|
|
ثراء اللغة العربية
د. محمد سعيد حسب النبي
جلست يوماً إلى صديقي المتخصص في اللغة الإنجليزية في حوار حول الثراء اللغوي للغة العربية واللغة الإنجليزية، في مقارنة بين اللغتين، ودُهشت عندما تحول النقاش إلى هجوم على العربية، متهماً إياها بأنها لغة قديمة يعلوها غبار التاريخ، وقد شُق قبرها متهيئاً لضمها بين لحظة وأخرى، بينما اللغة الإنجليزية؛ لسان العصر والعلم والعولمة، اللغة الأوسع انتشاراً والأكثر ثراءً.. فأوقفته قائلاً: أتفق معك جزئياً فيما أشرت إليه من أن اللغة العربية قديمة، وقد كساها التاريخ أصالة وعمقاً، وألبسها الدين قداسة ووقاراً، واتسعت مفرداتها لتستحق بأن تكون لغة شاعرة، كما أشار العقاد في كتابه اللغة الشاعرة.
أما في الثراء فأختلف معك كأشد ما يكون الاختلاف؛ فثراء اللغة العربية مشهود له، وخذ مثالاً على ذلك من كلمة واحدة في اللغة العربية وهي كلمة "درس"، وانظر إلى مقابلها في اللغة الإنجليزية، فإن مشتقات هذه الكلمة في الإنجليزية تنحصر في مفردتين. بينما مشتقات الكلمة في اللغة العربية أضعاف أضعاف مشتقاتها في اللغة الإنجليزية، وأحلتُ صديقي إلى معجم لسان العرب لبحث مشتقات هذه الكلمة، ولأن التكنولوجيا المعاصرة قدمت لنا خدمات جليلة في هذا السياق؛ فقد أطلعته على مشتقات الكلمة في قاموس Longman في اللغة الإنجليزية، ومعجم لسان العرب والذي أحمله في هاتفي النقال، وإذا بعلامات الانبهار تعلو وجه صديقي المتخصص، وكأنه يعيد اكتشاف لغته العربية التي هاجمها، واللغة الإنجليزية التي تخصص فيها، وانتهى اللقاء وقد عقد العزم على أن ينفق ما تبقى من عمره للبحث في مفردات اللغة العربية ومشتقاتها الأكثر ثراءً بين باقي اللغات الإنسانية.
وأحيل القارئ إلى تعرف مشتقات كلمة "درس" في معجم لسان العرب، والتي كانت سبباً في تغيير مسار صديقي متخصص اللغة الإنجليزية.
"درس" في لسان العرب
درس: دَرَسَ الشيءُ والرَّسْمُ يَدْرُسُ دُرُوساً: عفا. ودَرَسَته الريح، يتعدَّى ولا يتعدَّى، ودَرَسه القوم: عَفَّوْا أَثره. والدَّرْسُ: أَثر الدِّراسِ. وقال أَبو الهيثم: دَرَسَ الأَثَرُ يَدْرُسُ دُروساً، ودَرَسَته الريحُ تَدْرُسُه دَرْساً أَي محَتْه؛ ومن ذلك دَرَسْتُ الثوبَ أَدْرُسُه دَرْساً، فهو مَدْرُوسٌ ودَرِيسٌ، أَي أَخْلَقْته. ومنه قيل للثوب الخَلَقِ: دَرِيس، وكذلك قالوا: دَرَسَ البعيرُ إِذا جَرِبَ جَرَباً شديداً فَقُطِرَ؛ قال جرير: رَكِبَتْ نَوارُكُمُ بعيراً دارساً، في السَّوقِ، أَفْصَح راكبٍ وبَعِيرِ. والدَّرْسُ: الطريق الخفيُّ. ودَرَسَ الثوبُ دَرْساً أَي أَخْلَقَ؛ وفي قصيد كعب بن زهير: مُطَّرَحُ البَزِّ والدِّرْسانِ مَأْكُولُ الدِّرْسانُ: الخُلْقانْ من الثياب، واحدها دِرْسٌ. وقد يقع على السيف والدرع والمِغْفَرِ. والدِّرْسُ والدَّرْسُ والدَّريسُ، كله: الثوب
الخَلَقُ، والجمع أَدْراسٌ ودِرْسانٌ؛ قال المُتَنَخِّلُ: قد حال بين دَرِيسَيْهِ مُؤَوِّبَةٌ، نِسْعٌ لها بِعِضاهِ الأَرضِ تَهْزِيزُ. ودِرعٌ دَرِيسٌ كذلك؛ قال: مَضَى وَورِثْناهُ دَرِيسَ مُفاضَةٍ، وأَبْيَضَ هِنْدِيّاً طويلاً حَمائِلُهْ. ودَرَسَ الطعامَ يَدْرُسُه: داسَه؛ يَمانِيَةٌ. ودُرِسَ الطعامُ يُدْرسُ دِراساً إِذا دِيسَ. والدِّراسُ: الدِّياسُ، بلغة أَهل الشام، ودَرَسُوا الحِنْطَة دِراساً أَي داسُوها؛ قال ابنُ مَيَّادَة: هلاَّ اشْتَرَيْتَ حِنْطَةً بالرُّسْتاقْ، سَمْراء مما دَرَسَ ابنُ مِخْراقْ. ودَرَسَ الناقة يَدْرُسُها دَرْساً: راضها؛ قال: يَكفيكَ من بعضِ ازْدِيارِ الآفاقْ حَمْراءُ، مما دَرَسَ ابنُ مِخْراقْ. قيل: يعني البُرَّة، وقيل: يعني الناقة، وفسر الأَزهري هذا الشعر فقال: مما دَرَسَ أَي داسَ، قال: وأَراد بالحمراء بُرَّةً حمراء في لونها. ودَرَسَ الكتابَ يَدْرُسُه دَرْساً ودِراسَةً ودارَسَه، من ذلك، كأَنه عانده حتى انقاد لحفظه. وقد قرئ بهما: وليَقُولوا دَرَسْتَ، وليقولوا دارَسْتَ، وقيل: دَرَسْتَ قرأَتَ كتبَ أَهل الكتاب، ودارَسْتَ: ذاكَرْتَهُم، وقرئ: دَرَسَتْ ودَرُسَتْ أَي هذه أَخبار قد عَفَتْ وامَّحَتْ، ودَرُسَتْ أَشدّ مبالغة.
وروي عن ابن العباس في قوله عز وجل: وكذلك نُصَرِّفُ الآيات وليقولوا دَرَسْتَ؛ قال: معناه وكذلك نبين لهم الآيات من هنا ومن هنا لكي يقولوا إِنك دَرَسْتَ أَي تعلمت أَي هذا الذي جئت به عُلِّمْتَ. وقرأَ ابن عباس ومجاهد: دارَسْتَ، وفسرها قرأْتَ على اليهود وقرأُوا عليك. وقرئ: وليقولوا دُرِسَتْ؛ أَي قُرِئَتْ وتُلِيَتْ، وقرئَ دَرَسَتْ أَي تقادمت أَي هذا الذي تتلوه علينا شيء قد تطاول ومرَّ بنا. ودَرَسْتُ الكتاب أَدْرُسُه دَرْساً أَي ذللته بكثرة القراءة جتى خَفَّ حفظه عليَّ، من ذلك؛ قال كعب بن
زهير: وفي الحِلم إِدْهانٌ وفي العَفْوِ دُرْسَةٌ، وفي الصِّدْقِ مَنْجاةٌ من الشَّرِّ فاصْدُقِ، قال: الدُّرْسَةُ الرِّياضَةُ، ومنه دَرَسْتُ السورةَ أَي حَفظتها. ويقال: سمي إِدْرِيس، عليه السلام، لكثرة دِراسَتِه كتابَ اللَّه تعالى، واسمه أَخْنُوخُ. ودَرَسْتُ الصَّعْبَ حتى رُضْتُه. والإِذهانُ: المذَلَّة واللِّين. والدِّراسُ: المُدارَسَةُ. ابن جني: ودَرَّسْتُه إِياه وأَدْرَسْتُه؛ ومن الشاذ قراءة ابن حَيْوَةَ: وبما كنتم تُدْرِسُونَ. والمِدْراسُ والمِدْرَسُ: الموضع الذي يُدْرَسُ فيه. والمَدْرَسُ: الكتابُ؛ وقول لبيد: قَوْمِ إلا يَدْخُلُ المُدارِسُ في الرَّحْـْمَةِ، إِلاَّ بَراءَةً واعْتِذارا. والمُدارِسُ: الذي قرأَ الكتب ودَرَسَها، وقيل: المُدارِسُ الذي قارَفَ الذنوب وتلطخ بها، من الدَّرْسِ، وهو الجَرَبُ. والمِدْراسُ: البيت الذي يُدْرَسُ فيه القرآن، وكذلك مَدارِسُ اليهود. وفي حديث اليهودي الزاني: فوضع مِدْراسُها كَفَّه على آيةِ الرَّجمِ؛ المِدْراسُ صاحب دِراسَةِ كتبهم، ومِفْعَل ومِفْعالٌ من أَبنية المبالغة؛ ومنه الحديث الآخر: حتى أَتى المِدْراسَ؛ هو البيت الذي يَدْرسون فيه؛ قال: ومِفْعالٌ غريب في المكان. ودارَسْت الكتبَ وتَدارَسْتُها وادَّارَسْتُها أَي دَرَسْتُها. وفي الحديث: تَدارَسُوا القرآن؛ أَي اقرأُوه وتعهدوه لئلا تَنْسَوْهُ. وأَصل الدِّراسَةِ: الرياضة والتَّعَهُّدُ للشيء. وفي حديث عكرمة في صفة أَهل الجنة: يركبون نُجُباً أَلينَ مَشْياً من الفِراشِ المَدْرُوس أَي المُوَطَّإِ المُمَهَّد. ودَرَسَ البعيرُ يَدْرُسُ دَرْساً: جَرِبَ جَرَباً قليلاً، واسم ذلك الجرب الدَّرْسُ. الأَصمعي: إِذا كان بالبعير شيء خفيف من الجرب قيل: به شيء من دَرْسٍ، والدَّرْسُ: الجَرَبُ أَوَّلُ ما يظهر منه، واسم ذلك الجرب الدَّرْسُ أَيضاً؛ قال العجاج: يَصْفَرُّ لليُبْسِ اصْفِرارَ الوَرْسِ، من عَرَقِ النَّضْحِ عَصِيم الدَّرْسِ من الأَذى ومن قِرافِ الوَقْسِ. وقيل: هو الشيء الخفيف من الجرب، وقيل: من الجرب يبقى في البعير.
والدَّرْسُ: الأكل الشديد. ودَرَسَتِ المرأَةُ تَدْرُسُ دَرْساً ودُرُوساً، وهي دارِسٌ من نسوة دُرَّسٍ ودَوارِسَ: حاضت؛ وخص اللحياني به حيض الجارية. التهذيب: والدُّرُوس دُروسُ الجارية إِذا طَمِثَتْ؛ وقال الأَسودُ بن يَعْفُر يصف جَواريَ حين أَدْرَكْنَ: الَّلاتِ كالبَيْضِ لما تَعْدُ أَن دَرَسَتْ، صُفْرُ الأَنامِلِ من نَقْفِ القَوارِيرِ. ودَرَسَتِ الجارية تَدْرُسُ دُرُوساً. وأَبو دِراسٍ: فرج المرأَة. وبعير لم يُدَرَّسْ أَي لم يركب.
والدِّرْواسُ: الغليظ العُنُقِ من الناس والكلاب. والدِّرْواسُ: الأَسد الغليظ، وهو العظيم أَيضاً. والدِّرْواس: العظيم الرأْس، وقيل: الشديد؛ عن السيرافي، وأَنشد له: بِتْنا وباتَ سَقِيطُ الطَّلِّ يَضْرِبُنا، عند النَّدُولِ، قِرانا نَبْحُ دِرْواسِ. يجوز أَن يكون واحداً من هذه الأَشياء وأَولاها بذلك الكلب لقوله قرانا نبح درواس لأَن النبح إِنما هو في الأَصل للكلاب. التهذيب: الدِّرْواسُ الكبير الرأْس من الكلاب. والدِّرْباسُ، بالباء، الكلب العَقُور؛ قال: أَعْدَدْتُ دِرْواساً لِدِرباسِ الحُمُتْ قال: هذا كلب قد ضَرِيَ في زِقاقِ السَّمْن يأْكلها فأَعَدَّ له كلباً. يقال له دِرْواسٌ. وقال غيره: الدِّراوِسُ من الإِبل الذلُلُ الغِلاظُ الأَعناق، واحِدها دِرْواسٌ. قال الفراء: الدِّرواسُ العِظامُ من الإِبل؛ قال ابن أَحمر: لم تَدْرِ ما نَسْجُ اليَرَنْدَجِ قَبْلَها، ودِراسُ أَعْوَصَ دَارِسٍ مُتَخَّدِّدِ. قال ابن السكيت: ظن أَن اليَرَنْدَجَ عَمَلٌ وإِنما اليَرَنْدَج جلود سود. وقوله ودِراسُ أَعوصَ أَي لم تُدارِس الناسَ عَويص الكلام. وقوله دارس متخدد أَي يَغْمُضُ أَحياناً فلا يرى، ويروى متجدد، بالجيم، ومعناه أَي ما ظهر منه جديد وما لم يظهر دارس.
|
|
|
|
|