للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

هموم اللغة العربية بأفريقيا الغربية : نيجيريا نموذجا

د. موسى عبد السلام أبيكن

1- إن الغزو الفكري الاستعماري على التراث العربي  الإسلامي بغرب أفريقيا قديم , ولا يزال مستمرا إلى اليوم . لقد هاجم المستعمرون البلاد على التعاليم الإسلامية  مباشرا حينا , وغيرمباشر أحيانا أخرى .
ولعل أقواها وأخطرها فتنة هو الغزو الفكري الذي هوجم به على اللغة العربية   بمختلف الوسائل , وبالتالي  , ضاعت اللغة العربية  أمجادها الأثيلة أيام توغلهم إلى البلاد , وبعد رحيلهم عنها,  وانحطت روح الإسلام لدى المسلمين الغيورين وخاصة الشباب منهم .

ومن الأهمية بمكان أن طلاب اللغة العربية في الجامعات النيجيرية , والمعاهد العليا بالبلاد , أقل عددا من غيرهم مقارنة بزملائهم في أقسام أخر , والسبب غير بعيد , إذ يرى  أغلب مسلمي نيجيريا ولا سيما جنوبها ينظرون العربية وعشاقها نظرة احتقار وازدراء , بحجة أنهم  إذا قضوا سنوات عديدة في رحاب الجامعات , تتضايق عليهم سبل المعيشة , وبعبارة أدق ,  ليس لهم مجال واسع في تطبيق دراساتهم العلمية إلا في المساجد أو في تعليم الصبيان في المعاهد العلمية الأهلية , بخلاف زملائهم في فنون أخرى  الذين تتوسع آفاقهم في سوق العمل. لذلك , تقهقر كثير من الشبان والشابات النيجيريات  اليوم عن التعليم العربي في الوقت المعاصر.

لقد أجمل نكباب اللغة العربية إثر دخول الاستعمار البريطاني على غرب أفريقيا , وبشكل خاص  في نيجيريا الشاعر النيجيري الشاب , عبد الرحمن عبد العزيز الزكوي في يائيته , إذ قال :

إلام تقول هيا يا أخيــــــا        إلى العربية الفصحى وهيـا ؟
وكم من ناطق بالضاد فينا     فصيح القول صار بها وغيـا
تعلمنا لسان العرب تعبــا      وللأجواع في الأحشاء طيــا
تعلمناه حبا للإلــــــــــــــه    وللقرآن والأهدى نبيـــــــــــا
كفى لغة لها تعنو اللغــات    لسحر بيانها نطقا جليـــــــــــا
لسان العرب قبل لسان صدق  وبالقرآن زيد سنى بهيــــــا
لسان قد أتى حين عليــــه    تبوأ منزلا فينا عليــــــــــــــا
لسان ذو الثقافة والحضاره  تحول بعد منسيا نسيــــــــــا
وصار اليوم في الدنيا لسانا  يراه الناس مغلوبا دنيــــــــا
إذا فاه الخبير به افتخارا     رآه الناس بينهم غبيــــــــــــا
ومن يمشي به في الناس علما  يقول الناس : يمشي قهقريا!
معاش معلمي الفصحى عسير  فلا أحد يريد لهم مطيـــا !
قلاه بنوه فاختاروا لسانا        على أزكى لسان أجنبيــــا
هم اتخذوا فرنسيا لسانــا       وإنكلزيهم نطقا  حفيـــــا

يصور الشاعر في هذه الشذرة مصير العاشقين للغة العربية في نيجيريا , وبالأخص , في أواخر القرن العشرين والحادي والعشرين الميلاديين , إن المثقفين ثقافة عربية بحتة في البلاد , يعانون عناء شديدا في سبل العيش , وقد كانت الحكومة النيجيرية بأنواعها الثلاثة
( الاتحادية , الولائية , المحلية ) لا يلتفتون إلى علماء الإسلام من جهة الرواتب الشهرية بصفة خاصة , وإنما يعيش العلماء من نظام الحفلات الإسلامية التي ابتدعوها من أنفسهم كحفلة النكاح , وتسمية المولود , واستقبال الحجاج , وغير ذلك مما أباحوها لأنفسهم .

والعجب كله أن اللغة الانجليزية قد حلت محل العربية , رواجا وإقبالا , فغدا الشعب النيجيري المسلم  يطلون أعناقهم إلى الثقافة الغربية  ليجدوا منها مكانة عظمى , فيطيب لهم العيش بها  في آن واحد .

وشاعر آخر يقول في الموضوع ذاته :

يا رب قد ضقت ذرعا بالهموم وقـــد   
                                رجوت فضلك أصلا ثم لـــــم أزل
أرجوك والحال لايخفى عليك عـــــلى
                                ما كان لي من حياة البؤس والعطل
لقد تعلمت علم الدين في لغــــــــــــــة
                                 أنزلت فيها كتاب الذكر والمثـــــل
صرفت فيها حياتي من بدايتهـــــــــــا
                                  إلى أواسطها والنفس في شغـــــل
لكن على غير جدوى في الحياة وقــد
                                    ظلت معيشتنا ضنكا على الفشــل

تمثل هذه  القصيدة بلا أدنى شك  آلام مثقفي اللغة العربي في نيجيريا بشكل خاص , فالعلماء الذين أفنوا حياتهم في طلب العلوم العربية , حتى توصلوا إلى درجة الإنتاج العلمي , قد ألفوا في معظم الفنون العربية كتبا لا حصرلها , أكثرهم إن لم يكن كلهم , حرمت عليهم المناصب الإسلامية الحكومية بحجة أنهم لم يتلقوا دراساتهم في الجامعات أو المعاهد العليا حينا , أو لم يجيدوا اللغة الإنجليزية تارة أخرى , وبالتالي , ظلت المعيشة كما صورها الشاعران , وقد تمثلنا بنموذجين من هذا النوع من الشعر , ففي دواوينهم أمثلة كثيرة .

وهذه الظاهرة تؤسف بالطبع العلماء , وكل ذي عقل واع , فقد قلت الرغبة في العربية خصوصا في الوقت المعاصر, وبالتالي , قل الراغبون في التخصص بالعربية نظرا إلى عواقب الأمور.

إن للغزو الفكري الاستعماري على الثقافة العربية بغرب أفريقيا أنواع وأشكال , منها :
-  محاربة الأسماء العربية التي حمل لواءها المبشرون , ولم يتفطن له الأكثرون بل تبعهم في ذلك كثير من المسلمين المثقفين في كل مكان
ولقد دعا إلى ذلك دعاة القومية أن من شأن من يخلع عن نفسه ربقة الاستعمار , أن يخلع تبعا لذلك الأسماء الأجنبية حتى ولو كانت قد سميت من قبل الكنائس والمساجد , فنبذ أكثرهم هذه الأسماء الدينية , ورجعوا  إلى الأسماء المحلية , فتبعهم من لايعرف من الإسلام إلا اسمه , ولا من القرآن حتى رسمه , فرجعوا إلى أسماء أجدادهم وأسلافهم المشتقة من الأوثان .

وتوجد هذه الأسماء بكثرة في بلاد يوربا , وهي التي  تمت بصلة إلى الآلهة التي كانوا يعبدونها  من دون الله في الجاهلية , ويعتقدون أنهم منحدرون من تلك الأصنام , مثل اوغن (الحديد المعبود) , شنغو (إله الرعد ) , وأمثالهما كثير جدا في لغتهم . فتجد بعض الحجاج , وبعض الزعماء الإسلاميين في بلاد يوربا حتى اليوم , يرادف هذه الأسماء باسمه , على أنها أسماء أجداده , فيجب أن يحتفظوا بها لأنها أصلهم ومنشأهم

إن المبشرين يتحينون غفلة المسلمين أو يستغفلونهم في هذا الصدد , وإذا أقبل إحصاء السكان للبلاد مثلا , استدلوا بتلك الأسماء على نقصان عدد المسلمين , وكثرة الوثنيين , ثم أنهم حملوا أولاد المسلمين على تغيير أسمائهم في المدارس الثانوية في بادىء أمرهم في غرب أفريقيا عامة , وفي نيجيريا خاصة .


لقد حارب المبشرون والمستعمرون اللغة العربية في العالم العربي أولا , ثم في العالم الإسلامي ثانيا , إذ دعوا المسلمين العرب إلى تجريد الإسلام من العربية ليصير بعض الأ ديان  التي لاتتقيد بلغة في طقوسها وصلواتها .


2- سياسة الحكومة النيجيرية نحو التعليم العربي في المدارس الحكومية الثانوية

إن سياسة الحكومة النيجيرية بالتعليم العربي سيئة , فقد أدخلت مادتي اللغة العربية والإسلامية في المدارس الحكومية الحديثة استجابة لنداءات السلاطين الغيورين , وإرضاء للشيوخ الذين يسهرون لترقيتها , ومع ذلك , جعلتها الحكومة اختيارا لا إجباريا على الطلاب , فركدت  روح العربية والإسلامية من قبل المدرس والدارس على السواء , وفي ذلك يقول الأستاذ الدكتور شيخو أحمد سعيد غلادنثي , رئيس جامعة عثمان بن فوديو سابقا في كتابه " حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا "  قائلا :

" ... أدخلت اللغة العربية والدين في المواد التي تدرس في المدارس الحكومية الحديثة استجابة لرغبة الأمراء , وإرضاء للآباء , ولكن الحكومة بعد إدخال هاتين المادتين لم تقم بفعل أي شيء يساعد على نشر هذه اللغة , وبث هذه الثقافة الإسلامية في تلك المدارس كما كانت تفعل في بقية المواد , فأصاب المادتين روح الجمود , وأصبحتا غريبتين بين المواد الأخرى ينظرون إليهما نظرة احتقار وازدراء لعدم تشجيعهما من قبل الحكومة ... "

ولا يزال الأمرإلى وقتنا الحاضر خصوصا في المدارس الحكومية الثانوية والابتدائية , إضافة إلى ذلك , فإن الحكومة لم تضع في البداية المقرر الخاص لهاتين المادتين كما وضعت للمواد الأخرى , فأصبح كل مدرس يدرس ما شاء , وكيف شاء آنذاك , وإن كان الأمر قد بدأ يتحسن , عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده .

3- إلغاء  قسم اللغة العربية من الأكاديمية العسكرية النيجيرية  

ومن أكبر الدسائس والمؤامرات على التعليم العربي في نيجيريا إلغاء قسم اللغة العربية بين المواد التي تدرس في الأكاديمية العسكرية بحجة لا أساس لها من الصحة . وقد كان القسم العربي بالأكاديمية العسكرية يعيش في رحابها على مدى عقود من السنين , حيث يتعلم العسكريون اللغة العربية لأمور منها ثقافية , ودينية , وتجارية , ودبلوماسية . فجاء نظام أولوسنغو أوباسنجو , الحاكم النيجيري المسيحي السابق بدافع أن القسم لا يفيد العسكرية بأي وجه من الوجوه . ولعل السبب في الإلغاء , يرجع إلى ما قاله الدكتور حمزة إشولا عبد الرحيم في مقال له :

" ..... إن السبب الحقيقي في معاملة العربية بهذه الطريقة , ليس سببا لغويا كما يبدو في الظاهر , وإنما هو سبب ثقافي . فالعربية تمثل الثقافة الإسلامية التي حاربها ولا يزال يحاربها الاستعمار والتبشير النصراني بخلاف اللغة الإنجليزية ... "

ومن الأهمية بمكان أن الحكومة الفيدرالية برئاسة اولوسيغو اوباسنجو المسيحي , قد أزالت الرموز العربية من بعض العملات النيجيرية حقدا على اللغة العربية والإسلام . وقد كانت الرموز العربية متواجدة في العملات  النيجيرية أكثر من أربعة عقود دون تبديل ولا تغيير .
والأسواء فعلا , أن العربية قد كانت بالمركز الثاني بعد الانجليزية , فوضعت الحكومة الفيدرالية اللغة الفرنسية محلها . إن دل ذلك على شيء , فإنما يدل على أن حكومة نيجيريا تظلم العربية ظلما مبينا , وإلا فإن اللغة العربية قد عرفتها البلاد قبل مجيء المستعمرين بقرون , وقبل انتشار المسيحية بقرون , وقبل استقلال البلاد من زمان , ومع ذلك , وضعت اللغة الفرنسية محل العربية بعد ما غزوها وانكمشوها ظلما واعتداء . ولله در القائل :

لغة الضاد قد أهينت كثيــــرا     عد ذاك الهوان عيبا وذنبــــا
منعوها حقوقها فسكتـــــــــم       أسلبوها لها من القوم سلبـــــا
عرف الناس فضلها فغزوها       ورموها بالسقم مينا وكذبــــا
لغة الضاد والحضارة والفــــــــــــن تفوق اللغات ذوقا وعذبـــا
لغة الدين والكرامة والتنـــــــــــــــزيل سيري نحو التقدم وثبــــا
 
الخاتمة :
لقد احتلت اللغة العربية موقفا حسنا في نفوس مسلمي غرب أفريقيا , فقد كانت لغة الدين والثقافة والمراسلات في بعض الدول الأفريقية , ولكن اللغة العربية بعد الاحتلال الأجنبي تدرس في كثير من المدارس الحكومية , وبخاصة في المرحلة الثانوية والجامعات بعدد قليل من الدارسين .

فالغزو الفكري الاستعماري وباء على أمة مسلمي غرب أفريقيا , فيجب أن نتحداه بكل الوسائل الممكنة حتى تعلو كلمة الله التي هي العليا , وتسفل كلمة الكفر وإلا فستغلب الثقافة الغربية على الثقافة الإسلامية العربية بالكلية , في القارة الأفريقية عامة , وفي أفريقيا الغربية خاصة , عاجلا أم آجلا.( والعياذ بالله )
المراجع
1- أبوبكر, علي , الثقافة العربية في نيجيريا من 1750- 1960م,
( بيروت : مؤسسة عبد الحفيظ – البساط , الطبعة الأولى , 1972م).
2- أبوبكر , عيسى ألبي , الرياض , ( إلورن :  مطبعة ألبي , الطبعة الأولى , 2005م .)
 3- الإلوري , آدم عبد الله , تاريخ الدعوة إلى الله بين الأمس واليوم , (القاهرة : مكتبة وهبة , الطبعة الثانية , 1988م ) .
4- الإلوري , آدم عبد الله , موجز تاريخ نيجيريا , ( بيروت : منشورات دار مكتبة الحياة , الطبعة الأولى , 1975م)
5- الإسكندري , أحمد ,  المنتخب من أدب العرب , ( القاهرة : مطابع دار الكتاب العربي , 2004م.
6- حمزة , إشولا عبد الرحيم , " اللغة العربية في ظل الصراعات اللغوية والثقافية في نيجيريا " , مجلة معلمي الدراسات العربية والإسلامية بنيجيريا ,  المجلد السابع , 2007م .
7- غلادنثي , شيخو أحمد سعيد , حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا , الرياض : شركة العيكبان للطباعة والنشر, الطبعة الثانية , 1993م.
8- أغاكا, عبد الباقي شعيب, الأدب الإسلامي في ديوان الإلوري , ( إلورن : مطبعة ألبي , الطبعة الثانية , 200
3م).

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية