للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

والدة في سطور

د. علي محمد عوين

تزوجت حواء من محمود و كان لها دور كبير في تنظيم حياته و رسم نهج سوي له جعله يصبح من الرجال الناجحين؛ و رغم صغر سنها فلقد كانت الزوجة الحنون و الأم المربية و المكافحة متحدية كل الظروف و الصعاب،و بذلك كافأها الله بأن رأت عزا في أواخر أيامها لا تحلم به إلا القليل من النساء.كانت حواء من أب و أم ليبيين غير أنها ولدت بالرديف و كانت كما ذكرت تحب و تقدر زوجها حبا يفوق الوصف رغم قسوته عليها في بعض الأحيان و ربما تصل قسوته حد إهانتها أمام الغير من أهلها أو غيرهم،و مع هذا فهي لا تنبس ببنت شفة أو ترد الإهانة  بل إنها كانت تغتم و تصبر حتى تعود إلى البيت و عندها يكون الحساب و المعاتبة.و مما حدث ذات مرة أن أحد إخوتها بتحريض من إحدى عجائز العائلة لكمه أمام الناس(الأخ لكم محمود) فأسقط له اثنتين من أسنانه و عندما عاد محمود للبيت مكسور الخاطر مبتئسا حزينا يخبر حواء بما حدث له انزعجت و بكت زوجها الذي جرح في كبريائه ثم اتجهت إلى الله تدعوه أن ينتقم من أخيها و في أسرع وقت ممكن،و سبحان الله فقد استجاب الله لدعوتها فلم يمر أسبوع حتى أصبح أخوها عاجزا لبقية حياته.و قصة عجزه مدعاة للاستغراب الشديد و لا يملك الإنسان إلا أن يقول " إن لله في خلقه شؤون ".كان الأخ يعمل بالمنجم فطلب إليه رئيسه في العمل أن يذهب إلى أحد الأنفاق ليحضر بعض الأدوات فخرج من توه ليقوم بذلك و كان لا بد من استعمال سلم حديدي و عندما صعد السلم كانت كمية الأكسيجين المتاحة ضئيلة فأصابته دوخة ثم غاب عن الوعي فترة من الزمن أدت إلى سقوطه غير أن يده التي ضرب بها محمود و إحدى رجليه علقتا بالسلم و بقيتا تحملان بقية جسمه لفترة تزيد عن الأربع و عشرين ساعة فتولدت له بذلك إعاقة كاملة.كان ذلك في السنة 1947.
كانت حواء من محبي العلم و التعلم فكانت تتابع دراسة أبنائها أولا بأول،و يذكر أحد أبنائها أنها كانت تنتظر نتيجة امتحانات كل فترة بفارغ الصبر و هي بالطبع لا تفهم كثيرا في التقديرات و لكنها كانت تسأل أبناءها " من كانت درجاته أفضل أنت أو ابن فلان ؟ " و الإجابة تحدد المصير، جزاء حسنا أو عقابا ،و إذا ما شكت في إجابة أحد الأبناء فإنها تذهب للتأكد بنفسها من ابن فلان.و رغم أن محمودا لم يكن يبالي بأن يواصل أولاده الدراسة إلا أنها كانت تصر دائما على أن يكمل الأولاد دراستهم و كانت تقول " لا بد أن يكمل أولادي دراستهم و يصلوا أقصى مراتب التعلم حتى و لو أضطررت  إلى العمل خدامة في البيوت "؛ و بتوفيق من الله كان لها ما أرادت و لم تمت حتى رأت أولادها و بناتها و منهم الدكتور و المهندس و الضابط و الأستاذ و المدرسة و المحاسبة.
بعد العودة إلى أرض الوطن ليبيا و نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها العائلة آلت حواء على نفسها أن تشحذ الهمم و تعمل المستحيل كي يستمر أبناءها في النهل من معين العلم و المعرفة و خصوصا و أن زوجها محمود قد تقدم به العمر.فكانت تسهر الليالي هي و ابنتها البكوشة (البكماء الصماء) تصنع البطاطين و الأردية الصوفية (العبي و الجرود) كي تستطيع كل خمسة عشر يوما إنجاز قطعة منها ليتم بيعها بسوق اللفة حتى تستطيع العائلة مواجهة نفقات الحياة البسيطة.و لتوضيح طريقة العيش تلك الأيام نضرب مثلا اللحم،فرغم أن ثمن كيلو لحم القعود كان بنصف جنيه إلا أن العائلة لا تستطيع شرائه  و بدلا من ذلك تبعث بعشرة قروش لأحد الجزارين بالجوار بالمنطقة لشراء حاسة (و هي عبارة عن خليط من المصران و الرئة و ...)و يكون ذلك بمثابة عيد للعائلة.
عمل آخر كانت حواء تقوم به هي و ابنتها المذكورة و هو الحياكة و خصوصا حياكة البدل العربية،و هذه يهل موسمها الكبير قبيل حلول العيدين، و كانت حياكة البدل العربية(الواحدة) لا تتجاوز العشرة قروش و لكنها كانت تمثل دخلا جيدا للعائلة.و تبدلت الحالة نحو الأفضل عندما أتى خاطب من طرابلس للبكوشة حيث كان ذلك سببا في التحول للسكن بطرابلس.
كانت حواء أيضا ذات نظرة ثاقبة فكانت تعمل بقاعدة " العقل السليم في الجسم السليم" ،فركزت هي و محمود على توفير كل عناصر الغذاء الضرورية لأفراد العائلة كما كان الحال في الرديف فكانت العائلة تأكل اللحم و لو بكمية صغيرة و كذلك الخضراوات و الفواكه.يذكر أحد أفراد العائلة أن التفاحة في بعض الأحيان كانت تقسم على ثمانية.كان هذا يحدث في الوقت الذي كانت فيه العائلة تسكن مسكنا شعبيا لا تتوفر فيه أبسط مقومات السكن و كان ذلك مدعاة للسخرية من قبل الكثير و خصوصا الأقارب؛و لكن كانت حواء تتحداهم بأنه سوف يكون لأبنائها شأن و أن الرجال يصنعون المال إذا ما كانوا بصحة جيدة.
الجانب الآخر الذي لا يمكن إهماله في منهجية محمود و حواء التربوية هو أنه بالرغم من حيهما لأبنائهما و محاولة تدليلهم إلا إنهما كانا صارمين و ربما قاسيين في أمور معينة و ويل لأي ولد يتجاوز القواعد المرسومة من قبل محمود و حواء.في قصة لأحد الأبناء أنه حدث ذات يوم أن ابتعد هو و أخوه الموالي له في السن عن البيت للعب كرة القدم مع أقرانهما، و كان من قبل قد قام بمخالفة ما، و خرج محمود ينادي عليهما و لما لم يحضرا أمامه بعد ثالث نداء،أخذ للأمر عدته فجهز الحبال القوية المفتولة و العصي و أوثقهما عند عودتهما للبيت من أيديهما و أرجلهما و تناوب هو و حواء على ضربهما لمدة تزيد عن الساعة حتى ناما من شدة الضرب.إنها فعلا قسوة و أي قسوة و لكنهما كانا يريان في ذلك التربية السليمة.
و رغم الخصال الحميدة التي ذكرناها لحواء إلا أنها شأنها شأن كل النساء استأثرت بالسلطة و السيادة بعد وفاة محمود و اتخذت عدة قرارات كانت غير موفقة فيما يتعلق بتزويج إحدى بناتها و إحدى حفيداتها.هذه القرارات ما زالت تتجرع العائلة مرارة نتائجها حتى يومنا هذا.
توفت حواء عن عمر يناهز السبعين بعد وفاة زوجها بثمانية عشرة سنة و بعد أن أكرمها الله بحج بيت الله الحرام مرتين و بعد أن رأت نعم كثيرة من الله و رأت أحفادها من معظم أولادها و بناتها و حتى أبناء حفيداتها.و قبل أن يتوفاها الله تعلمت الكثير رغم أميتها،فبعد موت زوجها فتحت حسابا مصرفيا تستقبل فيه معاش زوجها الضماني و تعلمت كيف توقع اسمها و تسحب المال من حسابها بواسطة الصكوك التي توقعها.رحم الله محمود و حواء و رحم الله كل والدينا و جزاهم عنا كل خير.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية