بين اللغة العربية و اللغات الغربية: ردّ على الإرهاب اللغوي
هي خواطر في اللغة, و ليست مقالة ممنهجة, أرجو أن يتسّع صدركم لها. و هي ردّ على ما عانيناه في تونس من هجوم على اللغة العربية, خصوصا في العلوم, على أمل أن يتوّفر لي الوقت لكتابة مقالة عن " الحروف العربية كرموز للرياضيات".
أبدأ إذًا.
عندما نقول "غالٍ" بالعربية مقابلها "رخيص". وهي بالإنجيزية "expensive" و مقابلها "cheap"
غال بالفرنسية Cher و لكن لا توجد كلمة مستقّلة تؤّدي معنى رخيص يقولون "ليس بغال "pas cher " أو "Beau marché " بمعنى "فرصة" و لكن ترجمتها الحرفية "سوق جميل" !!!!
الملاحظ أنّ كلمات مثل "غال و رخيص" متداولة يوميا لدى البشر. وجود مثل هذا المصطلح ضروري.
كلمة أخرى: فعل "يكذب" مقابله بالعربية فعل "يصدق". فعل "يكذب بالفرنسية "Mentir " وفعل يصدق لا يوجد مقابل له بالفرنسية.
يوجد اسم الفاعل Véridique و لا يوجد الفعل !!
فإن قيل توجد في العربية أيضا أشياء ليس لها اسم مستقّل.
أقول: إنّ ذلك يقع لعلّة مقصودة. يعني أنّ العربي قصد عمدا عدم إعطاء اسم للشيء و ليس لعدم قدرة, و ذلك مثلا لقبح شديد في الشيء كجرائم بشعة شائعة لدى بعض الأقوام و لها أسماء في لغاتهم و لا تجد لها أسماء مفردة في لغة العرب بل يشار إليها بالوصف أو بأسماء مركبّة (أنأى بنفسي و بكم عن ذكر أمثلة من هذه الجرائم).
و إضافة على الجواب فلنذكر بعض رقائق الغنى المصطلحي في اللغة العربية.
مثلا, البطريق, اسم لحيوان في القطب الشمالي. ما علاقة هذا الحيوان بصحاري و براري و جبال العرب؟ و لماذا يعطونه اسما و لم يشاهده السواد الأعظم منهم و لا يمكن له أن يكون متواجدا أصلا بينهم؟ وكيف وجد الاسم مكانه في لغة العرب؟ علما بأنّ هذا اسم معروف قبل الإسلام و فتوحاته النورانية وهو متداول.
خذ مثلا الكسوف و الخسوف, الفرنسية تعطي نفس الاسم للظاهرتين Eclipse
ولنتكلم الآن في تخلف كلّ لغات العالم عن لغة العرب في جانب جميل وراق, و في بعد, خاصين بها.
أمّا الجانب الجميل والراقي فهو "المثنّى".
في أغلب لغات العالم (على ما أعتقد) يبدأ الجمع باثنين. بمعنى لو شاهدت شخصين تقول "أنتم".
في لغة العرب لا.
الجمع يبدأ بثلاثة تقول لهم "أنتم", أمّا الاثنان فلهما صيغتهما الخاصة وهي المثنّى. تقول لهما "أنتما".
ما الجميل و الراقي في ذلك؟
الجواب بما لاحظه العربي.
لاحظ أنّ للفرد خاصيّته الاجتماعية: خالد, عمر, صديقي, لاعب, أنا, أنت, أنت, هو, هي... فرسم للفرد صيغته اللغوية نظرا لخصوصيّته الاجتماعية, و أعطى الفرد ضمائره اللغوية. يعني الخصوصية الاجتماعية للفرد وجدت صورتها أو إسقاطاتها في اللغة.
كذلك بالنسبة للجمع:الفريق, القسم, نحن, هم, أنتم... الجمع له خصوصية اجتماعية وجدت مكانها في اللغة.
ماذا تقول إذا في هذه المجموعات:
زوج – زوجة
أخ – أخت
أب – أم
ليست لهم نفس خصوصية الفرد في المجتمع
ليست لهم نفس خصوصية الجماعة في المجتمع
الإنسان يأتي من اثنين: أب و أم
و لإنجاب الإنسان يلزم اثنان: زوج و زوجة.
هيّ مجموعات تكوّن عائلة مستقلة, فطن لها العربّي, فأسماها المثّنى وأوجد لها ضمائرها.
ذلك من جوانب لغة العرب الجميلة و الراقية.
ماذا عن البعد الآخر الذي تستقّل به اللغة العربية عن باقي اللغات؟
تدرس الفرنسية مثلا la conjugaison et la grammaire مقابلهما بالعربية النحو و الصرف. و يقفون عند هذين العلمين. الإطار الأكاديمي للغة الفرنسية هذان فقط.
العربية لديها البلاغة.
من روائع لغة العرب, أنّ فيها علما يدرس تقام عليه اللغة مثله مثل النحو و الصرف هوّ البلاغة. و هي " مطابقة المقال المقام ، وموافقته مقتضى الحال" أي تأدية المعنى بكلام صحيح فصيح ، حسن الوقع في النفس مع مراعاة للمناسبة وللأشخاص الذين يوجه إليهم الكلام.
و لا أستطيع الغوص أكثر في غمار اللغة العربية لعدم دراستي الكافية لها نتيجة لتقصير منّي و هجمة الاغتراب التي واجهناها في المغرب الإسلامي الكبير و التي تجاوزناها و قضينا عليها, و لله الحمد و المنّة. إلّا أني أعلم بوجود علوم أخرى في العربية تزيد من جمالها, و تزيد من أسفي بجهلي بلغتي, كعلم البيان.
أريد أن أتحدّث الآن عن جانب مظلم في اللغة الفرنسية (ليس ثلبا بل هو وصف و ستفهمون كلامي عند إكمال المقال).
لنأخذ ضمير المفرد في العربية و الفرنسية.
في اللغة العربية خمسة ضمائر للمفرد: أنا, أنتَ, أنتِ, هو, هي.
في اللغة الفرنسية أربعة ضمائر للمفرد: moi, toi, il, elle
نحن خمسة هم أربعة !!! ماهوّ الضمير الناقص؟ و ما علاقة هذا بالظلامية؟
عودة قصيرة إلى المصطلحات ثمّ أجيب.
Monsieur le président السيّد الرئيس
Madame le président السيّدة الرئيس
Monsieur le ministre السّيد الوزير
Madame le ministre السيّدة الوزير
Monsieur le professeur السيّد الأستاذ
Madame le professeur السيّدة الأستاذ
Monsieur le boulanger السيّد الخبّاز
Madame la boulangère السيّدة الخبّازة
نلاحظ أنّ معظم المهن التي تسمّى "نبيلة" في الفرنسية ليس لها مؤنث. لا تجد مؤنثا للرئيس و تجد مؤنثا للخبّازة. و مجّرد تقسيم المهن إلى نبيلة و غير نبيلة أمر ظلامي و متوحش. فالخبّازة تشتغل بشرف لتكسب لقمة عيشها وقد تكون أنبل من الرئيس و الوزير. هذا جانب من الظلامية في اللغة الفرنسية, فما خلفيّة ذلك يا ترى؟
كي نعرف خلفية هذا القهر للنساء في اللغات اللاتينية عموما نعود إلى ضمير المفرد
ماهوّ الضمير الناقص؟ لماذا نحن لدينا خمسة و هم لديهم أربعة؟
الضمير الناقص هوّ "أنتِ" للمؤنث !!!! لماذا هوّ ناقص؟
لأنهم يعتقدون أنّ المرأة ليست أهلا أن توّجه إليها خطابا مباشرا, يمكن التحدّث عنها في الغائب كأي شيء elle . أمّا أن توجّه إليها خطابا مباشرا فهي إهانة لك. كأنك تقول "هل انحطّت قيمتي كي تستوي مع قيمتها وأخاطبها مباشرة" (آسف جدّا لاضطراري تقديم مثل هذا المثال البشع للقمع في اللغة الفرنسية لكم, و لكنّها حقّا الخلفيّة) و دليلي هوّ أنّه إلى حدود أواخر القرن التاسع عشر كانت تقام محاضرات في أوروبا في الجامعات والكنائس للجواب على السؤال التالي: هل نعتبر المرأة و الجنس الأسود كائنين بشريين أم لا؟
أبشروا إذا بجمال لغة الإسلام, الدين الذي يحفظ كرامة الإنسان ذكرا كان أم أنثى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" الحجرات13
ملاحظة: العبد الفقير إلى رحمة الله, مخاطبكم, يتكلم أربع لغات و يؤكد على أهمية تعلم اللغات خصوصا للأطفال. و لكنّ الحذر الحذر من إهمال اللغة العربية. و قد لاحظنا لدى تدريسنا في كثير من البلدان أن الطفل المتمكن من لغته هوّ الأقدر على تعلم اللغات الأخرى.
مع دعائي لكم ان يحفظكم الله أنتم و عائلاتكم و المسلمين.
بوابة الشرق
|