المأزق
أ. ناجي السنباطي
أعوام عديدة مرت . والرجل على العهد قائم , لم يتخلف يوما عن عمله اليومي , فى الشتاء أو فى الصيف , فى البرد أو فى الحر , فى الغيظ الشديد وفى المطر الكثير .
يحمل كل يوم عصاته الطويلة , ومصباحه المنير , متوكلا على الله , فقد حان ميعاد الآذان لصلاة الفجر .
كان الوقت تماما , قبل الصلاة بنصف ساعة ..سار فى الشارع الموصل الى المسجد.. نفس الطريق الذى يقطعه كل يوم , الظلام يحيط بالاجواء المحيطة , فيما عدا بعض المناطق حيث تنتشر مصابيح الكهرباء , الكل يغط فى نومه , و الشوارع خالية من الناس , لاصوت يعلو الا أصوات زوار الليل , حيوانات سائبة تلهو فى الشوارع , أهمل صاحبها أو اصحابها , أمرها , وأصوات ضفادع تأتى من الحقول , وأصوات كروان تأتى من السماء وصوت لأقدام خفر الدورية يأتى من الشوارع الاخرى وصاحبنا فى مشواره اليومى , لاجديد , وقد تعود على هذا سنوات طويلة , الا هذا اليوم , فما كاد يقطع مسافة , ليصل الى منتصف الشارع المظلم , حتى سمع جلبة شديدة فى زقاق مظلم , متفرع من نفس الشارع , أسرعى الخطوة نحو الزقاق وأضاء مصباحه , ورفع عصاه , أعتقد أن لصا يسرق , محلا من المحلات الصغيرة المنتشرة , المملوكة لبسطاء الناس , إعتقد المؤذن ذلك , فرفع عصاه ليضرب اللص الضربة القاتلة أو على الاقل ليشل حركته , حتى يأتى المدد , الإ أنه فوجئ بشئ لم يخطر على باله , وجده وقد حشر رأسه فى علبه محكمة , وهو يحاول أن يخرج رأسه منها بلا فائدة , كان يصدمها مرة بحائط الزقاق , وأخرى بحائط الزقاق الاخر وأخرى بأرض الزقاق , دون جدوى , وبلا فائدة كلما حاول التخلص منها إ زداد اضطرابا وعصبية . حاول المؤذن أن يساعد ه , شك فى تصرفاته بعد محاولة الضرب فقد رأى الرجل وهو يرفع عصاه ويسلط ضوء مصباحه , ليحكم الضربة , فكيف يثق به , فإنطلق هاربا , خوف الرجل وخوف العصا , والرجل من خلفه يجرى , ويحاول أن يساعده لكن الاخر مازال على شكه , يجرى وهو يتخبط فى العلبة التى تمنطق رأسه.. هكذا الفرار.. هكذا الهرب سريعا ليفلت من أذى الرجل حتى وصلا إلى أعتاب المسجد وقد حان وقت الآذان , تركه الرجل المؤذن بعد إستنفذ طاقته , فى المطاردة , والآخر يجرى مرعوبا , تركه الرجل ليؤذن لفجر جديد , بينما الآخر ( قط ) ؛؛؛ مازال فى هربه , محشورا فى علبة معدنية صدأة من فوارغ علب المأكولات
|