|
|
الأدب والارتقاء بالإنسان
د. محمد سعيد حسب النبي
يبدو أن أول من تكلم عن الأدب هو الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو؛ وذلك في القرن الرابع قبل الميلاد، حيث ظهر في كتابه "البويطيقا" أو الشعر، حيث شرح أراءه والتي كانت خلاصتها أن الشعر محاكاة للطبيعة. ويتفق معه كثير من الكتاب من أن غاية الأدب تبصير الناس بما في الوجـود من حـق، وخـير، وجـمال، وذلك عن طـريق الكـلام.
وفي هذا السياق أرى ضرورة تأمل رؤية زكي نجيب محمود حيث يقول: "إنه من قبل الضلال والتضليل أن يدعو الداعون إلى أن تكون مهمة الأديب تصوير الواقع كما يقع، لأن هذا الواقع لن تزيد واقعيته ذرة واحدة إذا وصفها الواصفون بألف قصة وألف ديوان"، والصواب عنده أن يكون الأدباء هداة للناس؛ فيلتمسون قيماً جديدة، لأنهم يحسون قبل سواهم بضرورتها لحياتنا؛ فيبعثون بها شعراً، أو يرسمونها في قصصهم حياة منظورة مسموعة، والناس من خلفهم سائرون ولو بعد حين.
وبعد تأمل تلك الرؤية، والنظر إليها بعين البصيرة، يحتاج منا المقام إلى وقفة متأنية مع ما عرضنا آنفاً، حيث ترفض فلسفة زكي نجيب محمود؛ بل وتعتبره ضرباً من الضلال أن يصور الأديب الواقع بأدبه على اختلاف فنونه؛ لأنه مهما بلغت روعته فلن يخرج عن كونه واقعاً لا محالة.
ولكن ما العيب في أن يصور الأديب الواقع، إنه في عمله هذا لا ينقل الأحداث كما هي، وإلا فما أروع آلة التصوير حيث تنقل الواقع كما هو تماماً دون جهد أوعناء، إن عمل الأديب ليس هذا أبداً، إن الأديب يضفي من روحه وعقله على هذا الواقع، يؤثر فيه ويتأثر به، وكأنه يقيم حواراً سحرياً معه، يسأله فيجيب، يأمره فيطيع؛ وإذا بهذا الواقع وقد كشف للأديب عن أشياء لا تُرى لغيره، وإذا به يخصه بأسرار سترها عمن سواه.
ومن ناحية أخرى أرى أن الأديب ينبغي أن يكون حراً من كل قيد إلا من قيد فكره، يستلهم الطريق حيث شاء، ويرى النور فيما يشاء، يرى بياض الفجر في تجاليد الظلام، ويبصر دبيب المشيب حيث الشباب. حقاً.. إن الأديب مرهون بحريته.
هذا ويمكن اعتبار الأدب الحق هو الأدب الذي يعمل على الارتقاء بالغـايات الإنسانـية السامية عند البشر، كـي يتذوقـوها؛ فتسمو مشاعرهـم وأحاسيسهم، ويكون خلوده على قدر قربه من حياة البشر، والتحامه بوجدانهم، وتعبيره عما يمكن أن يمس ذواتهم الإنسانية.
ويصوغ مصطفى صادق الرافعي هذا الكلام في صورة أدبية رائعة، حيث يشير إلى أن أشواق النفس هي مادة الأدب، فليس يكون أدباً إلا إذا وضع المعنى في الحياة التي ليس لها معنى، أوكان متصلاً بسر هذه الحياة فيكشف عنه، أويومئ إليه من قريب، أوغيَّر للنفس هذه الحياة؛ تغييراً يجيء طباقاً لغرضها وأشواقها.
وقديماً قال توفيق الحكيم عن الأدب أنه الكاشف الحافظ للقيم الثابتة في الإنسان والأمة، الحامل الناقل لمفاتيح الوعي في شخصية الأمة والإنسان. وأوجز فقال: إن مهمة الأدب إعانة الناس على تفهم حكمة الخلق، وروح الوجود.
|
|
|
|
|