للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

جيل جديد مـن عراقيي المهجر لا يتقن لغـة الضاد

حين وصل العراقي ابراهيم الحيدري الى المملكة المتحدة العام 2004، روى عطشه الى تعلّم اللغة الانكليزية، بالتركيز على التحدّث بها في المنزل، مجبراً أفراد الاسرة على تداولها، حتى اذا مرّت السنين على عجالة، فقد أولاده الثلاثة الكثير من مهاراتهم في اللغة العربية، لاسيما انهم وصلوا صغاراً الى لندن، لا يتعدى عمر أكبرهم سناً في ذلك الوقت، الثماني سنوات..واليوم يشعر الحيدري بالندم، لأنه فرّط عن غير قصد، بالرابط الاهم لعلاقة الابناء بالوطن، وهي اللغة.

والحال مع الحيدري، ليس مشكلة فردية، بل ظاهرة عامة، لم يستطع اغلب المهاجرين العراقيين والعرب تجاوزها، اذ تتغلّب لغة البلد الذي يقيمون فيه على اللغة العربية الأم، وما يعزّز ذلك، عدم اهتمام الآباء بالمشكلة، حتى اذا مرّ الزمن، ادركوا عظيم الخطأ الذي اقترفوه بحق الابناء..بل انّ فتى مثل حسين الكاظمي في هولندا (16سنة) الذي ينطق اللغة العربية بصعوبة بالغة يحمّل أسرته المسؤولية، مؤكدا "انها لم ترسله الى المدرسة الاسلامية القريبة لتعلّم اللغة العربية"، فيما يُرجع والده سبب ذلك الى ان "المدرسة الاسلامية المغربية في المدينة، تتبنى خطابا أصولياً، ما جعلني أعكف عن إرسال أولادي اليها".
مدارس أوروبية وعربية

 أغلب المدارس التي تدرّس اللغة العربية، هي  دينية، لاسيما المغربية والتركية منها، والتي تركّز على تدريس القرآن الكريم، وهي مدعومة من منظمات ودول تتبنى نشر أيديولوجيات وافكار سياسية معينة، ما يجعل البعض يتوجّس من ارسال ابنائه اليها.
 يقول والد حسين "بسبب ذلك، شرعت منذ سنوات في تعليم اطفالي اللغة العربية في البيت، لكن ذلك لم يثمر عن نتيجة".

ويُرجِع المعلّم العراقي في المدارس الهولندية وائل الجبوري، فشل تعلّم اللغة العربية في المنزل الى انّ "الطفل يقضي جلّ وقته، من ساعات الصباح الاولى الى نحو الخامسة عصراً في مدارس أوروبية، ذات أساليب تعليم حديثة، توفّر قدرة استيعاب كبيرة للتلاميذ، ما يجعل اللغة الأم لا تصمد أمام لغة بلد المهجر"..
ويتابع الجبوري، القول "لم تعد اللغة العربية لغة الخطاب اليومي، وحلّت محلها اللغة الهولندية أو الانكليزية"، مشيراً الى ان "الجيل العراقي الجديد الذي وُلد أو نشأ في المهجر، لا يتقّن الحديث بها، فيما تكاد تنعدم لديه بشكل كبير مهارات القراءة والكتابة"..الى ذلك تتحدّث لمياء الزبيدي، التي تعمل متطوّعة في مدرسة عراقية في مدينة ايندهوفن الهولندية، مستفيدة من تجربتها السابقة كمعلمة في العراق، عن انّ "نحو ثلاثين طفلاً يتّبعون منهاج اللغة العربية في مركز ثقافي انشأه العراقيون المهاجرون،، ليوم واحد في نهاية الاسبوع فقط "، مؤكدة ان "هذه الحصة لا تكفي ذلك ان التعلّم لساعتين او ثلاث في الاسبوع، لا يصمد أمام منهاج المدارس الهولندية الرسمية المستمر طيلة أيام الاسبوع والمعروف بتقنياته المتطورة في تحفيز الاطفال على الاستيعاب".

وتضيف الزبيدي "حين يغيب التحدّث باللغة العربية بين أفراد الأسرة و تبدأ الخطوة الاولى على طريق الانفصام الثقافي عن البلد الام، فليس أهم من اللغة تصقل المشاعر والرباط الروحي بالوطن".

 الثقافة الأم

 لكن أسرة علي الياسري، تجسّد حالة نادرة في الاصرار على الحفاظ على الرباط الثقافي واللغوي بالبلد الام، فحين وصل الياسري الى هولندا العام 1995 من معسكر "رفحاء" في السعودية، اتّبع اسلوباً صارماً، وجدّياً لتعليم أطفاله اللغة العربية منذ كان عمر أكبرهم في ذلك العام، لا يتجاوز العشر سنوات.

يستطرد الياسري "أثمر اصراري ومنهجي في تعليم الاولاد، اللغة العربية وقراءة القرآن الكريم، عن شباب يتحدّثون اللغة العربية بطلاقة، ويجيدون قراءتها وكتابتها أفضل من كثيرين، حتى في الوطن الأم".. "كنت مضطراً تلقينهم دروس اللغة العربية، يومياً وبشكل منتظم، بعد عودتهم من المدارس الرسمية، وفي نهاية الاسبوع أقطع مسافة 70 كيلومترا لغرض التواصل مع مدرسة عراقية في مدينة لاهاي في الوسط الهولندي".

خسارة الأبناء

 ويعترف الياسري انّ "الأسر العراقية التي تساهلت في تعليم أطفالها، اللغة الأم وأهملت ترسيخ ثقافة البلد الاصلية لديهم، تدفع الثمن غالياً اليوم، بعد انْ فقد الاطفال اتصالهم الثقافي والروحي بالوطن، واصبحت ثقافتهم اجنبية خالصة حتى ما يتعلّق بالمشاعر التي يكنها الاطفال الى الوالدين"..لكن مسؤولية التقصير في اتقان اللغة العربية لا يقع على الاسرة فقط، بحسب الباحثة الاجتماعي لمياء منتصر، التي درست علوم التربية في هولندا، اذ تؤكد ان "ندرة المدارس العربية، ووقوعها على مسافات بعيدة عن مكان اقامة الاسر، اضافة الى كلفها الاضافية، أحد اسباب نشوء أجيال عراقية لا تجيد لغة الآباء والأجداد".

 وفي هذا الصدد، تدعو منتصر السفارات العراقية والمراكز الثقافية في الخارج الى "تبني برامج تعليمية، والتأسيس لمشاريع ثقافية، تحافظ على الآصرة بين الاباء والوطن"، مؤكدة ان "تعلّم العربية والتحدّث فيها في البيت، لا يكفي، وانّ الأجيال الجيدة لابد ان تتعلم في مدارس عراقية، ليس اللغة فحسب، بل تأريخ وحضارة وثقافة العراق ايضا".

وبسبب ندرة المدارس في المدن التي تتواجد فيها جاليات عراقية صغيرة في هولندا والمانيا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا وسويسرا، تلجأ الاسر الى ارسال أولادها الى مدارس مغربية في أغلب الاحيان، تركّز في مناهجها على تعليم الاطفال أصول الدين والقرآن الكريم.

لكنّ تجربة الطبيب العراقي كريم الطائي الذي استمر يرسل اولاده نحو السنتين الى مثل هذه المدارس، لا "تبشّر بخير"، حيث يقول ان "هذه المدارس، لا تُدار بمهنية عالية ويشرف عليها متعصبون فكرياً، ما يجعل التعلّم فيها غير مجدٍ لأنها لا تتّبع التعليم المجرد عن المصالح الخاصة"، مؤكدا ان "الحكومة الهولندية اغلقت الكثير منها، بسبب مناهجها المتطرفة في التربية والتعليم".

مهارات اللغة بين الاجيال

وفي قاعة المركز الثقافي العراقي في مدينة ايندهوفن الهولندية، حيث يتبع نحوسعشرين من التلاميذ، دروس اللغة العربية، يشير الاستطلاع الى ضعف كبير في مهارات اللغة العربية بين الاجيال العراقية الناشئة في المهجر، فيما يؤكّد المعلم المتطوع قاسم حسين "سعيه الى بذل الجهد، خلال يوم واحد فقط، من كل اسبوع، لتعليمهم فك الحرف العربي"..وفي ذات الوقت ينتقد حسين، الأسر التي تجلب أولادها ليوم واحد، لكنها طيلة ايام الاسبوع تهمل الامر، مثلما تهمل العمل على جعل الاولاد يتحدثون اللغة العربية داخل المنزل.

وعلى طريق الحرص على تعلّم العربية، تقدّم مدرسة الزهاوي في مدينة كولونيا غرب ألمانيا، دروساً في لغة الضاد بإشراف ناد ثقافي عراقي غير نفعي، فيما تسعى مدرسة قرطبة في برلين، الى الجمع بين ثقافة الاندماج في المجتمع الالماني، والحرص على ثقافة ولغة الوطن الام..وبسبب تزايد اعداد الجالية العراقية في السويد، نشأت عدة مدارس عراقية، تدرّس ثقافة البلد واللغة العربية، وبدعم من الحكومة السويدية حيث يعتبر الدستور السويدي تعلم اللغة الأم، حقا من حقوق الإنسان..غير ان آمال الحلي، ترى انه لا يمكن اعتبار هذه الواجهات الثقافية التعليمية، مدارس "حقيقية" لان "اغلبها، تقدم برامجها التعليمية في نهاية دوام المدارس الرسمية او في نهاية الاسبوع"، مشيرة الى ان "اغلب برامجها ارتجالية، قصيرة العمر، ولا تلبي الحاجات المطلوبة"..مؤكدة ان "الكثير من الاسر حين تصل الى بلد المهجر، تسعى الى التحدّث باللغة الانكليزية، أو الهولندية، أو الالمانية والحرص على تعلّمها بسرعة كبيرة، بل انّ البعض يعيب على نفسه التحدّث باللغة العربية حتى بين افراد اسرته".

 اكتشاف الخطأ

 وتستطرد "مع مرور الزمن يدرك هؤلاء، الخطأ حين يرون ان المهاجرين القدماء من الاتراك والمغاربة حرصوا على الاحتفاظ بلغتهم وثقافتهم بالتوازي مع حرصهم على تعلّم لغة البلد الذي يقيمون فيه"..لكن على النقيض من ذلك، فثمة من العراقيين، من قَطَعَ الى الابد علاقته بالوطن الأم، معتبرا انّ البلد الذي يقيم فيه، بات بديلاً ثابتاً لوطن "سابق"، وبالتالي فليس ثمة حاجة للتواصل مع اللغة الام، بحسب معتصم الاعظمي الذي يؤكّد "إقفاله الى الابد باب العودة الى العراق منذ خروجه منه العام 2005 "، لأسباب شخصية يرفض الافصاح عنها.. مبينا بالقول"أولادي يجيدون اللغتين الهولندية والانكليزية، وبالتالي فليس ثمة حاجة لتعلم اللغة العربية على رغم نطقهم المتعثر لها"..وانّ حالة الانفصام عن الوطن في المهجر التي يمثّلها الاعظمي هي واحدة من حالات عديدة، يعبّر فيه المهاجر عن افتخاره بالثقافة الجديدة التي اكتسبها ناكراً لثقافته الاصلية، التي يعتبرها ماضياً لا يدعو الى الفخر، على رغم انّ جنسيته الاوروبية المكتسبة تشير الى انه "عراقي الاصل"..لكن الوضع في مدينة مثل لندن، تكثر فيها الجالية العراقية والعربية، وتزدهر بها المدارس الاسلامية والجمعيات الثقافية، اضافة الى كثرة المتحدثين باللغة العربية، يجعل الحفاظ على الهوية الثقافية الاصلية أمرا هيّناً، مقارنة بالذين يعيشون في بلدان اوروبية اخرى، ذلك ان أحمد حسين الذي يقيم في لندن منذ عشر سنوات، يشير الى ان "تعلّم اللغة العربية في المدارس والحسينيات والمساجد، أمرٌ يسيرٌ، وما عليك الا ان تبذل قليلاً من الجهد لكي ترسخ الثقافة الأم في روح وفِكْر أولادك".

الجيران

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية