|
|
عن الدنيا
طارق يسن الطاهر
عن الدنيا
الدنيا على وزن فعلى، وهذا الوزن في علم الصرف يسمى اسم التفضيل من أفعل ، أدنى –دنيا ، وجمعها دُنى ، وهي نقيض الآخرة ، ذكرت في القرآن الكريم خمسة عشر ومئة مرة ، وكذلك نقيضها الآخرة ، وما ذِكرُ الشيء في القرآن تشريفًا له؛ فقد ذُكر فرعون ،ولم يذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وذكر أبو لهب –بكنيته- ولم يذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولكن ذكر الدنيا في القرآن لبيان ذمها ،والتنفير منها ،وعدم الركون إليها ، من قبيل قوله تعالى: "إنما الحياة الدنيا لعب ولهو..." محمد 36 " يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار" غافر39
أو كإشارة لها من الناحية الزمنية " فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا" البقرة 85 ، ومنها " ولقد اصطفيناه في الدنيا ..." البقرة 130 و"ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ..."البقرة 201
وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:" "أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلعون مَا فِيهَا، إِلاَّ ذِكْرَ اللَّه تَعَالَى، ومَا وَالاَه وَعالماً وَمُتَعلِّماً "رواه الترمذي.
واللعن هنا بمعنى الذم ، أي مذمومة ، كما ورد في القرآن عن شجرة الزقوم " والشجرة الملعونة في القرآن" الإسراء 60 أي المذمومة .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الدنيا مشبهًا حاله معها كحال المسافر الذي قال- من القيلولة- تحت شجرة ثم قام وتركها : "ما لي وما للدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"، رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما
كما وردت الدنيا في الشعر كثيرا ، منها:
قول الشاعر السوداني محمد الفيتوري:
دنيا لا يملكُها من يملكُها
أغنى أهليها سادتُها الفقراءْ
الخاسرُ من لم يأخذ منها
ما تعطيه على استحياء
والغافل من ظنَّ الأشياءَ
هى الأشياء
وهناك شاعر آخر وصف الدنيا ، وجعلها تتقلب بالإنسان بين هذه الحالات الثمانية:
ثمانيةٌ تجري على الناس كلهم ولا بد للإنسان يلقى الثمانية
سرور وحزن واجتماع وفرقة ويسر وعسر ثم سقم وعافية
وقال أحدهم موضحا التناقض البيّن في حالات الدنيا مع الناس :
الدنيا إذا أقبلت باض الحمام على الوتد ، وإذا أعرضت بال الحمار على الأسد.
وقال آخر في جناس رائع وطباق مميز :
الدنيا إذا حلت أوحلت .. و إذا كست أوكست .. و إذا جلت أوجلت و إذا أينعت نعت .. و إذا جفت أوجفت.
ويشخّص آخر الدنيا كائنا ينادي ويحذر:
هي الدنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار من بطشي وفتكي
ولا يغرركمو حسن ابتسامي ... فقولي مضحك والفعل مبكي
يكفي المرء منها ما يقيم أوده ، ولا يكثر منها حتى لا يلهيه التكاثر ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :(مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)
رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346)
وزِيدَ في بعض الروايات "بحذافيرها" أي بتمامها ، والحذافير هي الجوانب وقيل الأعالي ، أي كأنما أعطي الدنيا بأسرها .
وفي المقابل نصح القرآن الكريم بعدم نسيان المرء نصيبه من الدنيا أكلا وشربا ولبسا وغير ذلك من النعم المشروعة؛ فقد قال تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا..." القصص 77
كل ذلك دون إسراف " ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" الأنعام 141
و دون تبذير " ولا تبذر تبذيرا" الإسراء 26
كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : "كُلْ ما شئت ، والبس ما شئت ، ما أخطأتك اثنتان : سرف ومخيلة .
طارق يسن الطاهر
|
|
|
|
|