|
|
أثر لغة الأم على تعليم الأبناء لمادة اللغة العربية في دولة الامارات العربية المتحدة
أ. حسين محمود الشقيرات
مقدمة:
قال تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون"
ورد في التفسير لقوله تعالى :
:{وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها}أي إن حرصا عليك كل الحرص، على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك أن تصاحبهما في الدنيا{معروفاً} أي محسناً إليهما{واتبع سبيل من أناب إليّ} يعني المؤمنين، {ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} أي إلي معادكم، فتحاسبون!. وهذا دليل قطعي على طاعة الوالدين ما لم تكن معصية لله، واحترامهم وودهم.
واللغة العربية هي لغة القرآن؛ قال تعالى: "الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ {1} إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {2} نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ {3} . وقد تكررت(قرآناً عربياً) في القرآن الكريم ثماني مرات في الآيات والسور التالية: (يوسف2، الرعد37، طه113، الزُمر28، فُصِّلت3، الشورى7، الزخرف3، الأحقاف12) كمؤشر توكيدي لنا لنبقى على عربيّتنا، حفظاً لكتابه تعالى، وتنبيهاً لأهميتها، ومكانتها عند الله عز وجل.
إن وجود أمة قائمة ذات شخصية مُتـمـيِّـزة وكـيانٍ مُستقلٍ، وذات تقاليدٍ وأعرافٍ وطبائعٍ نفسيةٍ وسلوكيةٍ؛ مرتبطٌ ومرتهن بالحفاظ على لغتها، وديمومتها ومحاذٍ لمستويات ازدهارها وضعفها؛ فعندما تفقد الأمة لغتها الأصلية وتُهيمن عليها لُغة أُخرى غير لُغتها وإن ما يحدث هو أن نجد بعد فترة من الفترات أمة أخرى لها كيانـهـا وخـصـائـصـها التي تختلف عن تلك الأمة الأولى، فكلاهما أمتان مختلفتان وإن كانتا في الأصل أمــة واحدة سـابقة في الموطن الجغرافي والسلالة البشرية، وينطبق هذا إلى حدٍّ كبيرٍ على أفراد الجيل الذين يطرأ عليهم هذا التغيُّر اللغوي ويعيشون في عصرين مختلفي اللغة، فهؤلاء وإن كانوا جـيــلاً واحـداً، إلا أنـهـم يـصح القول عنهم: إنهم كانوا في اللغة الأولى أناساً مختلفين عما هم عليه الآن من غير نسيان لما للبيئة ولغتها من تأثير على وضعهم الجديد.
واللغة ذات دلالــة وسِـمة للأمة الناطقة بها، ودليل نفسيتها وعقليتها، وهي أسارير الـوجــه في كيانها الاجتماعي الحاضر، وفي تطورها التاريخي الغابر، لأن وراء كل لفظة في الـمـعـجـم مـعـنـى شعرت به الأمة شعوراً عاماً، دعاها للإعراب عنه بلفظٍ خاصٍ، فوقع ذلك اللفظ في نـفـوس جمـهـورهــا موقع الرضى، وكان بذلك من أهل الحياة، وما معجم اللغة إلا مجموعة من المعاني الـتـي احـتاجت الأمة للتعبير عنها، فاختارت لكل معنى لفظاً يدل على الجهة التي نظرت الأمة منها لذلك المعنى عندما سمّته باللفظ الذي اصطلحت عليه، فلغة الأمة تتضمن تاريخ أساليب التفكير عندها من أبسط حالاته إلى أرقاها، يعلم ذلك البصير في أبنية اللغة وتلازمها، ومن له ذوق دقيق في ترتيب تسلسلها الاشتقاقي.
في هذه العُجالة نتناول أهمية اللغة العربية، وما تعانيه من إهمالنا لها، ومدى تأثير المجتمع عامةً والأسرة خاصةً، على الطفل في تعلُّمه للغة، وبالتحديد دور الأمهات وأثرهن على تعليم الأبناء للغة العربية، حيث سنتناول أهمية اللغة العربية وتأثيراتها والواقع الذي نعيش؛ وأساب ومسببات ضعف اللغة العربية وأساليب التدريس لعلاج ذلك الضعف، وواقع تعليم اللغة العربية، والمؤثرات على التحصيل الدراسي فيها عبر نتائج التحصيل الدراسي لطلبة المدارس؛ لمادة اللغة العربية، آملين أن يكون عملنا هذا خالصاً عند الله ؛ ....والله ولي التوفيق.
مشكلة البحث: تعتبر اللغة العربية أحد أهم الركائز في تشكيل الهوية العربية الإسلامية، لأنها لغة هذه الأمة من آلاف السنين، ولغة القرآن الكريم دستور هذه الأمة. وإن إضعافها أو هدمها يعني إضعاف وهدم إحدى ركائز المجتمع العربي الإسلامي الأساسية. ومما لا شك فيه أن اللغة العربية تعاني الآن من ضعف ملحوظ ؛وهذا نتيجة للمحاولات التي تقوم بها قوى الغزو الثقافي لإضعاف الأمة العربية الإسلامية، فاللغات تتقدم وتتأخر مثلها في ذلك مثل الأمم نفسها، بل إن تقدم اللغات وتأخيرها يكاد يساير ويوازي تقدم الأمة وتأخيرها؛ فهناك علاقة جدلية صحيحة بين حضارة الأمة ومكانة اللغة .ومن أهداف التعليم العامة: غرس الإيمان بالله ورسوله والقيم الروحية والاعتزاز بالعروبة والأمة الإسلامية؛ إعداد الإنسان العربي للمستقبل متسلحاً بالعلم والتكنولوجيا، متمسكا بالقيم والثوابت السابقة؛ ولكننا لم نحقق هذه الأهداف؛ وهذين المحورين هما محور بحثنا.
الهدف من البحث: الوصول إلى الحقائق التي تسببت في ضعف اللغة العربية لدى أبنائها، وبالذات دور الأسرة كجزء من المجتمع، وتحديداً دور الأمهات في هذا الضعف.
منهج البحث: المنهج الوصفي الاستدلالي.
أهمية البحث : تعتبر اللغة العربية القاعدة الأساسية في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية؛ ويُعد هدف الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية من أهم الأهداف التي تسعى التربية إلى تعزيزها وترسيخها لدى النشء والشباب، لما يترتب على ذلك من تربية الانتماء والولاء وتحقيق التقدم على مسارات النهضة والحضارة وتكمن أهمية هذه الدراسة في كونها تبرز أهمية ذلك الهدف وأولويته ضمن (أجندة) تطوير التعليم، حيث تتزايد الأخطار والسهام الموجهة إلى أمتنا العربية والإسلامية في ظل متغيرات عالمية وإقليمية محيطة بنا؛ حيث لا نقبل أن نرى فلذات أكبادنا في غدٍ مُعتم.. يدورون برحاهم.. حول أنفسهم ..يتخبّطون بلغتهم.. ويفقدون هويتهم.. ويتناسون.. ثقافتهم وتراثهم...فنكون(......) لخير سلف!. ولكننا نطمح أن نكون ويكون أبناءنا.. خير خلف لخير سلف..!.
تمهيد: تعتبر ثورة الاتصالات والمعلومات التي شهدها العالم في نهاية القرن الماضي، سبباً في التغيرات الثقافية والقيمية التي تزداد وتيرتها وتأثيراتها على كل مجتمعات العالم كل يوم!،وستشكل هذه أحد أهم التحولات والتغيرات التي أثرت وتؤثر في معالم وتوجيهات المؤسسات التعليمية؛ وقد تنبَّه المسئولون عن الأنظمة التربوية والتعليمية العربية إلى هذه القضية وطرحت للمناقشة من خلال مؤتمر وزراء التربية العرب؛ الذي عقد في دمشق في يوليو عام 2000م .حيث نوقشت التحولات والمتغيرات المؤثرة في تشكيل المستقبل التعليمي وشملت: "الثورة العلمية والتكنولوجية، والتغييرات(السكانية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية والقيمية) .
تواجه الإدارة التعليمية تحديات عصر المعلوماتية؛ ومنها :
- إدارة طوفان المعلومات .
- إعداد رأس المال البشري الأكثر كفاءة .
- تلبية الحاجات الاجتماعية المتمثلة في الحق في التعليم .
- تعزيز روح المواطنة .
- المحافظة على اللغة العربية؛ والقيم الثقافية والأخلاقية .
ودراستنا تنطلق من التحديين الأخيرين حول الإجراءات التي يمكن أن يقوم بها التعليم لتعزيز روح المواطنة والحفاظ على القيم الثقافية والأخلاقية باعتبارهما جوهر الهوية العربية الإسلامية. وتتمثل التحدّيات التي قطاع التربية في المحافظة على اللغة العربية والقيم والأخلاق والثقافة العربية بشكلين من التحدّي؛ أحدهما خارجي والآخر داخلي ؛وسنهتم بالداخلي فقط؛ ونترك الخارجي لأصحاب القرار التربوي، والسياسي فهم أدرى مننا به.
التحديات الداخلية: هناك مجموعة من التحديات الداخلية التي تهدد اللغة العربية وذلك في ظل التغير الاجتماعي والاقتصادي، وقد نتج عنه مجموعة من التحولات، مثل الاعتماد على العمالة الأجنبية، والتغيرات التي أصابت الأسرة العربية نتيجة عمل المرأة، وترك مهمة التربية والتوجيه للأبناء للخدم والمربيات ولا شك أن تلك التغيرات الاجتماعية قد تركت آثاراً على الهوية الثقافية للنشء سواء من خلال اللغة أو القيم والاتجاهات الفكرية .
1. تأثير المربية الأجنبية على هوية النشء: لقد أثبتت العديد من الدراسات، أن تأثيرها يكون كبيراً وعميقاً حتى أنه يمتد ليشمل تغير اللسان العربي والفكر العربي وهما من ركائز وأساسيات الشخصية العربية، وكذلك شيوع بعض الألفاظ والمرادفات الأجنبية ضمن اللغة العربية، مثل:(ما في معلوم – سيم سيم – سيدا .. وغيرها).
حيث صارت مثل هذه الألفاظ والكلمات وكأنها جزء من تراثنا اللغوي، كما أن استخدام المربية الأجنبية لرعاية الأبناء قد يؤدي إلى إحداث اتجاهات سلبية لهم تتسم بالإهمال واللامبالاة، وعدم التعامل معهم إلا بالعنف والسيطرة، وفي هذه الحالة يفقد الطفل توازنه النفسي ويجعله يشعر بالضياع. وقد يتعرض في نهاية الأمر إلى عملية "المحو الثقافي" نتيجة تخلص الطفل لثقافته ليحل محلها ثقافية المربية، ولذلك يجب على المجتمع من خلال كافة مؤسساته، ومن بينها المؤسسة التعليمية مواجهة هذا التحدي بالتأكيد على الثوابت المجتمعية وعدم التفريط فيها، والتكيف مع التطورات الاجتماعية الجديدة، وذلك بما لا يتعارض مع قيم وثوابت المجتمع الأصيلة .
2.ضعف مُخرجات نظام التعليم: والذي يتعلق بفقر محتوى برنامج التكوين التعليمي وقصوره عن الحاجات المعرفية والعلمية، وتخريج دفعات متلاحقة من أنصاف المتعلمين ممن لا تستفيد مؤسسات الإنتاج من طاقاتهم المتواضعة.
ويمثل ضعف مخرجات نظام التعليم أحد أهم التحديات التي تهدد جانب الهوية العربية الإسلامية، والتي تتطلب من القائمين على هذا النظام مراجعته بشكل كامل وجذري من حيث فلسفته وأهدافه ومحتواه وكفاءته الداخلية والخارجية لكي يحقق في النهاية أمرين أساسيين: أولاهما: المحافظة على ثوابت وقيم هذا المجتمع، وثانيهما ملاحقة التطورات والمستجدات على الساحتين العالمية والمحلية بما لا يتعارض مع ثوابت المجتمع وقيمه الأصلية .
3. ضعف اللغة العربية: تعتبر اللغة العربية أحد أهم الركائز في تشكيل الهوية العربية الإسلامية، لأنها لغة هذه الأمة من آلاف السنين، ولأنها لغة القرآن الكريم دستور هذه الأمة؛ وإضعافها أو هدمها يعني إضعاف وهدم إحدى ركائز المجتمع العربي الإسلامي الأساسية؛ ومما لا شك فيه أن اللغة العربية تعاني الآن من ضعف ملحوظ؛ وهذا نتيجة للمحاولات التي تقوم بها قوى الغزو الثقافي لإضعاف الأمة العربية الإسلامية، فاللغات تتقدم وتتأخر مثلها في ذلك مثل الأمم نفسها، بل إن تقدم اللغات وتأخيرها يكاد يساير ويوازي تقدم الأمة وتأخيرها وهناك علاقة جدلية صحيحة بين حضارة الأمة ومكانة اللغة .
والمتأقلم لواقع اللغة العربية في الوقت الحاضر يجد أن كثير من الدراسات العلمية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنه صاحَبَ ضعف الأمة العربية الإسلامية وتدهور حالتها الحضارية ضعف في لغتها، ومن مظاهر ضعف اللغة العربية الآن، ازدواجية اللغة بين المجتمع والمؤسسات التعليمية، حيث يتعلَّم الطالب داخل الفصل اللغة العربية بقواعدها ويمارس خارجه اللهجات المحلية، ومن المظاهر أيضاً ضعف مستويات المعلمين القائمين على تدريس اللغة العربية بالمدارس الأمر الذي يساعد على ضعف مستويات الخريجين وتشيع في كتاباتهم مجموعة من الأخطاء الإملائية والنحوية .وقد فسرت العديد من الدراسات أسباب ضعف اللغة العربية وتهديدها لجانب الهوية العربية الإسلامية، إلى مجموعة من العوامل بعضها يرجع إلى المؤسسات التعليمية من ضعف للمادة العملية وطبيعتها، وضعف إعداد المعلم وتدريبه وتقليدية طرق التدريس وعقم الامتحانات ؛والبعض الآخر يرجع إلى المجتمع ذاته في تساهله في استعمال اللهجات المحلية، وقبوله لبعض الألفاظ والمرادفات الأجنبية بسرعة تداولها وانتشارها بين طبقاته المختلفة. هذا بالإضافة إلى عامل ظهور "العولمة" وما نتج عنها من هيمنة اللغة الإنجليزية على حساب اللغات القومية ومن بينها اللغة العربية، وذلك باعتبارها اللغة المنتجة للتقنية الحديثة التي ساعدت على انتشار "العولمة" ويعتبر ضعف اللغة العربية أحد التحديات الهامة المؤثرة في ضعف الهوية العربية الإسلامية، وهذا التحدي يفرض على القائمين على هذه اللغة سواء في المؤسسات التعليمية وغيرها؛ العمل على خطين متوازيين هما :
1.دراسة معمقة للغة العربية من خلال مفاهيم جديدة قادرة على تحليلها إلى عناصرها المنطقية وتطويرها كلغة حية قادرة على مواكبة المستجدات الثقافية التقنية .
2.إبداع ثقافات وأدوات تتعامل مع اللغة العربية كأداة حضارية قادرة على تحسين استخداماتها في مختلف تطبيقات الحاسوب، بما في ذلك شبكة الإنترنت، ومن أجل ذلك لا بد من السعي الجاد لإعادة النظر في تدريس اللغة العربية وفي تطوير الوسائل الحديثة لذلك، ونشرها على أوسع نطاق ممكن، والعمل على استخدامها كأداة حضارية في المدرسة والمجتمع .
4.الانفجار السكاني: نتيجة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي شهدتها المجتمعات العربية في العقود الأخيرة، تزايدت أعداد سكان الدول العربية بشكل ملحوظ حيث من المتوقع أن يصل تعداد سكان الدول العربية في عام (2025م) إلى ما يقرب من (400) مليون نسمة نصفهم تقريباً بأعمار(أقل من15عاماً)،وستشكل هذه الزيادة الهائلة في السكان ضغوطاً على جميع الموارد والبنيات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وسيكون من الصعب على الأنظمة التعليمية تلبية الطلب المتزايد على التعليم . وهناك جانب آخر للتأثيرات على النظم التعليمية، وهو المناهج والمحتوى الدراسي وإدارة التعليم والسيطرة عليه .. كل ذلك يمثل جانب من جوانب التحدي التي تهدد الهوية العربية الإسلامية، والتي تحتاج من النظام التعليمي مواجهتها بالدراسة والبحث ووضع الحلول الممكنة.
يتضح مما سبق أن ثمة مجموعة من التحديات والأخطار التي تهدد جانب الهوية العربية الإسلامية، بعضها يرجع إلى عوامل خارجية وعالمية، والبعض الآخر يرجع إلى عوامل محلية وداخلية.. تحتاج من الأنظمة التعليمية أن تتصدى لها .
الصراع اللغوي: صراع قائم، في لغات الأمم ذات الاحتكاك الكثير والمباشر بأمة أو ذات لغات أخرى، وتزداد فاعليته وحدّته عندما تكون أمة من الأمم لها أطماع في أمة أخرى. ولا ريب أن الصراع اللغوي ينشأ من تجاور أو معايشة لغتين واحتكاكهما ببعضهما، وسواء أكانت اللغتان لأمتين مختلفتين أو أمة واحدة، ومعنى هذا أن الشعوب ذات اللغة الواحدة ولكنها تتخذ لغة أخرى في بعض شئونها الحيوية كتدريس بعض العلوم وبخاصة العلمية التطبيقية كالطب والهندسة وما إليهما في المعاهد أو الجامعات كشأن بعض البلاد العربية مثلاً، فهذه الشعوب قد فرضت على نفسها صراعاً لغوياً كان بإمكانها دفعه لو استخدمت لغتها الأصلية في هذه المعاهد أو تلك المصالح الحيوية.
ولقد عرف الناس مغبة من أخذ العلم بغير لغة أمته من قديم، وشاعت في الناس حكمة يرددونها:(إن التعليم باللغات الأخرى ينقل بعض الأفراد إلى العلم)،ولكن التعليم باللغة العربية ينقل كل العلم إلى الأمة. وتقع في شراك الصراع اللغوي أيضاً بعض الشعوب التي تفتح الباب لاستقدام أناس لا يتكلمون لغة من يستقدمونهم ليباشروا كثيراً من الأعمال الحيوية التي تقف على إحيائها شركات أو مؤسسات تستخدم أعداداً غفيرة من البشر، فهذه الأفواج البشرية ستفرض صراعاً لغوياً مع لغة من وفدوا إليهم، ولعل الأمة التي استخدمت هذه العناصر التي لا تتكلم لغتها تنجو من الصراع اللغوي لو استقدمت أناساً يتكلمون بلسانها؛ ولا غرو أن الأمم التي توقع نفسها في مثل هذا الصراع اللغوي تعرض نفسها لداء خفي وتقع في خطأ يدل على قصر النظر.
الصراع اللغوي ليس أمر يسير، وله أبعاده وخطورته العميقة، ولا يشعر بهذه الخطورة عامة الناس، حتى ولا كثير من المثقفين، وإنما يفهم ذلك اللغويون الذين يعون ذلك جيداً، ولذلك فلا غرابة لما نسمعه من أن أبا الأسود الدؤلي هاله ما رأى من ظهور اللَحنِ في زمانهِ، فقد شعر جيداً بهول الأمر، فأخذ يناشد الولاة ويستحثهم لوضع ما يدفع به ذلك الداء النازل بهم؛ فالصراع اللغوي يحتاج لمئات السنين حتى يتضح أثره وتتجلى خطورته، وهو صراع بقاء ومحاولة هيمنة لإحدى اللغتين على الأخرى، فمن الأمثلة لآثار الصراع اللغوي ونتائجه الخطيرة الأثر في حياة الشعوب؛ فقد نتج عن غزو الرومان لوسط أوربا وشرقها وجنوبها أن تغلبت لغتهم اللاتينية على اللغات الأصلية لفرنسا وإسبانيا وايطاليا وغيرها، ذلك مع قلة الرومان المغيرين على هذه البلاد بالنسبة لسكانها. وعندما انتشر الغزو الأوربي كوّنت دول أوربا كتلاً بشرية في مناطق هجرتها، وكـثر أفرادها مع قوة سيطرتها كان من ذلك أن نجم عن استعمار الإنجليز لأمريكا الشمالية واستراليا وبعض نواح في جنوب أفريقيا انتشار اللغة الإنجليزية في هذه الأرجاء الواسعة، ونجم عن استعمار الإسبان في أمريكا الجنوبية أن كانت الإسبانية لغة معظم دول أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية وغيرها.
وإذا كان هذا الصراع السابق مرتبطاً بالصراع السياسي، وكانت ظروفه تختلف عن صراع آخر بأسلوب آخر، عندما تغلبت اللغة العربية بفضل انتشار الإسلام على كثير من لغات الشعوب الآسيوية وعلى لغة الأقباط ولغة البربر في أفريقيا، حيث أن المسلمين لم يفرضوا لغتهم ويتشددوا في ذلك في البلاد التي فتحوها، ولم يكن لهم من الوسائل العسكرية أو العلمية الحديثة ليستخدموا كل ذلك في نشر لغتهم كما حدث في الاستعمار في العصر الحديث، ولا ننسى أن العربية لما كانت لغة الدين كان ذلك دافعاً روحياً للشعوب الداخلة في الإسلام أن ترغب في هذه اللغة وتقبل عليها وتنشرها في بلادها.
والذي ينتج من غلبة لغة على لغة وحلولها محلها أن تذوب شخصية الأمة صاحبة اللغة المغلوبة تدريجياً في الأمة الغالبة، وتصبح بعد أن كانت لها مقوماتها وخصائصها وهي على لغتها الأصلية، تصبح مندمجة في أمة أخرى، وقد فقدت ما كانت تحمله في ذاكرتها من الأفكار والمعتقدات وسائر المعاني المختلفة عما كانت تراها وتفهمها، وتراها بعد ذلك بمنظار فكر اللغة الأخرى الذي لابد أن يغاير فكر اللغة الأولى في كثير من المعاني والتصورات، ويأتي بعد هذه النتيجة أيضاً أن تُقطع الأمة التي استبدلت لغتها عن تراثها وأصلها فتنشأ أجيال هذه الأمة المقطوعة فاقدة الهوية، والتراث والانتماء، مما ييسر احتواء تلك الأجيال وإذلالها والتحكم بتوجيهها.
إن الجيوش العسكرية التي تتخذها الأمم لنشر سيطرتها وبسط سلطانها تسبقها جيوش لغوية، تحمل لغة الأمة الغازية وتبشر بأفكارها وتذيع مبادئها وترسم شخصيتها، ولقد كانت هذه الجيوش اللغوية عظيمة الأثر في بث فكرها والدعوة إليه بين القوم الذين وفدت إليهم، فقبل أن تجيء الجيوش العسكرية استطاعت جيوش اللغة الأجنبية أن تهيئ لها أتباعاً وأنصاراً يحملون فكرها ويدافعون عنه ويدعون إليه فوق فخرهم بهذه اللغة وميلهم إلى أهلها. إن الحديث بلغة قوم يفضي إلى الميل إليهم والتعايش معهم وتقوى الرغبة عندما تكون لغة لأمة أرقى وأقوى من لغة مجتمعه ولغته.
وأصدق ما يدلل على هذا الأمر ما كان من أمر الاستعمار الأوربي لكثير من أجزاء العالم وخاصة العالم العربي، والذي سبق إليه بغزو جيوشه اللغوية في القرنين(17-18)الميلاديين، فقد تركزت هذه الجيوش في المناطق الخصبة لنموها من حيث سعة الانتشار والأبعاد السياسية، فأتت جيوش اللغة إلى مصر والشام على وجه الخصوص في شكل إرساليات علمية، اتخذت صوراً كثيرة منها المدارس والمعاهد، والكنائس والأديرة والمصحات وغيرها. فلم تأت جحافل فرنسا وبريطانيا العسكرية إلا واللغة الفرنسية والإنجليزية في مصر والشام شأن لا يمكن تجاهله، يتحدث بها كثير من الناس، ولها مناطق ومصالح لا يمكن العيش فيها إلا بلسانها، ولقد طغى الأمر في بعض الفترات حتى كان من أفراد الأمة ومثقفيها من يستنكف عن الحديث بلغة بلاده أو التعامل بلهجة أهله، وينظر إلى لغته وثقافة أمته بازدراء كبير، رغم جهود مثقفي الأمة العربية وعقلائها في وجه هذه الظاهرة المزرية. وظهر من أفراد الأمة من يباهي بالثقافة الفرنسية لأنه يجيد لغتها، وآخرون ينافحون عن الإنجليزية لأنهم يلوكونها وتعلّموا شيئاً من ثقافتها، فغدا كل منهم كأنما هو فرنسي أو إنجليزي وطبعوا حياتهم بجوانبها المختلفة بطابع الحياة الإنجليزية أو الفرنسية، ولا شك أن ذلك يفصح للناس عن أثر اللغة البعيد الذي قد لا يظن بعضنا أنه يصل إلى هذا السلوك في حياة الإنسان.
وقد توصّل الباحث للاستنتاجات التالية
نستنتج من دراسة (التحليل الإحصائي لعلامات الطلبة، وتحليل الاستبيان) ما يلي:
1. هنالك ضعف عام باللغة العربية لدى الطلبة تنشأ معهم منذ صغر سنهم الدراسي؛ وتتنامى مع نموهم العمري والدراسي، ويتخرّج من المرحلة الثانوية؛ وليس للبعض منهم قدرة على التعبير لكتابة رسالة.. طلب وظيفة!!!.
2. هنالك أسباب تؤدي للضعف؛ منها الأسرة، ومنها المجتمع ومنها المؤسسة التعليمية بمنهاجها ومعلميها وطرق التدريس المتبعة.
3. تعتبر الأم مدرسة لغوية للطفل ،ومنها يتعلّم الكثير من الكلام والتعابير، والمعاني؛ فإذا ما افتقرت الأم للغة العربية ؛فإنها تشكِّل كارثة على لغة الأبناء.
4. إن حنان الأم ووجودها لرعاية أبنائها جزء مهم من الحياة السعيدة؛ وغيابها لأي سبب كالطلاق، الوفاة.. العمل...يعتبر سبباً في خلل موازين تلك السعادة ؛فتؤثر على النواحي الدراسية لأبنائها ونسبة تحصيلهم؛ وتدفع بهم لأيدي المربيات، أو الخدم الذين يفتقرون للغة العربية، والثقافة والعادات الإسلامية والعربية؛ فيكونون سبباً في تضييع ما تعلّمه الطالب في المدرسة.
5. إن الحالة الاقتصادية للأسرة لها أثر كبير في حياة الأبناء، فكيف بالطالب الذي لا يجد مصروفه اليومي أن تكون لديه قابلية للتعلّم أو أن تكون نفسيته قبلة لاستيعاب الدروس؟
6. تعتبر المناهج الحالية غير مؤهلة لتعليم التلاميذ في المرحلة التأسيسية لغتهم العربية الفصحى، لعدة أسباب، تتداخل وتتشابك فيما بينها لتؤدي إلى النهاية التي نعرفها جميعاً ..ألا وهي مخرجات التعليم ( مستوى الطلاب).
7. يبنى التلاميذ على ضعف بلغتهم العربية، ويستمر الضعف معهم إلى المرحلة الثانوية، ذلك أن التأسيس ضعيف، والدليل ضعفهم في القراءة، والإملاء ،والتعبير...فماذا أبقوا للعربية من عربيتهم؟!.
8. تؤثر المشاكل الأسرية على حياة الطلبة ونتائجه الدراسية بشكل عام.
وقد أوصى الباحث بالتوصيات التالية:
1. إسناد تدريس مادة اللغة العربية إلى معلم متخصص في اللغة العربية.
2. تكثيف الحصص الدراسية خلال الأسبوع الواحد لمادة الإملاء.
3. التدريب المستمر لمعلمي الإملاء في المرحلة الابتدائية على وجه الخصوص.
4. دمج مادتي الإملاء والتعبير بمادة واحدة تسمى(الكتابة)بحيث يدمج النظري مع العملي، و إعطاء وقت كافي.
5. عدم نقل أي طالب من طلاب الصفوف الأولية دون أن يكون ملما بالكتابة الإملائية بشكل مناسب.
6. على أقسام اللغة العربية في الجامعات وكليات المعلمين الاهتمام بهذه القضية بحيث يتم تطوير مناهجها ووسائل التقويم فيها بما يحد من هذه المشكلة ويساهم في حلها على المدى القريب.
7. نشر الوعي بأهمية الجودة في التعليم.
8. تشجيع الطلاب على القراءة وإعطاء تلك المادة حقها من الوقت والاهتمام، مع تفعيل دور المكتبة المدرسية.
9. التحذير من تأثير المصححات اللغوية الموجودة في أجهزة الحواسب الشخصية على طلابنا المستخدمين لها.
10. على وسائل الإعلام القيام بدورها التوعوي بالشكل المطلوب من بث البرامج التعليمية والتثقيفية التي تساعد على حل مشكلات المجتمع الثقافية والفكرية بما فيها ظاهرة ضعف الإملاء.
11. يجب أن يراعي الأب لغة الأم وأثرها على تعليم الأبناء فيكفيهم برعايته، ويوكل الأم إلى جهة ترعى تعليمها العربية أولاً ومن ثم لمحو أميتها، ولتكون مؤهلة لرعاية أبنائها.
12. يعتبر طلاق الأم أو وفاتها (بعدها عن أبنائها) سبباً مهماً يجب العناية به، ومعالجة الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق؛ للتخلُّص من هذه الظاهرة المدمرة للأسرة.
13. يجب عد ترك التربية للأبناء للمربيات الأجنبيات إذا كانت الأم عاملة؛ وبحالة عدم قدرتها على رعاية أبنائها يجب أن تترك الوظيفة؛ لأن دورها الأساسي هو رعاية الأبناء لا العمل.
14. يجب إعادة الاهتمام بنمط إعداد معلمي الفصول، وإيجاد تخصصات بدلاً من ذلك لكل المواد.
الخاتمة
تعاجمت اللغة العربية على ألسنتنا، وأصبح أبناؤنا كأبناء الروم والفرنجة، لا يستقيم لسانهم بلغة أجدادهم، والجميع يدرك فداحة الخطر لكنهم يتفرجون! إلا من رحم ربي ، تعليم اللغة وتعلُّمها، وسائل الإعلام، عامية الحياة اليومية ..، كلها مؤثرات تدعونا للانتباه وفتح ملف لغتنا الجميلة التي صارت عُسراً، بعد أن كانت زلالاً يُسراً. واللغة إن كانت من وسائل الاتصال اللغوي المهمة بين أفراد المجتمع، فهي أيضًا وسيلة للتعليم تترك آثارًا بنَّاءة في القدرات العقلية وعناصر التفكير؛ إذ إنها تحمل للعقل أنماطًا من الأساليب، وتنقله من تفكير إلى تفكير، وتعينه على الفهم العميق والإدراك الواسع وتوليد المعاني والأفكار فقد كان يُنظر إلى اللغة العربية قديمًا على أنها عدة فروع مستقلة هي: القواعد النحوية، القراءة، التعبير بنوعيه الشفوي والتحريري، الإملاء، والقصة، الأدب، وعلوم البلاغة. أما الآن أصبح يُنظر إليها على أنها فنون أربعة هي: الاستماع، الحديث، القراءة، والكتابة. وتعليم اللغة يجب أن يتم في ضوء هذه الفنون الأربعة.
ومن هنا يجب أن يتجه التعليم الأساسي إلى الاهتمام بتعليم فنون اللغة، وتزويد التلاميذ بالمهارات الأساسية للغة، مع تنمية هذه المهارات بما يتناسب مع قدراتهم العقلية، بحيث يتمكن في نهاية هذه المرحلة من استخدام اللغة استخدامًا صحيحًا في الاتصال والدراسة؛ لأن مرحلة التعليم الأساسي قد تكون مرحلة منتهية بالنسبة لعدد من التلاميذ؛ لذلك فهم بحاجة إلى السيطرة على فنون اللغة الأربعة حتى يستطيعوا التعامل مع مجتمعهم بكفاءة، ومن ثَم يمكنهم تحقيق أكبر قدر ممكن من التنمية الذاتية.أما الآخرون الذين سيواصلون تعلميهم، فاللغة في غاية الأهمية بالنسبة لهم؛ لأنها أساس المراحل التعليمية اللاحقة، بل إن نجاحهم في المراحل التالية يتوقف على نجاحهم في مرحلة التعليم الأساسي.
المصادر والمراجع
1. القرآن الكريم
2. جلال الدين السيوطي-الجامع الصغير- ج21-ط3.
3. )عبد الكريم الباقي ، مكانة اللغة العربية ومشكلات الترجمة والتعريب والتأليف الذاتية ، التعريب ، العدد (1) (1991م).
4. صحيفة تشرين، العدد الصادر في30/7/2000م،مقال بعنوان: المنظومة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المؤتمر الثاني لوزراء التربية والتعليم العرب، دمشق من 29-30 يوليو 2000م.
5. عبد العزيز الحر، مدرسة المستقبل،الرياض،مكتب التربية العربي لدول الخليج ،2001م.
6. على أحمد بوشيت،وثيقة استشراق مستقبل العمل التربوي في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج،الرياض،مكتب التربية العربي لدول الخليج(2000م).
7. عبد المجيد سيد منصور، الأسرة على مشارف القرن (21)، ط1 القاهرة ، دار الفكر العربي (2000م).
8. أحمد الضبيب،اللغة العربية في عصر العولمة ط1،الرياض،مكتبة العبيكان،2000م.
9. حلمي أحمد الوكيل، تحديث أساليب تعليم وتعلم اللغة العربية ،مؤتمر تعليم اللغة العربية، الإمارات، مركز التعليم الأساسي (1992م).
10. محمد وجيه الصاوي، دراسة ميدانية للعوامل المؤدية إلى ضعف الطلاب في اللغة العربية ،ندوة مشكلات اللغة العربية/قطر،1992.
11. حسن الشريف، العرب والعولمة، بحوث الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ، 2000م.
12. مجلة المعرفة، التربويون العرب يكتبون وصيتهم،(2000م).
|
|
|
|
|