لقريتى ملامح لا أنساها ، شكل البيوت الطينية المتراصة ، يعلوها حزم الحطب الجاف من موسم حصاد الذرة ، ابراج الحمام التى لا يخلو منها سطح بيت ، يرفرف حولها دلالة على الخير ،  المواشى  التى تسير صباحا إلى الحقول فى مشهد يدل على عموم الخير والبركة ، موسم حصاد القمح  والبركة التى توزع كجزء من المحصول على الفقراء والمحتاجين ،فيرتفع الدخان فى كل بيت دليل على الخبز المقام فيها ،  وغيرها من الملامح والطقوس التى اندثر العديد منها ،ومن طقوس قريتى الهامة ، الخبازة التى تدور على البيوت لصنع الخبز ، هى من اهم الطقوس الخاصة بيوم الخبز ولا يمكن أن تعتذر عنه لأى سبب كان حتى وإن مرضت ، , وإلا أتت بواحدة أخرى تقوم مقامها ، الخباّزة دائما تكون من اهل القرية الثقات لأنها تكشف البيوت وتطلع على أسرارها فهى تمكث مدة طويلة بالبيت التى تذهب له ،  وتنتقل من بيت لآخر وهذا يكون مدعاة لنقل أخبار البيوت او الوقيعة فيما بينها لذلك لابد وان تكون من نساء القرية المعروفين والموثوق فيهم ، للخبازة طقوس فى عملها  كما للاسرة طقوس فى تجهيزات خبزها ، البيوت الكبيرة والتى تمتلك من الاراضى الكثير يكون لها مرتين فى الشهر تقريبا فى اعداد الخبز وذلك لكثرة العاملين لديهم والمريدين لهم ( وهم الذين يعتمدون فى حياتهم على هذه البيوت وما تجود به فى مواسمها المختلفة سواء يوميا أو موسميا ) ، وهؤلاء دائما يكون لهم خباّزة خاصة بهم تقوم حياتها عليهم فقط ولا يمكن أن تقوم بالخبيز لغيرهم ، من طقوس الخبز الخاصة بهذه البيوتات هى الاستعداد فى تجهيز الفرن فى مواسم الحصاد وتجديده وشراء العرصة ( هى القطعة الدائرية التى يتم الخبز فوقها داخل الفرن وهى مصنوعة من رماد الطوب الاحمر والرمل والجبس ، يقوم متخصص بصنعها وحرقها بطرق  خاصة حتى تكون جاهزة للاستعمال وتعتبر وسيلة لكسب الرزق له  ) بعد الانتهاء من الفرن تبدأ عملية اعداد الدقيق عن طريق طحن القمح والذرة ونخله ثم خلط الكميات المطلوبة منهما وعجنه ، يتم العجن ليلا ويبدا الخبز فى الفجر ، يكون الرجال قد قاموا بتحويل الحطب الجاف مكان الفرن ، وتبدأ الخباّزة فى حمى الفرن لمدة ساعة ويتم تقديم العجين يأتى دور التقريص او مناولة العجين للخبازة حتى تقوم بخبزه فوق المطرحة المعدة لذلك وطرحه بالفرن لتبدا النار فى عملها وتسوية الخبز ليخرج طازجا للأكل ، فى أثناء الخبز يكون للاطفال نصيب ايضا يفرحون برغيف الخبز بالسكر ونطلق عليه ( أمبورة بسكر )
حيث يتم خبز قطعة عجين صغيره ثم يوضع فوقها بعض السكر وتوضع بافرن لتنضج وتؤكل فور خروجها ، الخبازة تجلس أمام الفرن بالساعات لا تكل ولا تمل هذا العمل فهى تفرح بانتاجها وبفرحة الصغار والكبار ودعوات السيدة لها بالعافية كلما رأت استدارة الرغيف وجمال لونه المخضب كالحناء باللون الوردى ،الخبازة والخبز من طقوس قريتى التى تحرص أمى كل فترة حتى الان ان نقوم بها ويكون من نصيبى دائما أن اقدم العجين للخبازة التى ـاتى لنا مخصوص ، فقد تحولت هى ألاخرى مع لغة العصر واصبح لها فرن خاص يأتيه الناس ولا تذهب هى اليهم ، وكما اصبح لها حظ من التكنولوجيا لديها محمول نتصل عليها عندما نريد الخبيز وعلى حسب وقتها تحدد الميعاد ، ومع ذلك ننتظر تلك الفرحة فى عيوننا عندما يخرج رغيف الخبز الطازج مع اقراص الطعمية المعدة فى المنزل وبعض الملح والطماطم  واللفت المخلل ، إنها طقوس قريتى التى كانت تمثل نوعا من الاكتفاء الذاتى ، اليوم يصطفون فى أفران الخبز الآلى وقد يحصلون على نصف ما يريدون منه ، أشتاق إلى قريتى واجران القمح ، ومكنة الطحين ، والخبازة ورغيف السكر .