|
|
العربية بين العامية والفصحى غلبة العامية على العربية الفصحى في الوقت الحاضر
وفاء نجار
أتناول في هذا البحث "غلبة العامية على العربية الفصحى في الوقت الحاضر"، إثرمحاولات نفرمن الباحثين استخدام العامية، واستبعاد العربية الفصحى في واقعنا المعاصر. وقد استخدمت المنهج الوصفي لدراسة هذه القضية، فجاء البحث في مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة. جاء الفصل الأول بعنوان، "بين العامية والفصحى"، وتناول كلا من العامية والفصحى من حيث: المفهوم، والنشأة، والميزات، وعلاقة كل منها بالأخرى في ظل تعالي الأصوات المنادية باتخاذ العامية لغة رسمية عوضا عن الفصحى. وتناول الفصل الثاني، "خصائص العامية" كما طرحها مؤيدوها، والمشكلات التي نسبها هؤلاء للعربية، والخط العربي، ثم أوردت رد الغيورين من أبناء العربية على هذه الإدعاءات. وفي الفصل الثالث تم الكشف عن أسباب تغلب العامية على العربية الفصحى في عصرنا الحاضر، والذي تركزفي خمس نقاط هي: تعدد اللهجات وشيوعها، والاستعمار، ودعوات المستشرقين والمستغربين، واستخدام اللهجات العامية في التدريس، والعولمة وتحديات العصر.
ومع أن كثيراً من الباحثين قد درسوا هذه القضية، ومنهم أنورالجندي في كتابه "الفصحى لغة القرآن"، ومجد البرازي في كتابه "مشكلات اللغة العربية المعاصرة"، وأنيس فريحة في كتابه "الخط العربي"، إلا أن هذا البحث يسعى للكشف عن أسباب غلبة العامية في عصرنا الحاضر، رغم المحاولات والنداءات التي تدعوللأخذ بأسباب ارتقاء العربية الفصحى لتستعيد مكانتها التي استقلتها على مرالعصور. ومن أهم الدراسات المعاصرة حول الموضوع، دراسة محمد عبد الشفيع في كتابه "العولمة والتحديات المجتمعية"، ودراسة محمد الضبيب في كتابه "اللغة العربية في عصرالعولمة"، ودراسة محمد الشاهد في كتابه "رحلة الفكرالإسلامي بين التأثر والتأزم". ومن الصعوبات التي واجهت البحث في الموضوع قلة المصادروالمراجع الدارسة للموضوع من وجهة نظرعملية، تسعى لتطبيق ما تم اقتراحه على أرض الواقع؛ فقد تناولت الدراسات القديمة الموضوع من وجهة نظرتاريخية، وتناولته الدراسات الحديثة برؤى مستقبلية.
[أنقر هنا لتكبير الصورة]
وأما المستغربون فكان أبرزهم لطفي السيد الذي كتب عام1913 عدة مقالات في الجريدة يدعوفيها إلى استعمال الألفاظ العامية وإدخالها حرم الفصحى. وكذلك قاسم أمين الذي أعلن عام 1912 تصريحه عن الإعراب وتسكين أواخرالكلمات، ودعوة أنيس فريحة والخوري مارون غصن إلى استعمال اللهجة العامية مكتوبة بالحروف اللاتينية، وأصدركتاباً في هذا المجال بعنوان "نحوعربية ميسرة" عام1955[11].
أثرالتخلف السياسي في الفصحى
إن العزوف عن الفصحى وظهورالعاميات بقوة على ساحتنا العربية هونتيجة منطقية لتمزق الأمة وتشرذمها في عصورانحطاطها، وتقطع الأواصربينها في السياسة والاقتصاد. لتصبح كل دويلة شعباً مستقلاً يباعد الزمن بينه وبين أشقائه، ويقل تبعاً لذلك الاتصال الفكري والاجتماعي، وتتقوقع كل دويلة على نفسها في بيئتها الضيقة المحدودة، ويتولد من ذلك تفكك اجتماعي يتبعه تفكك لغوي منحدر[12]. وهذا ما يؤكده الأفغاني حيث يقول:"هذا هومنشأ اللغات العامية تجلى أعراضاً مرضية لاتعرفها الأمة في صحتها وقوتها ووحدتها"[13].
الدعوات الهدامة
لقد ثارت في العصرالحديث معركة بين أنصارالفصحى ودعاة العامية وسميت دعوات استخدام العامية وترك الفصحى بالدعوات الهدامة. وقد ظهرت المشكلات الآتية:
أولاً: الدعوة إلى استخدام العامية
كان من أبرزالدعوات إلى هدم اللغة واستخدام العامية بدلاً منها، دعوة المستشرق وليام لكوكس، مهندس الري البريطاني الذي بدأ دعوته من خلال محاضراته التي نشرت في مصرعام1893. تبع ذلك دعوة القاضي ويلمور، الذي أهاب بأبناء مصرإصلاح لغتهم وكتابتها بالعامية، وكان ذلك سنة 1951.
ثانياً: الدعوة إلى استبدال الكتابة واستخدام الحروف باللاتينية
ومن ذلك نصائح المستشرقين لأصدقائهم العرب بأن إصلاح الخط العربي لايكون إلابتنحيته جانباً. والكتابة بالحرف اللاتيني بدلا منه، بدعوى أن الغاية إفهام السامع، فان تم فذاك قصد اللغة. وكذلك زعمهم بأن الكتابة بالحروف اللاتينية مختزلة مختصرة في حين أن الكتابة بالحروف العربية صعبة؛ لتعدد أشكال الحرف الواحد، ولكثرة الحروف المتشابهة في الرسم، كذلك افتقارالعربية إلى العديد من الحروف الموجودة في اللغات الأخرى [14]. ففي مستهل القرن العشرين أراد الإنجليزتعلم العربية، ولكنهم وجدوا صعوبة بالغة في ذلك فكانوا كما قال عنهم يوحنا أهنتين كرسكو: "الإنجليزمشهورون بعدم استطاعتهم تعلم لغات الأجانب إلابمشقة مبرحة، وهو السبب الذي يحملهم على أن يحجموا عن تعلم لغات غيرهم من الشعوب، ويتقاضوا إلى أن يتعلم العالم كله لغتهم ويعرفها".فغرور القوي زين له أن يجعل من الشعوب العربية والإسلامية يقلبون كتابتهم من اليمين إلى الشمال، ومن الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني؛ ليريحوا رجالاتهم وأذنابهم من عناء تعلم العربية [15]. وقد استجاب ضعاف النفوس وصغارالعقول لهذه الدعوات، ناهيك عن المشبوهين في خلقهم ووطنيتهم، وشملت نشاطاتهم الدينية كلا من ساحل الشام (لبنان)، ومصر، والمغرب في فترات متقطعة [16].
ثالثا: تيسيرالكتابة العربية
من أخطر الدعوات التي وجهت للغة العربية تحت ستارتيسيرالكتابة العربية دعوة عبد العزيزفهمي أحد الأعضاء البارزين في مجمع اللغة العربية في القاهرة، فقد قدم للمجمع سنة 1944 مشروعاً ينطوي على الكتابة العربية بالحروف اللاتينية، ودعوة أنيس فريحة التي هاجم فيها اللغة العربية ودعا إلى هجرها [17]. وفي المقابل ظهرنمط آخرمن دعاة العامية من محبي اللغة العربية والغيورين عليها بصفتها وضعت للحياة لالتركن في زوايا الإهمال، وعلى رأس هؤلاء طه حسين الذي قدم أطروحته التي تبين الطريق للحفاظ على سلامة العربية بحيث تكون مقربة من العامية في يسرها، بعيدة عنها في استهتارها وتملصها. وذلك بتأهيل الكوادرالإعلامية في الإذاعة والتلفزيون والمسرح، وتفادي الأخطاء السابقة في تيسيرالعربية، إشاعة الفصحى المبسطة في الأغنية والمسرحية [18]. وقد سارعبد الكريم خليفة على نهج طه حسين وأضاف لمنهجه في الحفاظ على سلامة اللغة معالجة مشكلة المصطلحات في اللغة العربية، وحل مشكلة نحو، اللغة وصرفها، وإنشاء مجلدات تستوعب الفصيح وغيرالفصيح [19].
أنصار الفصحى
لقد انتصر للفصحى مجموعة من العلماء العرب والمستشرقين تذكرالمراجع عددا منهم:
مصطفى صادق الرافعي
فقد عارض رؤية لطفي السيد التي دعت إلى استخدام العامية قائلا:"إن في العربية سراً خالداً هوهذا القرآن المبين الذي يجب أن يؤدى على وجهه الصحيح، وإلا لزاغت الكلمة عن مؤداها. فكيفما قلبت اللغة العربية وجدتها الصفة الثابتة التي لاتزول بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة عن تاريخها"[20].
عمر فروخ
أكد رؤية الرافعي وأضاف قائلاً: "فاللغة علاوة على كونها أداة التفاهم، فهي جامع موحد للقومية بأوسع معانيها وسياج للأمة وصلة بين ماضيها وحاضرها، وطريق مستقبلها وعنوان ثقافتها، فإذا كانت الأمة قديمة اللحمة في التاريخ، واضحة النسب في المجد، كانت أحرص على ماضي لغتها، لأنها لاتريد أن تفرط بشيء من تاريخها، فإن الأمة إذا بدأت تنسى تاريخها سهل على الحوادث أن توزعها بين الأمم المختلفة الطامعة بها، أوالطاغية عليها من كل جانب"[21].
الأب صالحاني علي
فقد رد على الخوري مارون غصن قائلا: "إن السبب الذي أوقع الكاتب في الخطأ هوأنه افترى في العربية لغتين؛ الأولى فصيحة، والأخرى عامية. وليس هذا بصحيح؛ لأن اللغة العربية لغة واحدة. أما ما يسميه لغة عامية فليس إلاالألفاظ والعبارات التي يستعملها الكتاب والأدباء، فالعامية نستعملها ممزوجة بالأخطاء، ولها لهجات في الحركات عند التكلم تختلف باختلاف البلدان شرقاً وغرباً سهلاً ومدينة وقرية، ولاقاعدة لهذه الأغلاط واللهجات التي تسيرالعامية بموجبها"[22].
يوهان فك الألماني
بين يوهان فك رأيه قائلا: "لقد قامت الفصحى في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزا لغويا لوحدة العالم الإسلامي في الثقافة والمدنية. لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية عن مقامها المسيطر. وإذا صدقت البوادرولم تخطئ الدلائل، فستحفظ العربية في هذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدينة الإسلامية"[23].
ميليه
يؤكد ميليه أن الجهود التي بذلها المستشرقون والمبشرون، والمكانة الحضارية التي كانت بها الشعوب النصرانية لم تخرج أحداً من الإسلام إلى المسيحية، بل كانت النتيجة أنه لم يبق لغة أوروبية واحدة لم يصلها شيء من اللسان العربي[24].
بروكلمان
يتحدث بروكلمان عن فضل القرآن على اللغة العربية حيث بلغت العربية بفضله من الاتساع ما لاتكاد تعرفه لغة من لغات العالم، فالمسلمون جميعاً يؤمنون بأن العربية هي وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم، وبهذا اكتسبت العربية مكانة رفيعة فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى[25].
= = = = =
الهوامش
[1] علي عبد الواحد وافي."فقه اللغة". ط7، القاهرة: دارالنهضة مصرللطباعة والنشر، 1972،ص153ـ154
[2] المرجع نفسه، ص 128.
[3] إبراهيم أنيس. "في اللهجات العربية". ط 4، القاهرة:المكتبة الأنجلو مصرية 1973، ص125ـ126.
[4] أنيس فريحة."نحوعربية ميسرة ". بيروت: دار الثقافة، 1973، ص122ـ123.
[5] مجد البرازي."مشكلات اللغة العربية المعاصرة". ط1، عمان: مكتبة الرسالة، 1989،ص55.
[6] أنورالجندي."الفصحى لغة القران". بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1982،ص9ـ15.
[7] أنورالجندي.المرجع نفسه ص32 فيليب دي طرزي."تاريخ المصاحف".
[8] محمود تيمور"مشكلات اللغة العربية". القاهرة: مكتبة الآداب: 1956،ص197ـ198.
[9] أحمد مختار"تاريخ اللغة العربية في مصر". الهيئة المصرية للطباعة،1970،ص20.
[10] أنور الجندي. "الفصحى لغة القران". بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1982، ص188.
[11]أنور الجندي. المرجع نفسه،ص،185ـ186.
[12] مجد البرازي."مشكلات اللغة العربية المعاصرة". ط1، عمان: مكتبة الرسالة، 1989،ص55.
[13] سعيد الأفغاني."من حاضر اللغة العربية". ط2، دمشق: دار الفكر، 1971،ص160.
[14] أحمد الخطاب عمر. "يسروا النحوللمعربين". مجلة العربي، الكويت: العدد229، 1983.
[15] سعيد الأفغاني. "من حاضر اللغة العربية". ص178.
[16] سعيد الأفغاني. "من حاضر اللغة العربية". ص179.
[17] نفوسة زكريا. "تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر." الإسكندرية:دار الثقافة،1964، ص208.
[18] مجد البرازي. "مشكلات اللغة العربية المعاصرة". ص57.
[19] عبدا لكريم خليفة. "وسائل تطويراللغة العربية العلمية". عمان: اللجنة الأردنية للتعريب، 1974، ص220ـ221.
[20] أنور الجندي. "الفصحى لغة القران". ص187.
[21] عمر فروخ. "القومية الفصحى". ط1، بيروت: دار العلم للملايين، 1961، ص97.
[22] أنور الجندي. "الفصحى لغة القران"، ص193.
[23] يوهان فك. "دراسات في اللغة واللهجات والأساليب". ترجمة عبد الحليم النجار، القاهرة: مكتبة الخانجي، ص195.
[24]أنور الجندي. "الفصحى لغة القران". ص203.
[25] أنور الجندي، المرجع نفسه،ص205.
العَلم
|
|
|
|
|