للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

إصلاح التعليم في الوطن العربيّ

أ. إسَلمُو ولد سيدي أحمد

لا يختلف اثنان على أن التعليم هو المحور الأساس لكل تنمية بشرية، سواء أتعلّق الأمر بتنمية الفرد أم بتنمية المجتمع.
وقد أدركت الدول المتقدمة هذه الحقيقة في وقت مبكّر فقامت بإعداد الدراسات ووضع البرامج الساعية إلى إصلاح التعليم وتطويره ليستجيب لحاجات ما أصبح يُعرَف بـ:" مجتمع المعرفة ". ومُواكَبةً لهذا التوجُّه الكَونيّ، يأتي القرار رقم (354) الصادر عن القمة العربية التي عُقدت بالخرطوم، في شهر مارس /آذار 2006م ، الداعي إلى إعداد خُطَّة لتطوير التعليم في الوطن العربيّ، وتكليف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتنفيذها، بالتنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
عُرِضت الخُطَّةُ بعد إعدادها على القمة العربية التي عُقِدت بدمشق، في شهر مارس/ آذار 2008م ، حيث أُقِرَّتْ ، و اتُّفِقَ على أن تقوم المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بمتابعة تنفيذها، بالتنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
وجاء في البند (3) من قرار القمة العربية: "دعوة الدول العربية الأعضاء إلى تنفيذ ما ورد في الخُطَّة ، وتوفير التمويل اللازم لإنجازها ، على المستوى الوطنيّ (القُطريّ) ، وتقديم جميع أنواع الدعم المطلوب لضمان نجاحها حسب الإمكانات المتاحة لكل دولة".
وفي الوقت الذي يجري فيه الإعداد لتنظيم أيام تفكيرية (تشاورية) حول التعليم في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ارتأينا أن نُذكّر بهذه الخُطَّة التي تتابع المنظمة العربية تنفيذها ، للاستئناس بما ورد فيها من أفكار وتصورات، مُشِيرين  إلى أن إصلاح التعليم في الأقطار  العربية لا يمكن –بأيّ حال من الأحول- أن يتمّ بمعزل عن ((مشروع النهوض باللغة العربية للتوجُّه نحو مجتمع المعرفة)) الذي تُوليه المنظمة أهمية خاصة والذي يدخل في صميم إصلاح التعليم، بالإضافة  إلى تحقيق التعريب الشامل الذي يضمن للمواطن العربيّ أن يتعلّم بلغته حتى يتمكّن من فهم العلوم والمعارف بسهولة، ليصل بعد ذلك إلى مرحلَتيْ الاستيعاب والابتكار اللتَيْن أثبتت الدراسات المتخصصة أنه يصعب، بل يستحيل، الوصول إليهما إلا من خلال التعلّم باللغة الأم. يُضاف إلى ذلك أن استعمال لغة واحدة (مُوحَّدَة ومُوحِّدَة) في التدريس، يُعدّ من أهم العناصر الضامنة للوحدة الوطنية، لما له من أثر إيجابيّ في تفاهم وتماسك مختلف شرائح المجتمع، داخل كل قُطر عربيّ. ومن هنا ندرك أهمية وجود لغة جامعة، عند الحديث عن التدريس، دون التقليل من أهمية اللغات الوطنية الأخرى، في حالة وجودها(كالحالة الموريتانية)  التي هي عامل قوة، بدلاً من أن تكون عاملَ ضعف، والتي تجد مكانها الطبيعيّ في إثراء الحياة الثقافية والاجتماعية ، الأمر الذي يتطلب تطويرها والنهوض بها للقيام بهذا الدور الحيويّ ، والعمل على عدم تهميش المتحدثين بهذه اللغات أو إقصائهم، وذلك في إطار ما يضمنه الدستور، والقوانين المعمول بها ، من عدالة ومساواة وتكافؤ للفرص أمام جميع المواطنين. ونحن نتحدث عن توحيد لغة التدريس في موريتانيا، البلد المسلم الذي تعايشت فيه الشرائح العربية وغير العربية، على مر الزمان ، في أمْن وأمان  وتناغم وتوادّ وتراحُم وتعاوُن، بفضل هذا الدين العظيم الذي ساوى بين البشر، بغض النظر عن العِرْق أو اللون، فإنه لا يُعقل أن نجد مسلماً يعارض استعمال لغة القرآن في التدريس والإدارة ويطالب بالاستمرار في استخدام لغة أجنبية تذكّرنا بعهد الاحتلال البغيض!.
ونريد هنا أن نفتح "قوسا" ونَهْمِس في آذان إخواننا المتكونين بلغة أجنبية –بغض النظر عن عِرْقِهم –أنهم في مأمن من التهميش، في حالة اعتماد اللغة العربية في التدريس والإدارة، لأن الدولة –أيّ دولة- ستظل بحاجة إليهم، فنحن في عهد العولمة والانفتاح والعلاقات المتداخلة بين الشعوب المتعددة اللغات، ومن هنا فإن من يعرف لغة أجنبية إلى جانب اللغة الأم، يكون بذلك قد أضاف شخصاً إلى شخصه، وكما يقال: " بكل لسان إنسان"، أي أن هذا الشخص  لديه قيمة إضافية . كما يجب علينا أن نتحلى بفضيلة الابتعاد عن الأنانية المتمثلة في الحرص على المصالح الشخصية الضيقة، في مقابل المصلحة العامة التي تقتضي- في هذه الحالة- المحافظة على لغة البلد الرسمية التي هي لغة محيطه العربيّ والمغاربيّ ورمز هُويته وأداة تطبيقه لشعائره الإسلامية. إن الأمة التي لا تحافظ على ثوابتها أمة محكوم عليها بالزوال. فلنحافظ على ثوابتنا ولننطلق في بناء البلد وتنميته وتطويره، وسنرى أن عدونا الحقيقيّ هو الجهل والفقر والمرض، فلنعمل –يدًا في يدٍ- من أجل القضاء على هذا الثالوث المدمِّر.
وبالعودة إلى الموضوع الأساس، لا بد أن نشير إلى أن اللغة العربية، التي هي اللغة الرسمية لجميع الأقطار الأعضاء في جامعة الدول العربية، هي اللغة الوحيدة، من بين اللغات الوطنية الأخرى، المؤَهلة في الوقت الراهن –على الأقل- لأن تكون لغةَ الإدارة ولغة التدريس في مستويات التعليم كافَّةً (من الروض إلى الجامعة) لِما تتميز به، عن اللغات الوطنية الأخرى، من خصائصَ ومعاييرَ لغويةٍ، على المستوى النحويّ والصرفيّ و التركيبيّ والبلاغيّ...، بالإضافة إلى ما تحمله معها من إرث حضاريّ ضاربٍ بجذوره في أعماق التاريخ البشريِّ. وعلينا، في هذا الباب أن نبتعد عن التشكيك في قدرة اللغة العربية على أن تحل محل اللغة الأجنبية التي هي من مخلفات الاحتلال الأجنبيّ والتي ينبغي، مع ذلك، أن نحافظ على تدريسها، بصفتها لغة أجنبية مساعدة على التفاهم مع أهل هذه اللغة ، لا بصفتها لغة تدريس أو لغة إدارة، والفرق شاسع بين الأمرين. ولايعني هذا أننا راضون كل الرضى عن المستوى العلميّ والتقانيّ ( التكنولوجيّ) للغة العربية، ولهذا فإننا ننادي بضرورة تنميتها وتطويرها ، ونغتنم هذه المناسبة لننوّه بجهود المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وجهازها المتخصص، مكتب تنسيق التعريب، في هذا المجال.
ولا يفوتنا، في هذا المَقام، أن نشير إلى ضرورة معالجة المأساة التي يعيشها أبناؤنا الطلاب في الوقت الراهن، المتمثلة في أنهم يتلقوْن دروسهم باللغة العربية –وهو أمر طبيعيّ- إلى أن يحصلوا على شهادة الثانوية العامة ( البكالوريا ) ، وعندما يصلون إلى التعليم الجامعيّ يصطدمون بأن المواد العلمية غير معرّبة فيجدون أنفسهم بين خيارين أحلاهما مُرّ، إما أن يتوجهوا إلى التخصصات الأدبية المعرّبة ويضحّوا بطموحهم  العلميّ، أو يحاولوا الدراسة في التخصصات العلمية التي تُدرَّس بلغة أجنبية زادُهم منها قليل، في أغلب الأحوال، مما يترتب عليه فشلهم في دراستهم أو تعثُّرهم فيها على الأقل. أما التفوق - المُفضي إلى الإبداع - فلا أمل فيه بسبب الحاجز اللغويّ. ويكمن حل هذه المشكلة، بكل بساطة، في تعريب التعليم الجامعيّ، مع الاهتمام بالترجمة، وتدريس اللغة الأجنبية (الإنجليزية في المشرق العربيّ، والفرنسية في المغرب العربيّ) بصفتها لغة أجنبية – كما أسلفنا- لا بصفتها لغة تدريس أو لغة إدارة.
وفي الختام، فإننا نشدد على ضرورة التنسيق مع الجهات التي أعدت خطة تطوير التعليم، المشار إليها، للاستفادة مما بُذِل من جهود في هذا المجال، من أجل وضع خُطَّة تستجيب لقرارات القِمَم العربية، من جهة، وتأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الموريتانية، من جهة ثانية. مع الابتعاد عن الارتجالية والتسرع  في اتخاذ قرارات غير مناسبة. فالعالَم المتقدم اليوم لا يترك شؤونَه الحيوية للمصادفة المحضة، لأنه يبني سياساتِه على دراسات علمية تستشرف المستقبل وتتوقع النتائج، بناءً على تجارب  الماضي ومعطيات الحاضر.  وعلينا أن نتذكر أن الوضع المرتبِك الذي يوجد فيه التعليم في  موريتانيا ، وغيرها من البلدان العربية الأخرى، كان نتيجة حتمية لمحاولات الإصلاح الفاشلة والقرارات المبنية على معطيات مغلوطة  وتوجّهات غير مدروسة، مع أن التعليم أهم من أن يكون حقلَ تجارب لأنه يخص البشر، بينما المخلوقات التي تُجرى عادة عليها التجارب هي الفئران وما شابهها.
أملنا وطيد في أن تتكلّل بالنجاح أعمال هذه اللقاءات التشاورية وأن تظل موريتانيا، الإسلامية  العربية الإفريقية –كما عهدناها- منارةَ علم ونموُذَجاً حيا للوحدة والتحابّ والتآخي ، عملاً بالحديث الشريف "لا يومن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". جعلنا الله  من المؤمنين الصادقين، ووفقنا لما يحبه ويرضاه، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية