للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

من مقاصد القراءة

د. أمين عبد الله اليزيدي

تختلف مقاصد التحليل باختلاف مقاصد القراءة، وأيضاً يختلف نوع القراءة وغرضه. وعلى كلٍّ فقد يكون من مقاصد القراءة والتحليل بصفة عامة بما فيها تحليل المقال، الفيلم..( ):
1-    من أجل الحصول على فكرة واضحة جيداً عن الشيء، النص، الفيلم، المقال..، أو محور فكره أو اهتمامه الأول. مثلاً: ما القضية الأساس التي تدور حولها عملية إبداع المبدع؟ علماً أنَّه ليس ضرورة فعل ذلك غير أنه من المفيد معرفة القضية الأساسية التي تدور حولها عملية الإبداع، وقد يكون غرضاً للقراءة والتحليل.
2-    تقرير مقصد المبدع إن أمكن.
3-    وضع المادة – موضع التحليل – في تصنيفٍ ما، إما مسبقاً أو جديداً، وقد لا يكون التصنيف غرضاً أساسياً لكنه يفيد في التحديد والتقريب. وهذا التصنيف في ضوء التساؤلات الآتية: ما هو اهتمامه الأساسي الأول؟ هل يدور حول الشخصية، الفكرة، الحبكة؟ هل هو مُصَمَم لنقل فكرة أو عرض قضية؟ في هذا الإجراء يمكننا أن ننتقل إلى بيان أوضح وأدق تحديداً للموضوع الرئيسي كما يعيننا على تحديد ما نريد نحن معرفته أيضاً.

وهنا يمكننا البدء في التحليل بعد القراءة أو القراءات، تحديد غرض القراءة وعمل مسح إجمالي لعناصر النص وأفكارنا التي لابد وأننا قد دونَّاها ودونَّا ملاحظات عن العمل الفني/ الأدبي ثم نتقدم في التحليل وفقاً لإجراءات المنهج المتبعة - أيَّاً كان هذا المنهج – لنرى كيف تصمد قراءاتنا – المدونات التي دونَّاها جيداً – تحت وطأة تحليل كامل لعناصر العمل الفني/ الأدبي جميعاً وبعد أن نكون قد حاولنا الإجابة على الأسئلة الملائمة والمتصلة بالموضوع فيما يخص كل عنصر على حدة، فإننا مستعدون لنعزو كل عنصر للكل. والسؤال الأساس هنا هو: كيف تتصل العناصر المنفصلة جميعاً وتسهم في الموضوع أو العرض الرئيسي؟ وتتضمن الإجابة على هذا السؤال تقديراً – على الأقل- لكافة العناصر في العمل، ولو أن إسهام بعضٍ منها سوف يكون أعظم كثيراً من البعض الآخر( ).  مثلاً: من عناصر النص: الألفاظ المفردة، التراكيب والجمل، الموسيقى والإيقاع، الاستعارات والصور الفنية، كيف يعمل كل عنصر على حدة في خدمة إثبات موضوع التحليل وفق غرض المحلل؟ لنفترض أنَّه يريد إثبات أنَّ النص/ العمل يدور حول محور واحد هو الكفاح من أجل الكرامة في شعر الصعاليك. أو الحزن والكآبة في عينية أبي ذؤيب, أو إثبات التفوق الذاتي في معلقة امرئ القيس. ومن الشعر اليمني يمكنك أن تأخذ الأعمال الكاملة لصالح بن علي الحامد لتتبَّع موضوع اهتمامه في دواوينه الثلاثة. أو نتوقع أنَّ قصةً ما تدور حول محور الصراع الاجتماعي كيف نثبت ذلك من خلال تحليل القصة إلى عناصرها المتضمنة عناصر القص واللغة والفن. ثم نرى كيف أن كل عنصر أسهم بطاقاته في خدمة هذا الغرض والذي – حتماً – لن يكون هو الغرض الوحيد الممكن استنتاجه من القصة.

ونحن نقرأ النص/ العمل كاملاً بغرض التحليل سيكون بالضرورة في أذهاننا:
أولاً: مراقبة ما مدى إسهام العناصر المتباينة المنفردة والمتنوعة في بناء الصراع أو الكفاح من أجل الكرامة - على سبيل المثال- وفق ما دونَّاه وصنفناه: هل اللغة بعناصرها المختلفة ( المفردات، الاشتقاقات الصرفية وصيغ المبالغة، التراكيب وفنونها من تقديم وتأخير ونحو ذلك) الموسيقى ( الإيقاع وعناصره من عروض، وقافية وموسيقى داخلية في الشعر، وسجع وجناس) التصوير وعناصره ( التشبيه، الاستعارة، الكناية، الأمثال، العبارة الوصفية التصويرية، جملة الحال. ومن أين استمدت تلك العناصر مكوناتها التصويرية ) البيئة ومكوناتها وكما تظهر في بنية النص/ الصورة / الفيلم/ المسرحية، ( البيئة الاجتماعية من عادات وتقاليد وأعراف ومؤثراتها على بنية الموضوع غرض التحليل مثلا ما مدى تأثير عناصر البيئة في بناء الصراع أو الكفاح من أجل الكرامة؟).
ثانياً: تكوين فكرة عن محور اهتمام النص/ العمل والمبدع ومقصديته، و مع أن مقصدية المبدع قد لا تكون ضرورة لكنها مفيدة في استحضار طريقة وغرض بناء العمل الفني على هذا النحو أو ذاك وعامل مساعد في تفسير توقعاتنا وافتراضاتنا عن بنية النص وبيئته. كما يمكننا أن نلحظ: ما موضوع وغرض المبدع في هذا العمل؟ ثم نقارن – إن أمكن- هذا العمل الجزئي موضع التحليل مع مجمل أعمال الفنان، كأن نقارن غرض الشاعر( امرؤ القيس)  في معلقته مع قصائده الأخرى.
ثالثاً: نصل بهذا التحليل عند هذا المستوى إلى فهم مادة التحليل (  العمل الفني/ الأدبي) كعمل فني موحد، وإذا ما وصلنا إلى ذلك الفهم نصبح على أهبة الاستعداد تقريباً لكي نتقدم إلى إجراء عملية تقييم، وبعبارة أخرى ما إن نشعر بأننا نفهم مقاصد المبدع/ الفنان/ المُخْرِج، وأن لدينا فكرة واضحة تماماً عن كيفية سعيه لتحقيق تلك المقاصد فسوف نكون أحراراً في أن نصدر نوعاً من الحكم عما إذا كان قد نجح أم أخفق وما مدى ذلك. ومن ثمَّ فنحن نتوقع هذه المقاصد وفق معطيات نستشفها من القراءة وإعادة القراءة والتحليل. وربما بمساعدة من قراءة السيرة الذاتية والبيئة التاريخية والاجتماعية المحيطة بالمبدع؛ لأنه لا يوجد قط شكل فنيٌّ يحيا في فراغ، وكلما زادت شعبية فن من الفنون واتسعت جاذبيته إلى كل قطاعات الشعب زادت وثاقة ارتباطه بقيم جمهوره وأعرافهم وأنظمتهم الاجتماعية. فالفن/ الفنون، ليس لها كينونة مستقلة قائمة بذاتها بل هي جزء متوحد في نسيج البنية الاجتماعية( ).

رابعاً: من البديهي قبل البدء في إجراء تقييم موضوعي لمادة التحليل ( نص/ فيلم/ مسرحية/ خطابة..) أن ندرك ما مستوى طموح العمل، وهل غرضه التسلية بوصفها مقصودة لذاتها؟ أم التأثير والإقناع؟ أم الإمتاع؟ أم كل ذلك؟
خامساً: لا نستطيع إجراء تقييم يتسم بقدر من الثبات والقوة قبل أن تتضح لنا: الفكرة، المقاصد، مساهمة عناصر العمل كل عنصر على حدة ثم كلها مجتمعة في عرض الموضوع وتصويره، عندها ربما نصبح جاهزين لبدء تقييمنا للموضوع الفيلم/ النص.  ولكي نحدد تأثير كل عنصر على حدة ثم مجتمعة ينبغي أن نضع أيدينا على موضع التأثير، ما هو الموضع؟ وما مسببه؟ وما تأثيره؟ ( هل كان حرف جر؟ أم خاتمة قصيدة؟ أم مَثَل اختتم به المقطع؟ ..ونحو ذلك)
سادساً: إذا ما تم لنا الإجراء السابق ( وضع اليد على موضع ومسبب التأثير) يمكننا المضي قدماً لنجيب على السؤال الآتي: لماذا نجح أو فشل؟ ونحدد لماذا وأين وفي أي موضع؟. وهنا ينبغي أن نتفحص العناصر المنفردة بحثاً عن موطن القوة أو الضعف، وأي العناصر تسهم أقوى إسهام في: عرض الموضوع، في التأثير الجمالي، في إدهاش المتلقي، هل الموسيقى؟ أم التراكيب؟ أم ألفاظاً مفردة وصيغاً اشتقاقية؟ الرموز التاريخية والمحلية؟  مقطع حواري معين؟ استلهام نص ديني أو شعبي؟ إلى غير ذلك. وهذا البُعد والذي قبله لم يغيبا مطلقاً عن أذهان النقاد الأوائل ويبدو واضحاً جلياً في تحليلات عبد القاهر الجرجاني للنصوص.
سابعاً: بعد إجراء هذا التقييم الموضوعي علينا أن نكون مستعدين للدفاع عنه ليس من باب الجدل وإنما من باب التأكد من صحة النتائج وفرضياتها التي قادتنا إليها.
ثامناً: يبرز هنا تساؤل مؤثر وهو: هل الإجراءات السابقة- وهي علمية ومنطقية ومنهجية تماماً- تستطيع أن تجعلنا نُخْضِعَ الفن للعقل أو نجعله في بساطة معادلة( 2+2=4)؟ أعتقد أن الإجابة واضحة وهي : لا. إن الاستجابة البشرية للمدخلات الحسية والعاطفية وتأثيراتها أكثر تعقيداً؛ لأننا بشر، ولأن النص الذي نتعامل معه، أو الفيلم أو المسرحية، تخاطب عواطفنا ونستجيب لها كلٌّ حسب موقفه وفكرته وغيرهما من العوامل المؤثرة في الاستجابة من الأهواء المستحكمة، والنزعات والتجارب والتكيف الاجتماعي والأخلاقي، ودرجة الثقافة والعمر والزمان والمكان اللذين نعيش فيهما، وبكل منحى من مناحي ذاتيتنا المتميزة. ومهما تعمدنا الإغراق في الموضوعية العلمية لابد من أن نعبر عن استجاباتنا لِما نحلله بطريقةٍ أو بأخرى، قد تختلف مواضع ومقادير أو نسبة ظهور ملمح الاستجابة الذاتية فقط.



التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية