|
|
الازدواجيّة اللّغويّة
د. نوال بنت سيف البلوشية
يحتلّ المجتمع العربيّ رقعة جغرافيّة ممتدة، تتميّز بتنّوع الأعراق والأجناس والدّيانات، وينعكس ذلك التّنوع في البناءِ اللّغويّ كونه أداة التّواصل الرّئيسة بين أبنائها. ولمّا كانت الازدواجيّة اللّغويّة ظاهرة طبيعيّة من ظواهر التّنوع اللّغوي، أصبح من الضّروريّ بيان مفهومها، وتاريخ ظهورها في اللّغة العربيّة وأثرها على الجانب اللّغويّ لدى الأفراد في المجتمع وتأثيرها في إتقانهم لمهارات التّعبير الشفويّ؛ باعتبارها المهارة المركّبة – من أصوات ولغة وتفكير، وأداء تحقيق الاتصال الاجتماعي بين الأفراد في المجتمع الواحد.
وإذا ما تطرّقنا إلى مفهوم مصطلح الازدواجيّة اللّغويّة لوجدنا إنّها تختلف من دراسة إلى أُخرى وفق الزّاويّة المتناولة في كلّ دراسة. فقد عرّفها اللّغوي الفرنسيّ وليم مارسيّه عام 1930م في مقالة له عن تواجد ظاهرة الازدواجيّة اللّغويّة لدى اللّغة العربيّة بقوله: "هي التّنافس بين لغة أدبيّة مكتوبة ولغة عاميّة شائعة للحديث". وعرّف عمّار( 2002: 14) الازدواجيّة اللّغويّة بأنّها: الوضع الّذي يميّز الأفراد أو الجماعات اللّغويّة الّتي تستعمل معًا شكلين للغة واحدة.
ومما سبق تعني الازدواجيّة اللّغويّة أنّها: استخدام الفرد مستويين لغويين في إطار اللّغة الواحدة. واحد المستويين رفيع والآخر عاميّ منحرف أو متطوّر.
يرجع تاريخ ظهور مصطلح الازدواجيّة اللّغويّة إلى اللّغويّ الألمانيّ "كارل كرومباخ" في كتابه المشهور مشكلة اللّغة اليّونانيّة الحديثة المكتوبة 1902 م حينما تطرّق إلى طبيعة ظاهرة الازدواجيّة اللّغويّة وأصلها وتطوّرها في اللّغتيّن اليّونانيّة والعربيّة. ثم ظهر ذلك المصطلح في مقالٍ للّغوي الفرنسيّ وليم مارسيه عام 1930م. ونقلها شارلز فرجسون في عام 1959م إلى الإنجليزيّة ليدلل بها على وجود شكلين مختلفين من الاستخدام للّغة الواحدة.
تعد ازدواجيّة اللّغة ظاهرة ثابتة، لوجود حالات كثيرة من الازدواجيّة استمرت عدّة قرون. وحينما يظهر في مجتمعٍ لغويّ نوع من التّوتر بين اللّهجتين العُليا والدّنيا؛ يكون الحلّ بتطوير خليطٍ من أشكال متوسطة بين اللّهجتيّن العليا والدّنيا، تشترك معهما في بعض الخصائص، ويتم فيها اقتراض بعض المفردات.
وقد نبهت الدّراسات الّتي تناولت هذه الظّاهرة مثل دراسة السّيد ( د:ت ) ومجاهد (2004) في التّأثير السّلبيّ للازدواجيّة اللّغويّة لدى الفرد في تعبيره عن نفسه وفكره؛ باعتبار اللّغة قالب الفكر؛ فمن كان لديه ازدواج لغويّ فإنّه يفكر بمستوى لغويّ معين وغالبًا ما يكون المُستوى الّذي لا يحتاج إلى عناء وهو العاميّ الّذي يُكثر الخطاب فيه، وبعد أنْ تستقيم له الفكرة بقالبها العاميّ يحتاج تحويلها إلى قالبٍ فصيح مكتوب، إلى جهدٍ فكري أخر، عوضًا عن أنْ ينصب الجُهد الفكريّ في المعنى، ينصرف إلى الشّكل الّذي يظهر فيه. وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف حصيلة الفرد العربيّ بصورة خاصة، في ألفاظ لغته وتراكيبها وصيغها، وأساليبها الفصيحة. المؤدي إلى ما يُعرف بالضّعف اللّغويّ المتمثل في ضعف قدرته على التّعبير السّليم أو السّلس بهده اللّغة.
باختصار يمكن أنْ نقول: أنّ للازدواجيّة اللّغويّة ظاهرة طبيعيّة في كلّ لغات العالم، وليست مقتصرة على اللّغة العربيّة؛ فكلّ اللّغات بها شكل رفيع يستخدم في المواقف الرسميّة وهو "الفصيح"، وشكل آخر ينحرف عن الفصيح يستخدم في التّواصل اليّوميّ وهو ما يُعرف "بالعاميّ". ومن الجدير ذكره في مقام حديثنا عن الازدواجيّة اللّغويّة أنّ هُناك اختلاف بين الازدواجيّة اللّغويّة والثّنائيّة اللّغويّة كظاهرتين مختلفتين في البناء اللّغوي، وأنّ لكل منهما عوامله وأثره.
المراجع
أوّلاً: المراجع العربيّة
عمّار، سام (2002). اتجاهات حديثة في تدريس اللغة العربية. بيروت: مؤسسة الرسالة.
السيد، محمود (د:ت) في قضايا اللّغة العربيّة . الكويت: وكالة المطبوعات.
فاسولد، رالف (2000) علم اللّغة الاجتماعيّ للمجتمع. ترجمة إبراهيم صلاح الفلاي، جامعة الملك سعود.
المعتوق، أحمد محمّد (1996). الحصيلة اللّغوية أهميتها مصادرها ووسائل تنميتها. عالم المعرفة، العدد212.
مجاهد، عبدالكريم (2004). علم اللسان العربي: فقه اللّغة العربيّة. عمّان: دار أسامة.
العتوم، مهى محمود (2007). الازدواجيّة اللّغويّة في الأدب نماذج شعريّة تطبيقيّة. مجلّة اتحاد الجامعات العربيّة للآداب، مجلد4، العدد1، عمّان.
ثانيًا: المراجع الأجنبيّة
-Stoke, William C. , Jr (1969). Sign Language Digloossia. Eric# ED 030086.
-Sirles, Craiq(1983). Reassessing Diglossia for Language Planning. Eric# ED240867.
|
|
|
|
|