|
|
رصيدٌ واسعٌ في رحاب المعاجم ... معجم أسماء الأفعال جديد مجمع اللغة العربية بدمشق
«يتصف المعجم العربي، بشقيه الحديث والتراثي بخصائص الكائن الحي، فهو يحيا صحيحاً سليماً بموالاته بالرعاية والاهتمام، وبتغذيته والعمل على تنميته، وتهيئة البيئة الملائمة ليبقى حياً نابضاً بالحيوية قادراً على أداء وظائفه، التي وجد من أجلها، بكفاءةٍ واقتدارٍ، وليتمكن من أن يأخذ موقعاً بارزاً على خريطة معاجم العالم بين أقرانه من المعاجم الغربية المتقدمة»، سطور كتبها الدكتور أيمن عبد الرّزّاق الشوا في تمهيده لمعجم أسماء الأفعال الذي صدر مؤخراً.
رصد وتقويم وتخطيط
ويتابع د. الشوا كلامه بأن سبيل تحقيق هذه الغاية للمعجم العربي الحديث العام والمتخصص يتأتى بمواصلة دراسته دراسات منهجية (وصفية ونقدية)، وتوسيع هذه الدراسات وتطويرها، بهدف رصد واقعه أولاً؛ للوقوف على طرق ترتيب مواده، وأساليب معالجتها، ومعرفة المجالات التي يغطيها ودرجة تنوعها، والحدود الزمنية لهذه التغطية، ويضيف قائلاً: « تهدف ثانياً إلى تقويم هذا الواقع لمعرفة مدى نجاحه قي تلبية حاجات عصره المتنامية، وثالثاً إلى تخطيط النشر المجتمعي بعد تحليل واقع المعجم العربي وتقويمه».
المؤلف قسم كتابه على بابين الأول «أسماء الأفعال في اللغة العربية» أهمتيها، أنواعها، أغراضها وأحكامها، أما الباب الثاني «معجم أسماء الأفعال في اللغة العربية».
اهتمام غير كاف
ويشير الباحث إلى أن الحديث عن أسماء الأفعال في اللغة العربية له رصيدٌ واسعٌ في رحاب المعاجم وكتب النحو واللغة، وله قيمته وأهميته البالغة في بيان أساليب التعبير العربي المشرق، ولكن هذا البحث لم يلق الاهتمام الكافي الذي يستحقه، ولم يُدرس باستقصاء ومنهجية، إذ كان الحديث عنه متفرقاً في كتب اللغة والنحو.
وربما هذا ما دفع د. أيمن لإعداد معجم أسماء الأفعال بحيث يصبح مرجعاً مهماً بين أيدينا، يقول الشوا: «لقد حاولت جاهداً أن أقف على مؤلف نحوي، قديم أو حديث لهذا البحث له مكان خاص فلم أوفق، وإذا كانت الأسماء هي أصول مباني أكثر الكلام فإن أسماء الأفعال لها حيز واسع وأهمية، وخاصة ضمن مبحث الأسماء، التي بعلمها يُستدلّ على علم القرآن والسنة».
مبحث جدير بالاستقلال
يشدد الباحث على أن مبحث أسماء الأفعال يستحق أن يخصص له كتاب مستقل إذ قال: «مبحث أسماء الأفعال -بحق- جديرٌ أن يستقل بكتابٍ يوفيه حقه من البسط والإيضاح والتهذيب، وجمع شتاته المتناثر في المطولات، والمراجع الكبيرة، واستصفاء ما يجدر الأخذ به، واستبعاد ما يغشيه مما لا يناسب، وإرشاد القارئ إلى غنى العربية باستعمال أسماء الأفعال بصيغ ولغات عديدة وراءها شعور نفسي مناسب، وأغراض بلاغية محددة».
ويتابع د. الشوا بأن الحاجة إلى وضع أسماء الأفعال وعدم الاكتفاء بمدلولاتها وهي الأفعال أنفسها على أرجح المذاهب أن المتكلم قد يقصد المبالغة، ويريد أن يعبر عن مقصوده بأوجز لفظ، والسر في هذا أن اسم الفعل يدل على شدة الحدث.
عرض جديد مشرق
لفت الباحث تحت عنوان «للعربية منطقها» إلى أنه من أوجه التيسير للغة العربية نحوها وصرفها العرض الجديد المشرق لموضوعات النحو والصرف الذي ييسر للناشئين أخذها واستيعابها وتمثلها ويوضح للدارسين سبل فهمها وإبراز أغراضها وأسرارها، موضحاً أن قراءة النحو القديم من أصوله، بتدبر وتعمق يجعلنا قادرين على أن نضع خطة شاملة موفقة لتهذيب النحو العربي وتنقيحه، وإقراره على القواعد المحكمة، التي لا يتناولها التغيير والتبديل، كلما قامت في النفوس شهوة للتغيير، لا ترتبط بنظر فلسفي ولا قياس منطقي، وإنما تستمد من طبيعة اللغة العربية وروحها المشرقة.
الجاحظ والمخزومي
استشهد د. الشوا في طبيعة العقلية العربية بما قاله كل من الجاحظ والمخزومي.
يقول الجاحظ: «كل شيء للعرب فإنما هو بديهةٌ وارتجال، وكأنه إلهام، وليست هناك معاناة ولا مكابدة، ولا إجالة فكر ولا استعانة، وإنما هو أن يصرف همه إلى الكلام، فتأتيه المعاني أرسالاً، وتنثال عليه الألفاظ انثيالاً وكان الكلام الجيد عندهم أظهر وأكثر، وهم عليه أقدر وأقهر، وليس هم كمن حفظ علم غيره، واحتذى على كلام من كان قبله، فلم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم، والتحم بصدورهم، واتصل بعقولهم من غير تكلف ولا قصد، ولا تحفظ ولا طلب».
أما المخزومي فبيّن بكلامه الذي أورده د. الشوا أن ما جاء به «سيبويه» (تلميذ الخليل الذي كان أميناً في نقله عنه وضابطاً لما أخذه عنه) أراد هو وتلاميذه من بعده (تقعيد) هذه الدراسة وإحكام أصولها، فترخصوا في استخدام مصطلحات ليست من اللغة في شيء ما مهد السبيل للفلسفة الكلامية ولمنطق اليونان، أما مجال أسماء الأفعال فكل ما جعل النحاة يختلفون فيها هو أنها وصلت إليهم على هيئات الأفعال وما يشبهها، ويضاف لذلك أنهم رأوا بعضها مما يدخله التنوين، وما هي في واقع أمرها –في أغلب الظن- إلا أفعال جامدة تخلفت عن سائر الأفعال، فلم تتخذ لها صيغها، ولم تتصرف تصرفها.
إعادة النظر
بيّن الباحث أن أسماء الأفعال لون من ألوان تقسيم الكلم عند علماء العربية، فقد ورد في النصوص أن بعض النحاة جعل أقسام الكلم أربعة، فأضاف إلى الاسم والفعل والحرف قسماً رابعاً هو اسم الفعل، قائلاً: «أهمية هذا القسم ودوره في شواهد متنوعة واسعة من كلام العرب استحق أن يكون قسماً مستقلاً لدى بعض الدارسين المعاصرين، فأيّد أن يكون لأسماء الأفعال حيز خاص لابد من إبرازه، ولفت الأنظار نحو أهميته، ورأى أن من عدها قسماً رابعاً كسر الطوق الذي فرضه النحاة القدماء على تقسيم الكلم واضعاً أمام الدارسين المتذوقين لبلاغة العربية إشارة الدعوة إلى إعادة النظر في التقسيم».
وينتقل الباحث فيما بعد ليوضح ما إذا كانت أسماء الأفعال قسماً خاصاً من أقسام الكلمة، وعمل اسم الفعل، وتقسيم هذه الأسماء من حيث وضعها وزمانها، وأسماء الأفعال المعدولة عن فعل الأمر، وأحكام اسم الفعل، والفائدة منها، واشتقاقها...، ومن ثم يأتي الباب الثاني معجماً لأسماء الأفعال في اللغة العربية.
كتاب جديد حمل عنوان «معجم أسماء الأفعال» (الطبعة الثانية) إعداد الدكتور أيمن عبد الرَّزّاق الشوا ومن مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
الوطن
|
|
|
|
|