|
|
الأمس واليوم والغد في أسواق الذهب - 2
د. محمد سعيد حسب النبي
أمس.. ما أمس؟ خطوة إلى الرمس. خرزة هوت عن السلك، أعلى من خَرَزات المُلك. صحيفة طويت والصحف قلائل، من كتاب العمر الزائل، ثُلمةٌ في الجدار، وهَت لها الدار، وأنت غير دار. جزءٌ من عمرك حضرتَ وفاته، وقَبَرت بيدك رُفاته، لم تُرق عليه عبرة ولم تشيعه بالتفاته. وهو القاعدة التي يبنى عليها العمر، والحَبُّ الذي ينبت عليه الشجر، ويخرج منه الثمر، وهو الخبر والأثر، والكتب والسير، والأسى والعِبر، وهو أبو يومك، والولد سر أبيه؛ وجد غدك، فاجعله النبيل في الجدود النبيه.
اليوم:
طلعت الشمس، ونفضت الخَمس، من تراب أمس، وانصرفت بنو الأيام من الجنازة، وقد هان عليهم اليومُ الراحل، كما هان على المسافر مَطويُ المراحل. فلا العَبرة أراقوا، ولا على العِبرة أفاقوا. شغلتهم دنياهم وأمِنوا مناياهم، وألهاهم هواهم، فهلكوا دون مناهم، فسبحان الذي ألهى بالأمل، وشغل بالعمل، واستنهض الإنسان لأعباء اليوم فحمل، والذي جعل الأمس أحاديث، ومواريث، وجعل اليوم مجال الناهض الناهز، وجعل غداً يوم العاجز. فيا ابن الأيام لا تعقد مناحة الأمس، ولا تقعد تحرس الرمس، ولا تفسد شغل اليوم بالإرجاء، ولا تُلقِ على غدٍ كل الرجاء، واعمل في يومك ما أمكن العمل، وتمتع به ما تسَنَّى التمتع، فما تعلم ما قُدَّامك من عوائق، ولا ما دونك من بوائق، وما تدري أعوامٌ حياتُك أم دقائق؟
الغد:
غيوبٌ محجوبة، وحُجُبٌ مضروبة، وأقدار مكتوبة. أعمار موهوبة، أو منهوبة. وأرزاق مجلوبة أو مسلوبة. بريد الملك القهار، موعده حواشي الأسحار، أو غُرة النهار. حملتِ الفجاءات نجائِبُه، واشتملت على المستجدات حقائبه، وبلغت مستقرها مغرّبَاتُه وجوائبه. أقبل ففض المختوم، وظهر المكتوم، وانفجر المحتوم، وإذا مناع وبشائر، وإذا دَولاتٌ ودوائر. واعلم يا ابن الأيام أن الغد أعده الله لك خير ما أعده، ومده لك أيمن ما مده. هو الشخص الثالث، في رواية الأيام والحوادث، والخلف من صاحبيه والوارث، وهو معقدُ الأمال، وموعد استئناف الأعمال، ومرمى همة المال، تنام الأنفس وفي إيمانها منه شك، وفي أيمانها منه صك، فاعمل له ما استطعت، وانتظره أتى أم لم يأت، وقل سبحان الذي أتى به، والذي هو قادر على طي كتابه، يوم يأتيه أمره فلا يبرز من حجابه.
|
|
|
|
|