|
|
الصحافة العربية والصحافة الأردية
د. ثمامة فيصل بن أبي المكارم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد ،
فإن الأدب بشتى أنواعه وفنونه يقوم بدور بارز في تصوير الحياة الإنسانية بمختلف أبعادها ونواحيها الاجتماعية والسياسية والتاريخية والعقلية والدينية والثقافية لكل شعب وأمة ، ويعكس ما تشهده هذه الشعوب والأمم من الرقي والازدهار ، ويتحدث عما تتسم به من الأخلاق والعادات وأنماط الحياة ، ويتناول ما تنشأ فيها من حركات سياسية وإصلاحية وعلمية ودينية ، ويصور ما يحدث فيها من تطورات وتقلبات وثورات ، ويمثل ما تنعم به من الحضارات والثقافات ، ويعرض الأفكار والمعتقدات للمذاهب والديانات والأفراد والجماعات. وإذا كان للأدب حظه ونصيبه في رسم الحياة الإنسانية وتصويرها وتقديمها وتمثيلها أمام الناس ؛ فإن الصحافة لها في ذلك القِدح المُعَلَّى ؛ من حيثُ كونُها وليدةَ ضرورات الحياة العصرية، ونتاجَ متطلبات العصر الحديث ، ولها علاقة وثيقة بالأدب وفنونه.
وعندما نلقي نظرة على الأدب العربي الحديث في البلدان العربية عامة ، وفي مصر بشكل خاص ، وعلى الأدب الأردي في بلاد الهند ، نجد أن الصحافة بصفتها وسيلة من وسائل الأدب قامت بدور حيوي وفعال في دعم حركات الاستقلال في البلدين: مصر والهند ، ووفرت لها حطَبا جزلا ، وشنت حربا فتاكة ضد الغزاة الغاشمين ، وعملت كطعنة نجلاء في صدور المستعمرين.
أصبح كل من البلدين فريسة للمستعمرين البريطانيين الذين سيطروا على البلدين واستعبدوهما واستغلوهما ، وامتصوا خيراتهما وثرواتهما ، وحرموا أبناءهما من حقوقهم الأساسية ، ومارسوا ضدهم كل ألوان الظلم والعدوان ، فأعلنت الصحافة في كل من البلدين حربا فتاكة ضد هذه القوة الاستعمارية الغاشمة ، واستلت سيفَها في وجه المحتلين المغتصبين ، فأرقهم الصحفيون ، وأقضوا مضجعهم ثابتين صامدين غير متزلزلين في سبيل الاستقلال ، ذابين ومدافعين عن وطنهم الغالي.
وعندما نلقي نظرة على الصحافة العربية في مصر والصحافة الأردية في الهند ، نجد بينهما تماثلا جليا وتشابها قويا ، فلما حاول الإنجليز في مصر التفريق بين أبناء الشعب المصري ، وغرسوا فيهم بذور العداوة والبغضاء ، وشتتوا شملهم وفرقوا جمعهم ، ونجحوا في شق عصا الأمة المصرية ، تنفيذا لسياستهم القديمة المتمثلة في التفريق ثم الاستيلاء ، انبرى لمواجهتهم الصحفيون المصريون ، وبذلوا كل ما في وسعهم لتوحيد صفوف الشعب المصري ، وجمع شملهم ؛ فنشرت الصحف والمجلات المصرية من أمثال مجلة (العروة الوثقى) لجمال الدين الأفغالي ومحمد عبده وجريدة (الأستاذ) لعبد الله النديم مقالات حثوا عن طريقها الشعب المصري بل أهلَ الشرق كافة على توحيد كلمتهم ولمِّ شعثهم في نضالهم ضد المستعمرين.
وفي جانب آخر ، لما نفذ المستعمرون البريطانيون نفس السياسة الشنيعة في بلاد الهند صنيعهم في مصر ، لم يلبث أن تضافرت جهود الصحفيين الأرديين ، وأخذوا على أنفسهم إحباط مؤامرة المستعمرين ، ونشرت المجلات والصحف الأردية مثل مجلة (همدرد) لمولانا محمد علي جوهر وجريدة (بيغام) لمولانا أبو الكلام آزاد وجريدة (زميندار) لمولانا ظفر علي خان مقالات دعوا بواسطتها الشعب الهندي إلى الأخوة والوحدة بين الأمتين الإسلامية والهندوسية ؛ حتى جعلت بعضُ الصحف والجرائد الأردية من أمثال صحيفة (جمهور) و (مدينة) و(هندوستان) و(زميندار) الوحدة القومية نصب عينها.
وأدرك الصحفيون في البلدين مسئوليتهم وواجبهم تجاه وطنهم وشعبهم حق الإدراك ، وأدوها حق الأداء ، فكشفوا عن سياسة المستعمرين وخططهم ومؤامراتهم وأغراضهم أمام الشعبين ؛ لتتجلى أمام أهلهما حقيقة الأحداث والوقائع ويطلعوا على الاعتداءات والمظالم التي كان يمارسها المستعمرون ضدهم ، فكانت الصحف والمجلات أداة رئيسية لنشر فضائح الاحتلال واعتداءاتهم في كل من البلدين.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المسؤولية التي تولاها الصحفيون وأدوها على أحسن وجه لم تكن سهلة ميسرة ، بل كانت صعبة أيما صعوبة ، وكانت محفوفة بالمخاطر والعراقيل ، ولكنهم على الرغم من ذلك واجهوا المستعمرين الجاثمين على صدر بلادهم وحاربوهم بأقلامهم ، ولما رأى الإنجليز دور الصحافة وتأثيرها في تغيير مجرى الأحداث ضد مصالحهم وأغراضهم ، سعوا إلى تضييق الخناق على الصحف في كل من البلدين ، وحاولوا تكميم أفواه الصحفيين فيهما ، وصادروا كثيرا من تلك الصحف ، ونكلوا بكثير من أصحابها ورؤساء تحريرها ، ولكن الصحفيين صمدوا في وجه هذه الزوابع ، ولم تُثَبِّطْ تلك الاعتداءاتُ من هممهم العالية ، بل قَوِيَ شعورُهم بخدمة الوطن والتضحية من أجله ، وازدادت حماستهم لتحقيق الحرية والاستقلال. هذا وهناك نواح أخرى عالجتْها الصحافةُ في كل من البلدين ، وقد تناولتُها في هذه الدراسة.
ونظرا إلى هذه الأهمية البالغة للصحافة العربية والأردية في مرحلة حاسمة من مراحل تاريخنا الحديث ، ونظرا إلى ما قدمه الأدباء والكتاب الصحفيون في كل من البلدين : مصر والهند من تضحيات جليلة في سبيل تحرير الوطن الغالي من براثن الاستعمار الجاثم على صدره ، فإنه حري بالجيل الناشيء أن لا يجهل الفضل الكبير الذي يرجع إلى أدبائنا وكتابنا الصحفيين من أسلافنا في تحقيق هذه الحرية التي نعيشها اليوم ، وينبغي ألا تنسى أجيالنا القادمة مساهماتهم وتضحياتهم الجليلة التي قدموها في سبيل تحقيق هذا الهدف السامي.
|
|
|
|
|