|
|
اللغة العربية الفصحى هي وحدتنا كأمة عربية
موقن بأن الثقافة الحرة لا تشرى ولا تباع، وبأن انفتاحها يصنع السلام، ويجدد الحياة والطمأنينة، ولذلك أنشأ جائزة باسم داره التي تحولت إلى مؤسسة للثقافة بالمجان، تضم العديد من الأديبات والأدباء العرب والأجانب، كأعضاء وسفراء.
هو شاعر وإعلامي وناشر، له العديد من المؤلفات، منها: "حياة أدبًا"؛ وقد ترجم إلى أربعين لغةً في مجلد جامع بعنوان "الناجيات". حائز جائزة الشعر العالمية الكبرى (رومانيا، 2002)، في المهرجان الشعري الوحيد الذي شارك فيه، مرشح لأكثر من جائزة، منها ال"برمي إنترنسيونل كاتالنيا". رفض قبول ميدالية الحرية العالمية من الولايات المتحدة الأمريكية في تموز 2006. ويعاني من جنون ثقافي، جعله غير آبه بما يملك، في سبيل تعزيز الكلمة.
حول عشقه للقلم والورق قال: منذ أحرفي وأرقامي الأولى، في مدرسة الأخوة المريميين بجونيه، درة الشاطئ اللبناني، وجدت نفسي بين آلات الطباعة في دير الآباء البولسيين بحريصا، فاتيكان الشرق، ومطبعته، وبلدة الورود بحسبي، حيث امتلأت رئتاي برائحة ذلك الأسود، الملون أحيانًا، أعني تلك المادة السحرية التي تنقل الحرف من عالم الفرد والأحادية إلى عالم الجماعة والتضعيف، بحيث تغدو كلماتك، وكلمات غيرك، في متناول الجميع.
وتمنيت، مذ كنت في السابعة من العمر، لو تكون قبلتي الأولى للفتاة التي أحب، ولو أضع يومًا كتابًا، "يكون كتابي"، وأوزعه بالمجان. وفي التاسعة أو العاشرة من العمر، في بلدة ريفون الكسروانية، حررت مجلتي العربية الأولى، "مجلة الطلاب"، وتنظيمها وطباعتها على الآلة الكاتبة، وكانت بالحرف اللاتيني، فاكتشفت، عرضًا، ما أنشأه في ما بعد سعيد عقل، الشاعر، باعتماده الحرف اللاتيني المعدل في كتابة لهجته المحكية. وقد صدرت "المجلة"، بالطبع، في عدد يتيم ونسخة واحدة، وولد الصحافي في. وفي الثانية عشرة، نشرت أول أقصوصة لي، بآلة كاتبة ذات أحرف عربية هذه المرة، وأتبعتها بقصة سينمائية، ثم بقصة بالفرنسية لأحد الرفاق، وجاء ذلك في نسختين اثنتين للكتب الثلاثة، وولد الكاتب والناشر في.
واسترسل مستذكراً: شهد عام 1979 قيام "دار نعمان للثقافة"، وطباعة أول مجموعة خواطر لي فيها بعنوان "خمس وعشرون". وتحقق، بتوزيعي الكتاب بالمجان، حلم الطفولة، وأعلنت المجانية رسميًا لدي، والتي بدأت سلسلتها "الثقافة بالمجان"عام 1991، وفوجئت بخسارة القليل مما جمعت بالجد والكد لدى انهيار أحد المصارف الأجنبية، لكني تابعت رغم سيف المديونية، وأصدرت مئات الكتب المجانية، لمؤلفين من أربعة أصقاع العالم كتبوا بعشرات اللغات. ولما أدرك الصحافي الصديق اسكندر داغر أن اللوثة أدركتني، أطلق علي لقب "مجنون الثقافة بالمجان"، فشكرت الله على أنه أصابني بتلك العلة. ومضيت أزيد في جنوني جنونًا، ودائمًا دون أية مساعدة رسمية أو خاصة، وبالاستدانة لفترات طويلة، فكانت جوائزي الأدبية المختلفة، و"لقاء الأربعاء صالون ناجي نعمان الأدبي الثقافي"، وأكشاك الكتب المجانية المفتوحة أمام العموم، والمكتبة المجانية المتخصصة بالأعمال الكاملة.
ولما كانت تلك الأنشطة قد انتشرت وتوسعت وفاقت إمكاناتي الشخصية، عمليًا وماديًا، أنشأت مؤخرًا جمعيةً غير حكومية، ولا تبغي الربح، هي "مؤسسة ناجي نعمان للثقافة بالمجان"، ضمت أنشطتي الثقافية الحالية، وستضم تلك المستقبلية (منها، بعون الله ومساعدة محبي الثقافة، إذاعة ثقافية دولية، وتلفاز)، على أن تشارك في المؤسسة نخبة من رجالات الثقافة ونسائها عبر العالم، وبحيث تؤمن للثقافة بالمجان الاستمرارية والتوسع والانتشار، أكثر فأكثر، وتؤمن، بالتالي، خدمة أهل القلم بنشر أعمالهم، ولاسيما خدمة القراء بوضع المزيد من الأعمال المنشورة بين أيديهم، إلى استمرارية تفعيل الأنشطة الثقافية المجانية الأخرى، وتوسعها وانتشارها. ومن شأن جهد سفراء المؤسسة، وأعضائها الفخريين، والمكاتب التي قد ينشئونها في مراكز إقامتهم، أن تسهم في جعل مفهوم الثقافة بالمجان يتزايد انتشارًا، وفاعلية.
وغايتي من المجانية، اعتقادي بأننا أعطينا الحياة بالمجان، أفلا نعطي ما في فكرنا الآخر، محبةً منا له؟ أم أن الخير للخير اندثر؟ حسبي ألا أمر على هذه البسيطة مجرد رقم كما يمر كثيرون، منهم - على العكس مني - متمولون لا يجدون لأموالهم سبيلاً ولا لحياتهم معنًى!
وتابع موضحاً علاقته العشقية مع اللغة العربية: كان والدي متري نعمان، رحمه الله، من أشد المدافعين عن لغة الضاد، وقد أصدر آخر كتبه، عام 1979، بعنوان "أنقذوني من أهلي"، بمعنى أن اللغة العربية تنادي العلي القدير أن ينقذها من أهلها، أي من الناطقين بها أنفسهم.
وهكذا، لما استتبعت جوائزي الأدبية المفتوحة على جميع أنواع الأدب واللغات واللهجات (أطلقت عام 2002)، بجوائز هادفة أربع (أطلقت عام 2007) خصصتها للكاتبين بالعربية فحسب، جعلت واحدةً منها، وهي باسم الوالد، "للدفاع عن اللغة العربية وتطويرها"، تأكيدًا مني على أن عربيتنا في خطر محدق، وعلى أننا نحن من يمثل ذاك الخطر. وقد نال الجائزة إلى الآن، الفقيه اللبناني الدكتور ميشال كعدي، والشاعر السوري رياض حلاق، والأديب اللبناني جان كميد، والعلامة العراقي سهيل قاشا.
واستنبطت عام 2004، مادة "العربية الصحيحة"، ودرستها في إحدى الثانويات، قبل أن يعتمدها، في العام التالي، أحد المعاهد العليا باسم "فنون اللغة والتعبير"، ولأدرسها فيه أيضًا، لأن الفصحى هي وحدتنا كأمة عربية، لا لدعم عصبية ما، بل لمجرد حب حبيب لحبيبه. وأذهب في العقل أبعد، وأقول: يجب دعم العربية كيما يتمكن نصف مليار من العرب الاستمرار في التواصل في ما بينهم بعد ربع قرن، في ميادين الحياة كافةً، من أقاصي بلادهم إلى أقاصيها، وكيما يفهم ثلاث مليارات من المسلمين، في ذلك الوقت، كتابهم الكريم بلغته الأصلية.
وعن العلاقة بين المال والثقافة والسلاح، أجاب: المال والسلاح، في غير محلهما، لا يصنعان أمةً، وثقافة أية أمة هي التي تضعهما في مكانهما المناسب. المال، كما يستخدم الآن، مفسد لأنه يشتري الصحافة والإعلام والأزلام؛ إنه يشتري الضمائر، يسخرها؛ إنه، بكلمة، يشتري بعض الشعب ليبيع، في ما بعد، الشعب بأكمله. المال هو الطعم الذي يلقى للسمكة الجائعة كيما يصطادها صاحب الصنارة؛ إنه تثمير عظيم لصاحبه، يشتري به السلطة كيما يضاعف ثرواته ويتحكم بالبلاد والعباد إلى ما لا نهاية، باسم حرية متفلتة وديمقراطية شكلية.
كان الزعيم، في الماضي، يبيع تعبه وتعب عائلته، أملاكه وأملاكها، ليخدم ناسه ويغدو ممثلهم في مجلس نيابي، أو آخر وزاري؛ وأما اليوم فغدا صاحب المال نائبًا أو وزيرًا بالقوة، إذ، بتوزيع بعض ماله، يغدو تابعًا صاحب "محدلة" انتخابية، فنائبًا أو وزيرًا بالفعل؛ فيما من شأن توزيعه بعضًا أكبر من هذا المال، أن يجعله، بدوره، زعيمًا وصاحب "محدلة". وهو، في الحالين، وبالنفوذ الذي سيحصل عليه من جرى منصبه، لا بد مستعيد ما دفع، وبالتضعيف!
وأما السلاح، وقد أتى للبنان والعرب بنصر اختلف على تسميته، ولاسيما ممن اعتاد الهزائم، ولم يشارك في صنعه، وأما السلاح، وأيًا تكن أهميته وضرورته، فلا يجوز أن يتحول، بدوره، عنصر ضغط، ولو خفيًا، على من لا يشاطر حامليه الرأي. وليهد الله الحكام في دول العالم العربي الأخرى، فيقومون بالثورة، إراديًا، ومن عل، بحيث يوفرون على شعوبهم بذل الدماء، وعلى أنفسهم ذل النهاية، ويدخلون التاريخ من أبوابه العريضة. وما جرى مؤخرًا في ذكرى النكبة، وذكرى النكسة، وسقوط الشهداء والجرحى من بني فلسطين وأشقائهم العرب، فقد أعادني إلى بداية كتاباتي في الشأنين، القومي والسياسي، بأن حل القضية الفلسطينية لا يكون إلا بعودة الفلسطينيين إلى ديارهم، حيث سيكون الرأي العام العالمي إلى جانبهم، تمهيدًا لقيام جمهورية فلسطينية "يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود كالأخوة".
واليوم، وقريباً من الستين من العمر، أقول مع القائلين: على الفلسطينيين، والعرب، والمسلمين، والمنتصرين للمظلومين في العالم، أن يطالبوا بحق العودة وبالحق في مقدساتهم المسيحية والإسلامية عن طريق انتفاضة جديدة، تتحرك في الداخل، كما من الحدود المحيطة بفلسطين؛ انتفاضة مستمرة سلاحها الحجارة، يدفن شهداؤها حيث يسقطون، انتفاضة تجتلب محبيها، فيشاركون بها، ويتكاثرون "كما رمال البحر"؛ وتتجند لها وسائل الإعلام العربية والإسلامية، وتعمل على الفوز بوسائل الإعلام الأخرى، وتقديرها، فتكسب الرأي العام العالمي، وتجبر القيادة المتجبرة، وعسكرها، على الركون إلى مشيئة شعب سلب ما سلب منه، وقاسى ما قاساه.
وادي مصر
|
|
|
|
|