|
|
الخلدونية والتلقي.. فيلسوف عربي أفاد الإنسانية
فيصل خرتش
يعرف كتاب "الخلدونية والتلقي"، لمؤلفه الدكتور محمد حافظ دياب، بابن خلدون من جوانب شخصية وفكرية. ويتطرق بداية الى اسمه ونشأته وأصله وتحصيله العلمي. ثم يبين ذياب أنه ضرب القيروان وغيرها طاعون جارف في منتصف القرن الثامن الهجري، وإثر ذلك غادر ابن خلدون تونس إلى فاس، ومنها إلى غرناطة التي كانت تخضع لتاج قشتالة. وفي عام 1363 م أرسله السلطان مفاوضاً باسمه إلى بطرس الكاسي، ملك قشتالة.. ثم غادرها إلى شمال افريقيا عام 1365، ليمضي إلى بجابة ثم بسكرة ومنها إلى فاس .
. فالأندلس، وأخيرا: العودة إلى تلمسان . وفي تلك الفترة اعتزل ابن خلدون سنوات أربع في جوار قبيلة عربية بتلمسان، حيث كتب مقدمته في قلعتها، ثم احتاج إلى مادّة لإتمام عمله، فحضر إلى تونس عام 1378 م، وعمل عند سلطانها، ثم تركه طالباً الاذن بالسفر إلى الحج، وفي الطريق عرج إلى مصر، ومنها تصدر للإفتاء في الجامع الأزهر يدرّس الحديث والفقه، ويشرح نظريته .. ومات فيها عن عمر يناهز أربعاً وسبعين سنة .
يجد المؤلف أن القرن الذي عاش فيه ابن خلدون يعد واحداً من أشد القرون ضراوة وقسوة في التاريخ، إذ كان قرن التراجعات، فقبله كان العالم الإسلامي يضمد جراحه من آثار الحروب الصليبية وسقوط بغداد بيد التتر وازدياد صراع النفوذين: الأتراك والمغول، وانتشار اللغة العربية في عصره.. وتقلص حكم العرب في الأندلس.
يشرح المؤلف أن ابن خلدون اشتهر بأعمال ثلاثة فقط: ديوان العبر ومقدمته ولاحقته، التي عرّف فيها بنفسه وحكى عن حياته وتجاربه، وقد سمّى الجزء الأول "في طبيعة العمران في الخليقة وما تعرض فيه من العوارض الذاتية".. وعرف عندنا بالمقدمة، وعند الغرب بعلم العمران البشري، وينقسم إلى تمهيد في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه، وتتبعه ستة فصول هي:
في العمران البشري، في العمران البدوي والأمم الوحشية والقبائل، في الدول والملك والخلافة والمراتب السلطانية، في البلدان والأمصار في سائر العمران، في المعاش ووجوهه من الكسب والصنائع، وأخيراً في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه.
أما الكتاب الثاني: "العبر"، إذ وضع له ابن خلدون عنواناً مطولاً: "كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، وأيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر". فلم يلق من العناية ما حظيت به مقدمته، وتعرّض لنقد فائض، وأثار ردود فعل متباينة في المغرب والمشرق لدى بعض المشتغلين بالفقه والحديث. كما ان كتابه " التعريف " ينتسب إلى أدب الرحلات، وكذا إلى أدب السيرة الذاتية.
يوضح ذياب انه بخلاف هذه الأعمال، قدم ابن خلدون مؤلفات أخرى لم يقدر لها الذيوع، وتهدف إلى استيضاح المستقلق من الأفكار والتنبه الى الأخطاء الشائعة وترتيب وتنظيم المعارف وجمع ما تفرق من مسائل، واختصار المسهب وحذف المكرّر.
ويؤكد المؤلف أن ابن خلدون هو ابن ثقافة فريدة في المغرب، صيغت عبر مزيج بربري عربي إسلامي، مسيحي، واختمرت إبان ثمانية قرون، وطرحت ثقافة العصر الذي عاش فيه، وساهمت في تشكيل نسيجه الفكري. وتبدو دلالات التاريخ لديه موصولة بالألفاظ والتراكيب التي تكوّن هذا المصطلح . من مثل :"
فن التاريخ " و " علم التاريخ " و " ظاهر التاريخ ".. كذلك فإنه استفاد من الفلاسفة والأدباء والمتكلمين والفقهاء والمؤرخين، والجديد في فكره السياسي إنما هو تعريفه لهذا الفكر بأنه عقل السياسة بلغة العمران والتاريخ . وأفاد صاحب المقدمة من مؤلفات الذين سبقوه خلال تعرضه للجوانب الاقتصادية، في اعتباره أن العمل كمصدر للرزق، وأخذه لوقف متشدد من تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، وتنبيهه لرئيس الدولة من الخوض في التجارة.. وغير ذلك من القضايا في هذا الشأن.
ويشدد المؤلف على أنه تظل أهمية الخلدونية لا تضاهيها في القيمة، سوى راهنية فكرها بالنسبة إلى المجتمع العربي المعاصر، وهي راهنية تتأتى من كون العديد من البنى والعلاقات المعاشية والعصبوية، التي وضعها صاحب المقدمة وحلّلها، لاتزال تعيد إنتاج نفسها.
البيان
|
|
|
|
|