|
|

لغة الأُمّة ولغة الأُمِّ
صدر في بداية هذا الشهر عن دار الكتب العلمية بلبنان، كتاب جديد من تأليف الدكتور عبد العلي الودغيري، بعنوان : ( لغة الأُمّة ولغة الأمّ: عن واقع اللغة العربية في بيئتها الاجتماعية والثقافية).
يشتمل هذا الكتاب الواقع في 336 صفحة من القطع المتوسط، على مقدمةً وثلاثة أبواب: عنوان الباب الأول : ( العربية وسؤال التنمية: أهمية اللغة الوطنية المشتَركة في تحقيق التنمية والأمن الثقافي واللغوي والتماسُك الاجتماعي). وفيه يتحدث المؤلِّف عن التغيّرات المتلاحقة التي تشهدها مجتمعاتُنا العربية في كل المجالات، وما تطرحه من أسئلة كثيرة. « وهذه الأسئلةُ ـ كما يقول ـ ليست سياسية واقتصادية واجتماعية فقط، ولكنها لغويةٌ أيضاً. فحين يكون الحديثُ ـ مثلاً ـ عن التنمية والإقلاع والتطوير والتحديث في كل المجالات ( ومنها ما يهمُّ الاقتصاد والإنتاج والتصنيع والتعليم والإعلام وغير ذلك..)، لا بد أن تُثار معه أسئلةٌ بديهية من نحو: هل للغة دور أساسيٌّ في إنجاح ذلك؟ وبأية لغة نستطيع تحقيقه؟ وهل اللغة الوطنية أساسية وضرورية في نهضة مجتمع معيّن أم أنها مجرد أداة يمكن تعويضُها بأية لغة أخرى فتقوم بالمهمة؟ والعربية بالذات، هل هي حقّاً عائقٌ من عوائق الإقلاع والتطوير والتنمية والحداثة كما أشاع الكثيرون؟ وهل هي الفصحى وحدها العائقُ ـ إذا سلَّمنا بوجوده ونحن لا نُسلّم به ـ عكسَ الدوارج واللهجات، أم العربية بكل أشكالها ومستوياتها غيرُ مُهيَّأةٍ لذلك؟ ».
أما الباب الثاني من الكتاب وعنوانُه:( العربية وسؤال التعدّد اللغوي). فينقسم إلى ثلاثة فصول وملحق. ويعالج القضايا المتعلّقة بالتعدد اللساني في العالَم العربي ( ماله وما عليه)، ووضعية اللغة العربية في الدساتير العربية، مع عناية خاصة بحالة المغرب ومعالجة الدستور المغربي للمسألة اللغوية. وموضوعُ التعددية اللسانية الذي لا ينفصل عن التعددية الثقافية والسياسية، في المغرب وغيره من البلاد العربية، يطرح أسئلة كثيرة كلّها تصبُّ في سؤال كبير وهو سؤالُ التدبير:« كيف ينبغي أن يتمّ تدبيرُ التعدد اللغوي على مستوى الأفراد والمجتمع والدولة والأُمة بما يخدم الجميعَ ويُريحهم وينفعهم، ويحافظ على التماسُك والتعايُش بين كل المُكوِّنات والفئات واللغات، ويُتيح لها العيشَ جميعاً في أمن وسلام واطمئنان؟».
أما الباب الثالث والأخير فهو تحت عنوان: ( العربية وسؤال الهُويّة: بين نزعة الانقسام والرغبة في الالتحام (أو : العربية في سياق الازدواجية والدعوة للدارجة ) . وينقسم إلى فصلين كبيرين يعالجان قضية الازدواجية بين الفصحى والدارجة والقضايا المطروحة حولهما. وقد توقَّف المؤلِّف طويلاً عبر هذين الفصلين، لتشريح طبيعة العلاقة ذات الأوجه المتعددة التي نشأت بين المستوى المعياري للغة والمستويات الاستِعمالية الأخرى، ففي الفصل الأول تحدَّث المؤلف عن ظاهرة وجود الازدواجية في العربية وغيرها من اللغات معتبراً إياها ظاهرةً طبيعية عادية ليست خاصة بالعربية ولكنها تعمُّ سائر اللغات البشرية مع تفاوت نسبة حضورها من لغة لأخرى، وقدَّم أمثلة على ذلك من عدد من اللغات الكبرى، وتطرَّق إلى جذور نشأة الدعوة للعامية في العالَم العربي وأسباب ظهورها وظروفها. وفي الفصل الثاني تعرَّض لقضية الدعوة للدارجة من حيث أهدافُها ومُسوّغاتُها وتصدى لمناقشة كثير من الأقاويل والآراء المُلتَبسة بها، متعرِّضاً لمسائل ثار حولها نقاشٌ طويل مثل: اللغة والهوية، والدعوة إلى التدريس بالدارجة وأيهما أنفعُ وأجدى؟ والفُصحى ولغة الأمِّ وتحديد هذا المفهوم الذي يُستعمل بشكل غير دقيق في أغلب الأدبيات المنشورة، والفصحى ولغة النخبة، والفصحى هل هي لغة أجنبية؟ وهل هي لغة صعبة؟ وهل هي لغة ميّتة؟ والفصحى ولغة الإعلام والإشهار، والفصحى هل هي سبب تخلُّف الأمة وتراجعها؟ والفجوة التي تتسع بين الفصحى والعامية وأسباب نشأتها وكيفية علاجها، ومسألة اللغة الوسطى واللغة التي تسمى ( ثالثة) ... إلى غير ذلك من القضايا والموضوعات الهامة التي تعِجُّ بها ساحةُ النقاش هذه الأيام.
وأخيراً يلخِّص الكاتبُ أهمّ الأسئلة التي يطرحها مؤلَّفُه الأخير، فيقول:
« ولو أردنا الآن أن نلخّص الفروع والجزئيات التي تشعَّبت إليها أسئلةُ الكتاب في عناوين كبرى واضحة، لقلنا إن هنالك ثلاثة أسئلة كبرى هي التي يعنينا أن تظل حاضرة في أذهان القراء، وهي العناوين الحقيقية للأبواب الثلاثة التي يتفرَّع إليها الكتابُ. وهذه الأسئلة / العناوينُ هي: السؤال المرتبط بشؤون التنمية والإقلاع والنهضة والتعليم، بأي لغة تكون وبأية لغة تنجح؟ وسؤال التعدّد اللغوي: هل نريده على النحو الذي يَصُون لغةَ الأمة وكرامتَها ولا تتضرَّر مكانتُها، أم نريده بأي ثمنٍ كان؟. وسؤال أخير: هل نريد لأمتنا وشعوبها لغةً تحافظُ على حسن التواصُل والتكامُل والالتحام، أم نريد لغاتٍ تُساعد على القطيعة والتجزئة والتشرذُم والانقسام؟ إن الاختيار بين هذا الطريق أو ذاك هو اختيارٌ سياسي قبل كل شيء ويحتاج الحسمُ فيه إلى إرادة سياسية قوية وعزم واضح لما يترتَّب عليه من نتائج وعواقب حميدة أو وخيمة. وهنا نؤكد، مرة أخرى، أن الموضوع اللغوي لا ينفصل البتّة عن الموضوع السياسي الذي لا ينفصل بدوره عن المؤثّرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعوامل الخارجية والداخلية، وكيف أن الواقع اللغوي عادة ما يصنعه الواقعُ الذي يعيشه المجتمعُ اللغوي بكل أبعاده وظروفه وتغيّراته».
|
|
|
|
|