|
|
التمكين للغة العربيّة - المصطلح... والبداية
أ. سعاد حويجة
قال تعالى في كتابه العزيز: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {الحج/40} الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {الحج/41}
كلمة تمكين ليست غريبة بحتة، بل تكرّر ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من موضع، وإذا نظرنا إلى هذا المصطلح لغويّاً لوجدناه في المعجم الوسيط يعني :
مكّن : يقال إنّ فلاناً تمكّن عند الناس، أيّ : علا شأنه، و تمكّن من الشيء، أيّ : قَدَرَ عليه أو ظفر به، والمُكْنَة : القدرة و الاستطاعة والقوّة والشدّة .
و التمكين للغة العربيّة ليس حدثا طارئاً, أو قرارًا جديدًا , بل هو استمرار لقرارات قديمة، كان أوّلها ذلك القرار أو المرسوم أو الإشارة كما سمّاها المفكّر العربيّ الكبير (ابن خلدون) في مقدّمته والمقصود بذلك : إشارة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لأبي الأسود الدؤليّ بوضع علم "النحو" بعدما لمس تغيّراً وخللاً أصاب (المَلكة) أي اللغة العربيّة، التي كانت مَلَكة في ألسنة ناطقيها، يأخذها الآخر عن الأوّل دون تكلّف أو صناعة , ذاك التغيُّر والخلل كان نتيجة مخالطة الأعاجم, حتى صاروا يقرؤون القرآن قراءات فيها الكثير من التحريف وتغيير المعنى, من مثل قراءتهم للآية الكريمة : "إنّما يخشى الله من عباده العلماء " بضم الهاء في لفظ الجلالة (الله) وفتح الهمزة في آخر (العلماء) أو قراءة قوله تعالى : " إنّ الله بريء من المشركين ورسوله " بكسر اللام في (رسوله) ... ولا يقف الأمر عند ذلك , لأنّ مثل هذا الخطأ أو اللحن أو سمّه ما شئت، له أبعاده الخطيرة . فهو يؤدي في نهاية المطاف إلى ضياع اللغة، واللغة أيّة لغة كانت هي مستودع أو خزّان لذخائر الأمّة وهي الحامية لكيانها , وهي أداة التفكير فيها، فاللغة بالنسبة إلى الفكر هي اللحظة الأنطولوجيّة التي يتكشّف بها على وجوده الفعليّ المحسوس و يباشره , فلو خلت اللغة من الفكر لاستحالت إلى أصوات لا تقول شيئاً، ولا تعني شيئاً على حدّ تعبير" نسيم عون" في كتابه " الألسنيّة ". ولكي لا تتحوّل لغتنا العربيّة - ولن تتحوّل- إلى مجرّد أصوات استمرّت حملات التمكين لها منذ ما أسلفنا إلى اليوم، وما هذا التمكين إلا بسبب ما تتعرّض له هذه اللغة من محاولات التشويه والطمس، والهدف واضح والغاية معروفة، وهي القضاء على الوجود العربيّ وعلى العروبة والإسلام الحقيقيّ، خدمة للوجود الصهيونيّ الأمريكيّ، ولأنّ اللغة العربيّة هي أساس وجودنا وجوهر ثقافتنا و تفكيرنا وأصل انتمائنا وهويّتنا, كانت هي المستهدفة دائماً ولقد نجحت حملات التمكين السالفة، بدليل أنّ كلّ محاولات التشويه، و التتريك، والفرنسة والفرعنة و ...الخ، باءت بالفشل . وهنا لا بدّ من الإشارة إلى استفتاء أجرته مجلة الهلال عام/1920م/ :
سألت الهلال عدداً من أبرز أدباء المرحلة حينذاك عن صلاحية اللغة العربيّة للحياة, ومستقبلها ووردت إجابات من : جبران خليل جبران– مصطفى صادق الرافعي – نقولا حدّاد – خليل مطران – أنطون الجميّل – عيسى اسكندر معلوف . وكان هناك الحماسة والإيجابية والتفاؤل بمستقبل اللغة العربيّة, وكلّهم أرادوها لغة التعليم في مختلف مراحله ,كما فعلت وتفعل سورية العروبة, فهي الدولة الوحيدة في الوطن العربيّ؛ كلّ مناهجها الدراسيّة حتى الجامعيّة منها, باللغة العربيّة الفصحى- وهذا ما نعتزّ به- وكلّهم أصرّوا على ضرورة تجديدها وإحيائها وإعطائها فرصة التطوّر والمرونة، ولاحظ بعضهم عظمتها في صمودها, حيّة جميلة مؤثّرةً, حتى في ما نسميه أحياناً بعصر الانحطاط الذي حلّ بتاريخ أمّة هذه اللغة. فأين أولئك من هذا ؟ وأين هم من يتابعون حملاتهم المستعرة اليوم ضدّ اللغة العربيّة؟ وهاهو (سابير) أحد الرواد اللسانيين الأمريكيين يعدّها إحدى خمس لغات تكتسب أهمّيتها من منطوياتها الثقافيّة وهذا الرأي يستدلّ به كثير من الناس على أهمّية اللغة العربيّة .
|
|
|
|
|