|
|
القراءة - مفهومها، أهدافها
د. درية كمال فرحات
توطئة
الإنسان كائن حي، وهو اجتماعيّ بالطّبع، يعيش مع مجموعة من النّاس تربطه بهم عوامل متعدّدة. ويستطيع التّفاهم مع هذه المجموعات بواسطة اللغة. وللغة وظائف عديدة في حياة الفرد والمجتمع، فالبنسبة إلى الفرد هي وسيلة اتصاله مع الغير، وتساعده على التّأثير في الآخرين، وهي وسيلته في التّفكير وعن طريقها يفيد من تجارب الجنس البشريّ. وبالنسبة إلى المجتمع فهي وسيلة تفاهم وعن طريقها يتمّ التّفاعل الاجتماعيّ، وهي عامل مهم في حفظ التّراث الثّقافيّ الحضاريّ .
ولأنّ للغة هذه الأهمية، اهتم التّربويون بتدريس اللغة القوميّة أو لغة أجنبيّة أخرى، فهي وسيلة الإنسان إلى التّعلّم والتّعليم وتتم بواسطة القراءة . ويتحدّث التّربويون عن ضعف التّلاميذ في جميع مراحل التّعليم بالقراءة، ويرجعون أسباب هذا الضّعف إلى الطّريقة أو إلى طبيعة اللغة، وإلى نظام التّعليم وإلى الخطة وإلى البيئة، وقد يرجع إلى أسباب صحيّة عند التّلميذ.
والمنهج المتّبع في هذا البحث هو المنهج الوصفي، نستطيع من خلاله توصيف المشكلة، ولن يكون هذا البحث هو الأول في هذا المجال، ولا خاتمتها، بل هو مرحلة من مراحل البحث المستمر.
أوّلًا : القراءة : مفهومها وطبيعتها
" قراءة الكتاب في اللّغة تلاوته، وهي بعبارة تروبويّة حديثة استخراج المعاني من الرّموز اللّفظيّة " (1). ويُراد بالقراءة إيجاد الصّلة بين لغة الكلام والرّموز الكتابيّة، وتعتمد القراءة على عناصر ثلاثة : المعنى الذّهنيّ ، واللّفظ الذي يؤدّيه، والرّمز المكتوب، و" مهمة المدرسة هي التّأليف السّريع بين هذه العناصر الثّلاثة التي تتمّ القراءة باجتماعها، البدء بالرّمز والانتقال منه إلى لغة الكلام يُسمى قراءة، والعكس يُسمى كتابة وترجمة الرّموز إلى المعاني قراءة سريّة وترجمتها إلى ألفاظ مسموعة قراءة جهريّة " (2). وعلى التّلميذ أن يكون مستعدًا للقراءة، وهذا الاستعداد هو مرحلة من مراحل " نمو الولد وتكامله ضرورية لتمكنه من تعلّم القراءة، وتشترط هذه المرحلة عادة بلوغ الولد السّن الزّمنيّة السّادسة، وإحراز حاصل الذّكاء يبلغ مئة أو أكثر وعدم وجود أية عوائق كضعف في البصر أو السّمع أوسوء التّكيف وهو النّضج الحسي والعقلي والعاطفي الضّروريّ لتعلّم القراءة في أي مرحلة" (3).
وتطوّر مفهوم القراءة، فبعد أن كان بسيطًا سهلًا يعتمد على معرفة الحروف والكلمات والنّطق بها، وكان القارئ الجيد هو السليم الأداء، تغيّر هذا المفهوم نتيجة للبحوث التّربويّة فأصبحت عملية القراءة عملية فكريّة عقليّة تهدف إلى الفهم وتستلزم الرّبط والاستنتاج، وتطوّر مفهوم القراءة " فشمل بجانب التّعرّف على الحروف والكلمات والنّطق، فهم المعاني التي تعبّر عنها تلك الحروف والكلمات" (4). واستمر تطوّر هذا المفهوم فأصبحت القراءة تهتم بتفاعل القارئ مع النّصّ المقروء تفاعلًا يجعله يرضى أو يسخط أو يعجب أو يشتاق أو يحزن، اي أُضيف عنصر النّقد إلى مفوم القراءة.
والمرحلة التّالية كانت استفادة القارئ وانتفاعه مما يقرأ فإذا لم يستخدمه فلا يعدّ قارئًا ، فعليه أن يستخدم القراءة لحلّ المشكلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة. والتطوّر الأخير كان نتيجة لظهور وقت الفراغ، وحاجة النّاس إلى استغلاله، فدعت الحاجة إلى قراءة المتعة والتّرفيه فاشتمل مفهوم القراءة على عنصر جديد هو القراءة للاستمتاع بالمقروء، ويبدو من تطوّر هذه المفاهيم حرص التّربيّة على أن تكون القراءة عملية مجدية تؤدّي وظيفة مهمة في الحياة بالنّسبة إلى الفرد والمجموع، وعليه يقوم " تعليم القراءة على هذه الأسس الأربعة : وهي التّعرف والنّطق والفهم والنّقد" (5) ومن ثم التّفاعل وحل المشكلات والتّصرّف في المواقف الحيوية على هدى المقروء.
ثانيًا : وظيفة القراءة في حياة الفرد والمجتمع
أ – في حياة الفرد
تلخّص فكرة تطوّر القراءة في عبارة هي : كان الطّفل يتعلّم ليقرأ ثمّ صار الآن يقرأ ليتعلّم. ولم تعد هذه العملية غاية مقصودة لذاتها بل هي وسيلة تكسب المعلومات وزيادة الخبرات. ويزاول الفرد القراءة في حياته المدرسيّة وخارجها وهي مستمرة معه. فعصرنا عصر القراءة والاطلاع، وهي وسيلة اتصال الفرد بغيره سواء قربت المسافات أو بعدت فربطه بالعالم الخارجي من خلال اطّلاعه على الثّقافات المتعدّدة.
والقراءة تزوّد الفرد بالأفكار والمعلومات، وتساعد على نمو الطّفل، فالإنسان يأخذ معلوماته من ثلاثة مصادر: "التّجارب الشّخصية، الحديث مع النّاس، والقراءة التي هي أوسع مجال أمامه وأقلّ كلفة وابعدها عن الخطأ " (6). والقراءة هي أساس كلّ عملية تعليميّة، فمتى كان الولد ضعيفًا في القراءة كان هذا سبب من أسباب ضعفه في المواد الأخرى، وبالقراءة نهذّب مقاييس التّذوّق عند الأطفال ونساعدهم على " صدق الاستجابة لقصة تمتاز بجمال السّرد أو لشخصية تمتاز بأمانة التّصوير أو لما بين الفكرة وأسلوبه التّعبير عنها من انسجام" (7)،مما يمنح القارئ القدرة على الاختيار والمقارنة.
ب – في حياة المجتمع
نهضة كلّ فرد في المجتمع والاهتمام بالقراءة يساعد على النّهوض بالمجتمع وارتباطه من خلال وسائل متعدّدة كالصّحافة والرّسائل والمؤلّفات والنّقد والتّوجيه وبالقراءة يصل المجتمع إلى التّفاهم والتّقارب بين عناصره، فلها دور في تنظيم المجتمع من خلال تنظيم المصالح المتبادلة بينهم.
ثالثًا :أهداف تدريس القراءة
القراءة هي الأساس في كلّ تعليم لأنّها تدخل في جميع المواد وتؤثّر في فهمها. ويؤدّي الضّعف في القراءة إلى الضّعف في المواد الأخرى لعدم توافر الفهم الكافي وثم الإخفاق في الدّراسة وفي الحياة. وعلينا الاهتمام بالقراءة ومراعاة ما يأتي :
- الشّرح الوجيز الدّقيق للمفردات والتّعابير الصّعبة.
- أن يكتسب التّلاميذ القدرة على القراءة الجهريّة فينطقون بالكلمات نطقًا صحيحًا ويؤدون المعاني أداء حسنًا .
- أن يكتسبوا القدرة على القراءة على القراءة الصّامتة بسرعة مناسبة مع فهم الأفكار الرئيسة والفرعيّة والقدرة على الاستنتاج وإصدار الأحكام بالقدر الذي وصل إليه نموّهم العقليّ واللغويّ.
- تنمية قدرتهم على الاستماع بحيث يستطيعون تركيز الانتباه فيما يستمعون إليه ويفهمونه فهمًا مناسبًا، ويعبرون عنه تعبيرًا سليمًأ من اللّحن والخطأ.
- أن يزداد ميلهم إلى القراءة والاطلاع، فيقبلون على القراءة الحرة ولا يرتدون إلى الأميّة إذا وقف بعضهم عند هذا الحدّ من التّعليم (8).
وهذه الأهداف هي أغراض درس القراءة في المرحلة الابتدائيّة، وتستمر مع التّلميذ في المرحلة المتوسطة، فلكل قسم من أقسام اللغة العربيّة أغراض عامة، وأغراض خاصة " فالأغراض العامة تتّصل بالمادة ككلّ وتهدف إلى تربية المعلّم من كلّ درس على حدة ثم يعمل على تحقيقها باختيار الطّريقة الملائمة لتدريس الدّرس" (9). ومع اختلاف مرحلة التّعيلم تزداد أغراض درس القراءة عمقاً وتنوّعًأ .
رابعًا : أغراض تعليم القراءة
أ - في المرحلة المتوسطة
* أن يقرأ التّلميذ قراءة يتوفّر فيها السّرعة والفهم، وأن يقدر على التّمييز بين الأفكار الرئيسة والفرعية .
* أن يقدر التّليمذ على تتبّع ما يسمعه وعلى فهمه.
* يزداد ميل التّلميذ إلى القراءة ويتعلّق بها فيقرأ الكتب والمطبوعات في أوقات قراءته.
*إقدار التّمليذ على استخدام أي معجم مبسّط وعلى الانتفاع بالمكتبة والفهارس. وأن يصبح قادرًا على اختيار المادة الصّالحة للقراءة .
* أن يقدر التّلميذ على الآداء المعبّر في القراءة الجهرية(10).
ب – في المرحلة الثّانويّة
* أن تزداد قدرة التّلميذ على القراءة وسرعته فيها، وفهمه للمقروء وتكوينه للحكم على الأفكار لينتفع بها في حياته .
* أن تزداد فكرة التلميذ على تتبّع ما يسمعه وأن يفهمه وينقده.
* أن تزداد قدرة التّلميذ على البحث وتقصّي المسائل واستخدام المراجع والانتفاع بالمكتبة والفهارس.
*أن تزداد قدرة التّلميذ على الآداء الممثّل للمعنى في القراءة الجهريّة (11).
رابعًا : أنواع القراءة
للقراءة عدّة تقاسيم لاعتبارات مختلفة منها :
- أنواعها من حيث الشّكل وطريقة الآداء.
- أنواعها من حيث اغراض القارئ.
- أنواعها من حيث التّهيؤ الذّهني للقارئ .
أ – الشّكل وطريقة الآداء :
1 – القراءة الصّامته :
القراءة عملية فكريّة لا دخل للصّوت فيها لأنّها حلّ الرّموز المكتوبة وفهم معانيها بسهولة ودقة، وليس رفع الصّوت فيها بالكلمات إلاّ عملًا إضافيًا " والقراءة الصّامتة يظهر فيها انتقال العين فوق الكلمات وإدراك القارئ لمدلولاتها بحيث لو سألته في معنى ما قرأ لأجابك" (12) ، فهي قراءة سريّة ليس فيها صوت ولا همس ولا تحريك لسان أو شفة. وللقراءة الصّامتة أهمية اجتماعيّة إذ يتعوّد الإنسان أن يقرأ بصمت عالٍ ضج المكان. ولها أهمية اقتصاديّة، فقراءة الموضوع قراءة صامتة تتمّ في وقت أقلّ مما تستغرقه القراءة الجهريّة , وهي أعون على الفهم وزيادة التّحصيل لأنّ الذّهن متفرّغ ومتهيء، ومتخفّف من الأعمال العقليّة الأخرى في القراءة الجهريّة، وتربويًّا ونفسيًّا تُيسّر على القارئ لأنّه محرّر من النّصّ وأثقاله. ويستفيد من القراءة الصّامتة القارئ دون السّامع حيث تختصر المجهود العضوي والعضلي والنّفسي الذي يقوم به جهاز النّطق (13). والاهتمام بالقراءة الصّامتة يختلف من مرحلة إلى أخرى، فتبدأ العناية بها في المرحلة الابتدائيّة مع الاهتمام بالقراءة الجهريّة، أمّا في المرحلة المتوسطة ينبغي أن يتعادل اهتمامنا بالقراءة الصّامتة مع اهتمامنا بالقراءة الجهريّة.
2 – القراءة الجهريّة :
هي قراءة تشتمل على ما تتطلّبه القراءة الصّامتة من تعرّف بصري للرّموز الكتابيّة وإدارك عقلي لمدلولاتها ومعانيها، ونزيد عليها التّعبير الشّفوي عن هذه المدلولات والمعاني بنطق الكلمات والجهر بها " وبذلك كانت القراءة الجهريّة أصعب من القراءة الصّامتة "(14). وتتميّز هذه الطريقة أنّها وسيلة لاتقان النّطق وللكشف عن أخطاء التّلاميذ ولعلاجها ، وتعدّ التّلاميذ للمواقف الخطابيّة ومواجهة الجامعة. وليستفيد التّلميذ من القراءة الجهريّة يجب على المعلّم أن:
- يوجّه التّلاميذ على أن يجعلوا أساس القراءة الجمل التّامة لا الكلمات المتقطعة حتى تلازمهم هذه العادة.
- يعنى بجودة النّطق ووضوحه وإخراج الحروف عن مخارجها.
- يدرّب التّلاميذ في قراءتهم على حسن الأداء بالتّعبير عن المعنى تعبيرًا يوصفه ويمثّله من غير تكلّف أو تصنّع في نبرات الصّوت
وتتعدّد المواقف التي يستخدم فيها القارئ القراءة الجهريّة كقراءة قطعة أو تأييد رأي في مناقشة، القاء التّعليمات والارشادات، تزويد الآخرين ببعض المعلومات العامة، قراءة قطعة شعريّة(15) .
ب – أنواع القراءة من حيث أغراض القارئ:
1 – القراءة السّريعة العاجلة ويقصد فيها الاهتداء بسرعة إلى شيء معيّن، ولا يقصد بهذه القراءة السّريعة أن تتحوّل إلى قراءة آليّة، وترتكز على الحفظ ، فمع القراءة السّريعة يجب أن نصل إلى إحسان القراءة واستيعاب المعاني. والتّعوّد على هذا النّوع من القراءة، ويفيد الإنسان في مستقبل حياته العمليّة والعقليّة لأنّها تختصر الوقت اللازم للتعلّم (16).
2 – قراءة لتكوين فكرة عامة عن موضوع متسّع : تفيد هذه القراءة عند كثرة المواد التي ينبغي أن يقرأها الإنسان، ويمتاز هذا النّوع من القراءة بالوقفات في أماكن خاصة, ويُساعد التّلاميذ على هذه القراءة بتكليفهم كتابة خلاصة لما يقرؤون في مكتبة المدرسة .
3 – القراءة التّحصيليّة ويقصد بها الاستذكار والالمام.
4 – قراءة لجمع المعلومات، فيجمع القارئ إلى عدّة مصادر ويدرّب التّلاميذ على هذه الطريقة بتكليفهم بإعداد بعض الدّروس مستقلين أو صحيفة المدرسة تتناول موضوعًا معيّنًا مع توجيههم إلى المصادر .
5 – قراءة للمتعة الأدبيّة كقراءة الفكاهات والطّرائف.
6 – القراءة النّقديّة التّحليّلة وتتطلّب التأني(17).
ج – أنواع اقراءة من حيث التّهيؤ والتّصدّي :
وهي نوعان:
أ – قراءة الدّرس وترتبط هذه الطّريقة بمطالبة المهنة والواجبات المدنيّة " والغرض منها عملي يتصّل بكسب المعلومات والاحتفاظ بجملة من الحقائق ولذلك يتهيأ لها الذّهن تهيؤًا خاصّاً " (18).
ب – قراءة الاستمتاع: وترتبط هذه القراءة بالرّغبة في قضاء وقت القراءة وما يشجّع لهذا النّوع, أمّا حبّ الاستطلاع لمعرفة النّفس البشريّة وظروف حياتها، أو الرّغبة في الفرار من هذا الواقع الجديد ، والعيش في عالم الخيال (19).
الهوامش
(1) حنا غالب. مواد وطرائق التّعليم في التّربيّة المتجدّدة . بيروت، لا ن، لا ط ، 1966، ص 401.
(2) عبد العليم إبراهيم . الموجه الفني لمدرسي اللغة العربيّة. القاهرة، دار المعارف، ط 3 ، 1966، ص 55.
(3) فريد جبرائيل نجّار. قاموس التّربيّة وعلم النّفس التّربويّ. بيروت، منشورات دائرة التّربيّة في الجامعة الأمريكية،لاط ،1960، ص 207.
(4) محمد أحمد عبدالقادر . طرق تعليم اللغة العربيّة . القاهرة، مكتبة النّهضة المصريّة، ط 5، 1986، ص 119.
(5) عبد العليم إبراهيم . الموجه الفني لمدرسي اللغة العربيّة. ص 56.
(6) عبد العليم إبراهيم . م . ن . ص 57.
(7) حسن شحاتة . القراءة . لا م ، مؤسسة الخليج العربي، لا ط ، 1984، ص 27.
(8) محمد أحمد عبدالقادر . طرق تعليم اللغة العربيّة . 121.
(9) محمد أحمد عبدالقادر . م . ن . ص 120.
(10) محمد أحمد عبدالقادر م . ن. ص 121-122.
(11) محمد أحمد عبدالقادر . م . ن. ص 122.
(12) عبد العليم إبراهيم . الموجه الفني لمدرسي اللغة العربيّة. ص 59.
(13) عبد الحميد فايد . رائد التربيّة العامة واصول التّدريس . بيروت ، دار الكتاب اللّبناني، لا ط، 1981، ص 145.
(14) عبد العليم إبراهيم . الموجه الفني لمدرسي اللغة العربيّة. ص 66.
(15) حسن شحاتة . القراءة . ص 35.
(16) عبد الحميد فايد . رائد التربيّة العامة واصول التّدريس . ص 144.
(17) عبد العليم إبراهيم . الموجه الفني لمدرسي اللغة العربيّة. ص 71.
(18) عبد العليم إبراهيم . م . ن. ص 72.
(19) حسن شحاتة . القراءة . 45.
|
|
|
|
|