي موقف آخر، ندد صمبا اتيام رئيس حزب قوى التغيير التقدمية (زنجي الخطاب) بقرار منع الفرنسية وقال: “هذا قرار غير مقبول وسخيف”.
وأكد لو غورمو نائب رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض أن “قرار منع الفرنسية قرار خطير هدفه مسح المجموعات الزنجية الإفريقية من الحياة العامة في موريتانيا”.
وفي بيان خصص لهذه القضية، أعلن حزب تكتل القوى الديموقراطية المعارض أن “أي نظام ديمقراطي يحرص على تقليد لا مفر منه، يتمثل في نشر تدخلات ممثلي الأمة على نطاق واسع، مما يُمكن المواطنين من فهم القوانين التي سيتم تطبيقها عليهم، ويساعد على رفع الوعي الديمقراطي الوطني، وعليه، فمن الضروري أن يتاح لجميع فئات الشعب الولوج إلى نقاشات الجمعية الوطنية، بكل إنصاف”.
“وفي هذا الإطار، يضيف الحزب، فإن قرار الاستخدام الحصري للغات الوطنية في البرلمان الصادر مؤخرًا، والذي تم تنفيذه، على ما يبدو، بدون إعداد محكم وعلى عجلة، أملى علينا في الحزب وقفة تأمل عنده، فمن المُلاحظ أن خدمة الترجمة التي تم وضعها لهذا الغرض، والتي شُجبت فور انطلاقها بسبب أوجه القصور فيها، تقوم بترجمة المُداخلات باللغة العربية إلى اللغات الوطنية الأخرى، لكنها لا تترجم التدخلات بالبولارية أو السونينكية أو الولفية سوى إلى العربية، وبالتالي فهي تتجاهل اللغتين الأخريين”.
“وعلاوة على ذلك، يتابع حزب التكتل، فإن القناة التلفزيونية للجمعية الوطنية لا تُقدم ترجمة منهجية إلى اللغات الوطنية لصالح المشاهدين، فتظهر النائب المتدخل وكأنه يتحدث بصفة حصرية لمجتمعه، وهو ما يُعتبر دعوة للفئوية، تنطوي على تهديد خطير للتماسك الوطني وللقيم الجمهورية، التي من المفترض أن يدافع عنها مجلس النواب ويدعمها”.
وأضاف حزب التكتل: “وفي هذا السياق، سيظل حزب تكتل القوى الديمقراطية (التكتل) ملتزما التزاما راسخا بتعزيز الوحدة الوطنية، من خلال الاعتراف المتبادل بالتنوع الوطني واحترامه، لضمان الاستقلال الثقافي الحقيقي، في نهاية المطاف، بواسطة نظام تعليمي موحّد، يعتمد على لغاتنا الوطنية، مع الحفاظ على اللغات ذات المكانة الدولية لغات انفتاح، وبخاصة الفرنسية”.
“وإدراكا منه لأهمية القضايا التي يتم تداولها تحت قبة البرلمان بالنسبة للموريتانيين كافة، فإن التكتل، يضيف البيان، يعتبر أن هذا الإجراء الديماغوجي لا يخدم بأي حال من الأحوال -في شكله الحالي- الوحدة الوطنية، فهو بمثابة “حق أريد به باطل، وهو يدعو إلى الإلغاء الفوري لهذا القرار، وإجراء دراسة فنية جادة، بإشراك جميع الفرق البرلمانية، لحل مسألة استخدام اللغات الوطنية في الجمعية الوطنية بطريقة منسّقة”.
وجدد حزب التكتل المعارض “دعوته لتنظيم حوار سياسي شامل، بشكل عاجل، يُفضي إلى إجماع وطني واسع لحل المشاكل الرئيسية التي تواجه البلد، ولا سيما تلك المرتبطة بمسألة الوحدة الوطنية.
ولم يرق بيان حزب التكتل للمدونين العروبيين، حيث ندد به المدون البارز حبيب الله ولد أحمد قائلا: “موقف التكتل من إلغاء الترجمة بالفرنسية موقف غريب ومستهجن ولا مبرر له”.
وقال: “ليس في موريتانيا مواطنون يستخدمون الفرنسية أو يريدونها، واستخدامها تحت قبة البرلمان، وفي دوائر الدولة ظلم للتاريخ والجغرافيا والحضارة والديمقراطية والدستور. ومطلوب من حزب التكتل سحب بيانه حتى لا يبقى نقطة سواد في تاريخه النضالي الوطني الأبيض الناصع المكتوب والممحص بالذهب”.
القدس العربي