للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الدّال والمدلّول بين المحدثيّن والقدامى وأثرهما في التّطور الدّلاليّ للألفاظ

د. نوال بنت سيف البلوشية

نشطّت الدّراسات الدّلاليّة على نحو بارز في السّنوات الأخيرة، وهذا أمر ليس بغريب في العلوم الإنسانيّة إذ تتبلور جوانب في المعرفة وتتكامل لتغدو علمًا له قِوامة، وبذلك يلحظ،  أنّ العلماء والباحثين في العلوم الإنسانيّة يستمدون أصولًا قديمة كأساس رصين لما سيقدمون، فينظرون فيها بمناهج جديدة وبرؤى تتطلع إلى استفادة تخدم العصر وتحرك فاعلية تلك الأصول من خلال فروعها المتولّدة منها.
    " والتراث اللّغوي العربيّ دليل حضارة شيّدت بنيانها وفق نظام، كان العقل المعماري فيه هو الأساس لكلّ تصوًّر نظري وعملي، وإنّ تراثًا كهذا، لا يعقل أن يكون قد خلا من معالجات دلالية بمفهوم العلم كما ندركه الآن، خاصّة وأن التراث اللّغوي يعدّ سمةً فارقةً لحضارة قومٍ، يمكن أن نطلق عليها (حضارة النّص)".
 وبذلك تعد اللّغة الإنسانيّة في جوهرها نظاما نسقيًا يربط الأصوات بالمعاني، ويتجلى ذلك في التّواصل بين أفراد المجتمع اللّغوي، الّذي يجعل اللّغة نظامًا من العلامات الدّالة الّتي تغطي مجالًا واسعًا من المفاهيم المرجأة إلى الخبرة الإنسانيّة، ولما كانت العلامة حقلٌ لسانيّ يشمل جميع التّصورات المستوحاة من الواقع الخارجي الّذي يعد مرجعًا لتشكيل الدّوال، وتحقيق التّلازم التّواضعي بين الدّال والمدلول. كان من الضّروري الحديث عن العلامة الّتي كان الإنسان صانعها ومؤولها، فالمراحل الحضاريّة الّتي مر بها الإنسان عبر الحقب الزّمانيّة المختلفة، تدل أنّ مركز الاستقطاب في الحضارة الإنسانيّة كان العلامة، وستظل العلّامة كذلك، من حيث هي معطي نفسيّ، وثقافيّ، واجتماعيّ، وحضاريّ بشكل عام.
ويلتقي في هذا العلم علماء اللّغة المحدثين مع علماء العربيّة القدامى في كثير من موضوعاته وعناصره، رغم اختلفت تسمياتهم لدراسات المرتكزة في المعاني اللغوية، فمنهم من سماها "علم الدّلالة" أو "دلالة الألفاظ"، ومنهم من سماها " علم المعنى"  أو " المعنى اللّغوي"، والمصطلح المعبر عن علم الدلالة عند الغربيين هو "السيمانتيك" Semantic.
إن أهمية علم الدّلالة لا تكمن فقط في علوم اللّغة الخاصة باللّسانيات فحسب، و إنّما تظهر أهمية هذا العلم في العلّوم الأخرى كالفلسفة والمنطق وعلم النّفس وعلم الاجتماع وغيرها من العلّوم؛ كون هذا العلم – علم الدّلالة – يهتم بدراسة العلّاقات بين الدّوال والأشياء الّتي تدل عليها، وبناء على ذلك يكون المعنى حاملاً معه دلالات كلّ علم يتفق مع اختصاصه ويتلاءم مع اهتماماته، ونظرًا للعلاّقة الوثيقة بين علم الدّلالة والعلوم الأخرى، يترتب على علم الدّلالة وجوده في كلّ العلوم الّتي تشترك في انتاجه، يلغي كلّ الحدود المعرفيّة؛ ليتحقق من تكوين منهجه وتقويم مسلكه.  
والبحث الدّلاليّ لا يتوقف على معرفة الدّلالات بلّ، يتقصى العلّاقات الدّلاليّة بين الرّموز اللّغوية ومدلّولاتها وما يترتب عليها من نتائج في سلامة الأداء للغرض المقصود، وفي وضوح الرّسالة الموجهة من المتكلّم إلى المتلقي.
وقد وضح ابن خلدون الدّال والمدلول حينما قال: في مقدّمته – علم أصول الفقه وما يلزم دارسيه -، وهو كمصنف من المصنفات عربيّة قديمة بينت ماهية علم الدّلالة في صورته المعاصرة يقول: " يتعين النّظر في دلالة الألفاظ، ذلّك أنّ استفادة المعاني على الإطلاق من تراكيب الكلام على الإطلاق يتوقف على معرفة الدّلالات الوضعيّة مفردة ومركبة... "ثم بين إن هناك استفادة أخرى خاصة من تراكيب الكلام، في المبحث الخاص بعلم "الكلام "كونه الأساس الأوّل لعلم الدّلالة.

واعتمد علماء اللّغة المحدثين في تعريفاتهم للدّال والمدلول على تعريفات القدامى، و أكبر دليل على ذلك مواضع التّشابه في مفهوم وتعريف دي سوسير مع علماء العربيّة القدامى، علمًا أنّ سوسير ناقش الدّلالة على مستواها اللّغوي فقط وهو ما سماه الجاحظ اللّفظ والخطّ، بقاعدة متعارفة بين المهتمين بعلم الدّلالة:  "كلما كانت الدّلالة أوضح وأفصح كانت الإشارة أبين وأنور".

ومما سبق نلتمس أنّ حقيقة العلّاقة بين التّراث ووعينا المعاصر في العلوم المختلفة كعلّاقة السّبب بالنّتيجة؛ إذ ليس للتّراث وجود مستقل خارج وعينا به، وفهمنا إيّاه. ووجوده المستقل إنّما يتمثّل في شكل من أشكال الوجود العيني الّذي يدرك بالحس ويخضع لمقاييس الفراغ المكانيّ الّذي يحتله على رفوف المكتبات في شكل مجلدات مطبوعة أو محفوظة. وليس هذا الوجود العينيّ هو الّذي يعنينا؛ وإنّما الّذي يعنينا وجوده في معرفتنا وفي وعينا الثّقافي كالعروة الوثقى في العلوم العربيّة الحديثة.
ورغم ذلك نجد بعض علماء اللّغة يعرفون علم الدّلالة: بأنّه العلم الّذي يدرس المعنى، سواء على المستوى الكلمة المفردة أم التّركيب. وتنتهي هذه الدّراسة غالبا بوضع نظريات في دراسة المعنى تختلف من مدرسة لغويّة إلى أخرى، فبعض علماء المعاجم يعرفون علم الدّلالة بأنّه: ذلّك الفرع من علم اللّغة الّذي يقوم بدراسة المعنى المعجمي. ومعنى هذا أنّ علماء المعاجم ينظرون إلى علم الدّلالة على أنّه يختص بدراسة الألفاظ المفردة دون القضايا المختلفة التي قد يتناولها علماء اللّغة عند دراستهم لعلم الدّلالة، حتى أصبح هذا العلم عندهم يعنى بدراسة المعنى المعجمي وحده .
ودراسة المعنى المعجمي تتصل بثلاثة فروع انبثقت من علم اللّغة الحديث وهي:
1-    علم الدّلالة
2-    علم المفردات
3-    علم المعاجم

وترتبط  مرحلة التّطور بالنسبة لأيّ لغةٍ ارتباطًا مباشرًا بالعقليّة والثقافة والنّظرة المستقبلية العامة للمجتمع الّذي يتحدث بها. ومن أهم السّمات الّتي تميّز علم اللّغة الحديث، " أنّ اللغات تتغيّر باستمرار، وأنّ هذا التغيّر ليس بالضّرورة فسادًا في اللغة أو انحرافًا عن التعبير الصحيح... إنّ التّغير اللغوي في أغلب أحواله ضرورة  ملحة، وحقيقة لا يمكن إنكارها..." في عصرٍ يشهد بالتّغيرات والتّطورات المستمرة في وسائل الحياة وتصاريفها، ولم تكن اللّغة بمعزل عن هذه التّطورات باعتبارها أداة التّعبير عن حاجات المجتمع، والّذي يؤكد الجانب النّفعي لاستعمال اللّغة سواء أكان في الجانب الاجتماعيّ أم في الجانب الوظيفيّ للغة؛ تعريف ابن جني للّغة بأنها: " أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم".  
نلاحظ مما سبق:
1)    أنّ التّطور الدّلالي جانب من جوانب التّطور اللّغوي الّتي تحتمها جوانب اجتماعيّة وثقافيّة بالدّرجة الأولى.
2)    أنّ التّطور الدّلالي يتم بتلاحم اللّغة والفكر في المجتمع الّذي تحقق فيه التّطور.
3)    أنّ اللّغة أصوات يعبر بها كلّ قوم عن أغراضهم بما يتناسب عصورهم وهذا تأكيد لتعريف علماء اللّغة للّغة.
4)    أنّ عوامل التّطور الدّلالي في اللّغة العربيّة تنقسم إلى عوامل خارجيّة وأخرى داخليّة تتمثل :
1.    العوامل الخارجيّة: تتعلق بالجوانب الاجتماعيّة والثقافيّة والجوانب النّفسيّة لأبناء اللّغة.
2.    العوامل الدّاخليّة: تتعلق باللّغة نفسها متمثلة في الجوانب الصّوتيّة و النّحويّة والاشتقاقيّة والسّياقيّة الّتي نميزها من خلال الاستخدام.
    وتتجلى مظاهر التّطور الدّلالي حسب ما ذهب إليه علماء اللّغة المحدثين والقدامى في ثلاثة مظاهر :
1.    تعميم الدّلالة أو توسيعها.
2.    تخصيص الدّلالة.
3.    تغير مجال استعمال الكلمة أو ما يسمى بانتقال الكلمة.
الّذي بدوره أدى إلى ظهور: التّرادف، والمشترك اللّفظي، التّضاد، والاشتقاق، والدخيل والمعرب، وغيرها من الظّواهر اللّغويّة.
    بذلّك يعد التّطور الدّلاليّ أحد جوانب التّطور اللّغويّ، ميدانه الكلمات ومعانيها، ومعاني الكلمات لا تستقر على حال، بلّ هي في تغير مستمر لا تتوقف ما دامت الحياة قائمة بين بني البشر. ورجوعنا للمعاجم القديمة والحديثة تبرهن على تغيّر معاني الكلمات من عصر إلى عصر. وهي تبرهن وتدلّل على:  
1)    أنّ اللّغة العربيّة لغة حيّة يمكن تطويرها وتطويعها لمتطلبات كلّ عصر.
2)    أنّ التّراث اللّغويّ العربيّ القديم يعد العروة الوثقى للعلوم العربيّة الحديثة عامة، وفي العلوم اللّسانية على وجه الخصوص.

المراجع
ابن خلدون،  عبد الرحمن  أبو زيد ولي الدين (2004). مقدمة العلامة ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر. بيروت: دار الفكر.
بصل، محمد (2001). علم الدلالة بين العرب والغربيين. مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة الآداب والعلوم الانسانية. سوريا , مج 23, ع 16، ص ص.153 – 163.
الجنابي، أحمد نصيف . (1984). رؤية جديدة في مفهوم علم الدلالة. مجلة البحوث والدراسات العربية. العراق، ع13،, ص ص.198 – 215.
الحاوي، عثمان محمد أحمد (2006). علم الدلالة تأصيلًا ودراسةً وتطبيقًا. الرياض: مكتبة المتنبي.
الخليل، حلمي (1993). الكلمة دراسة لغوية معجمية. القاهرة : دار المعرفة الجامعية. ط2.
الدّاية، فايز (1985). علم الدلالة العربي النظرية والتطبيق دراسة تاريخية، تأصيلية، نقدية. بيروت: دار الفكر.
الدرة، ضرغام (2009). التطور الدلالي في لغة الشعر. عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع.
زرال، صلاح الدين (2008). الظاهرة الدلالية عند علماء العربية القدامى حتى نهاية القرن الرابع الهجري. الجزائر: الدار العربية للعلوم ناشرون.
الضامن، حاتم صالح (دت). فقه اللغة. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة بغداد/ كلية الدراسات الإسلامية والعربية دبي.
الغزالي، أبي حامد (1969).معيار العلم. القاهرة: دار المعارف.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية