|
|
خصائص اللغة العربية -العراقة و الأصالة
د. نعيمة حسن احمد النجار
إن اللغة العربية من أقدم اللغات الحية المستعملة إلى يومنا هذا، ذلك أن نصوصها المكتوبة تعود إلى أكثر من خمسة عشر قرنا خلت، بينما لايزيد عمر الإنجليزية أو الفرنسية أو الأسبانية على سبعة أو ثمانية قرون، ورغم ظهور اللهجات المحكية في الأقطار العربية المختلفة، إلا أنه لم يطرأ على أصواتها وأبنيتها و تراكيبها تبديل أوتغير يذكر. ودلت النقوش الثمودية و اللحيانية و الصفوية على أن اللغة العربية ترجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وأن أقدم نص مكتوب للفصحى يرجع إلى 328 للميلاد(1). يقول العالم اللغوي (ادوارد سابير) (( إن اللغات الخمس الوحيدة التي كان لها الدور الرئيس في حمل الحضارة الإنسانية هي: الصينية القديمة،و السنسكريتية، والعربية، و اليونانية، و اللاتينية)) (2). وكل هذه اللغات قد بادت وورثتها لغات أخرى تفرعت عنها و تطورت مختلطة بغيرها ومبتعدة عن أصولها، ولا يكاد يقرأها أو يفهمها في حاضرنا الآن إلا قلة من المتخصصين، إلا العربية فهي ظلت ترتقي و تتكامل و لاتزال حية مقرؤة و مفهومة لكل العرب على اختلاف بيئاتهم و لهجاتهم المحلية ،ومن يتعلمها من غير العرب.(( لذلك لم تنقسم اللغة العربية إلى عربية قديمة، وعربية حديثة، قد يستعصي القديم على فهم المحدثين و المعاصرين)) (3). واستدل الأب (انستاس ماري الكرملي) بسفر أيوب- كتاب مقدس عند المسيحين- قال: (( إن لغة الضاد قديمة يشهد على ذلك سفر أيوب، فإن كثيرين من العلماء يذهبون إلى أن صاحب كتاب سفر أيوب المقدس وضع فيه عبارات وتشبيهات ومجازات واستعارات لا تعرف إلا في اللغة العربية )) (4). ويمثل كتاب الله عز وجل- القرآن الكريم - أرقى وأرفع كلام عربي معجز يتحدى بإسلوبه الرفيع، و معانيه القوية، وبلاغته المتفردة قوم كانت لغتهم متمثلة في الشعر و الخطابة و الأمثال، فبذلك جاء القرآن الكريم ليحفظ به الله لهذه اللغة مكانتها وقيمتها بين شعوب العالم أجمع حتى وقتنا الحاضر. إن قِدم اللغة العربية لم يجعلها تنقطع بل لازالت العربية تربط الماضي بالحاضر وتمتد إلى الآتي ، فهي تحمل سمات الأصالة وتتحدى الزمان. وقد شهد العالم لغات كثيرة عْرف لها أدبا وعلما، ولكنها أصبحت تاريخا يذكر بعد أن بادت أممها، وظلت العربية تواصل سيرها ومعها تاريخا وحضارة تحمل قبسا من نورها إلى العالم لتحيله من الظلمات إلى النور. وعلى الرغم من الأخطار الكثيرة التي تعرضت لها في عهود الغزو و الاحتلال، أو التخلف والجمود، أو التبعثر و الضياع، وما ابتليت به العربية من نكسات عسيرة، فقد أصابها ما لم يصيب لغة أخرى، لكنها خرجت من ذلك كله قوية بعد أن اشتد الوعي القومي و انتشر، وشمر بعض ابنائها عن سواعدهم لتوحيد شتاتها ليعيدوا لها مكانتها، فانكبوا على قراءة تراثها الضخم و ينتفعون به وينشرونه في أصقاع الأرض. فالعربية لغة قديمة متواصلة ففهم العربي المعاصر لغة المتنبي، و امرئ القيس، و القرآن الكريم، و الأدب الممتد قرونا طويلة يجعل العربية خالدة في نفوس العرب جميعا بل هي من ركائز وحدتهم و تماسكهم مهما تباينت بينهم المسافات، أو فرقتهم النزاعات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- السيد يعقوب بكر، دراسات في فقه العربية، بيروت، 1969م، ص 7-9.
2- د. محمد بن الحاج، عالمية اللغة العربية، تونس، 1996 م، مجلة اللسان العربي، م 35،ص 11.
3- د.صالح الخرفي، اللغة العربية هويتنا القومية، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، تونس، 1990م.
4- انستاس ماري الكرملي( الأب)، نشوء اللغة العربية ونموها واكتمالها، القاهرة، المطبعة العصرية، 1983م، ص 101
|
|
|
|
|