|
|
الرقيب اللغوي - 8
أ. إسَلمُو ولد سيدي أحمد
جاء في مقال للأستاذ عبد القادر الفاسيّ الفهريّ، رئيس جمعية اللسانيات بالمغرب، نُشِر في العدد 1743 من جريدة المساء المغربية، بتاريخ 9 جمادى الآخِرة 1433ه/ 1 مايو/أيار 2012م، ما يأتي :" إن اللغة قلب وعقل. كل مواطن ينبغي أن يكون قلبه مع لغته، فيحبها لأنها تسكنه ويسكنها، فإن ماتت مات جزء منه فيها، وكل مواطن يوظف عقله في التعامل مع اللغة حين يَتَواصل ويَتَبادل ، فيتواصل بلغة جماعته أولا، إن استطاع، وإلا تواصل بلغة جماعة غيره. فأين قلوبكم وعقولكم في كل هذا، يا مواطني الأعزاء؟"
وتعليقًا على هذا الكلام الجميل والعميق ، أقول إن العرب والمسلمين يجب أن يكونوا- قَلْبًا وقَالَبًا- مع لغة القرآن الكريم.
ونظرًا إلى أنّ الكاتب كان يتحدث في إطار" التعدد اللسانيّ" والتحديات التي تواجهها اللغة العربية في الوقت الراهن، فإن من واجبنا- كل من موقعه- أن نحافظ على لغتنا ونهيِّء لها أسباب كسب الرهان؛ بتطويرها وتنقيتها من الشوائب وإثراء معجمها وتوحيد مصطلحاتها ونشر قواعدها واستعمالها في مختلِف أوجه الحياة .
وبعد هذه التوطئة، وحتى لا نبتعد كثيرا عن موضوع هذه الحلقات التي أركِّز فيها على الجوانب المتعلقة بسلامة اللغة العربية- مَبْنًى ومَعْنًى- يطيب لي أن أشير إلى أنّ تنظيم الألفاظ في الكلام أو النص- سواء أكانت اللفظة اسما أم فعلا أم حرفا- يشبه تنظيم الخَرَز في العِقد ( بكسر العين)، ففي العقد لابد من وضع كل خرزة في مكانها المناسب في السلك الذي تُنظَم فيه الخرزات، ليصبح العقد مادةً يُتزَيَّن بها.
إنني بعيد كل البعد من التشدد في التعامل مع اللغة، ولا أريد أن أشقّ على المتعامل معها بحيث أجعله يشعر بأن اللغة العربية لغة صعبة وقواعدها جامدة، لكنني لا أتفق مع ابن الطراوة الذي كان يقول : "إذا فُهِم المعنى فارْفَعْ ما شِئتَ و انصُبْ ما شِئتَ وإنما يُحافَظ على رفع الفاعل ونصب المفعول إذا احتمل كل واحد منهما أن يكون فاعلا، وذلك نحو: ضرب زيد عمرا، لو لم ترفع زيدا وتنصب عمرا لم يُعلَم الفاعل من المفعول".
وبما أن خَرَزات العِقد لها مواصفات معيَّنة تتعلق بألوانها وأحجامها وماهية معدنها، فإنّ الألفاظ كذلك لها مواصفات خاصة تتعلق بسلامة تركيبها وكتابتها ونطقها ودقّة معناها، وإليكم بعض الأمثلة:
1- سائر:
السائر من الشيْء : باقيه ( المعجم الوسيط) .
إننا نسمع، أو(نقرأ) من يقول أو(يكتب)، على سبيل المثال: زرت سائر المدن الموريتانية.
الأصح أن يقول هذا الشخص: زرت انواكشوط – على سبيل المثال- وسائر المدن الموريتانية ، لأنه – في هذه الحالة- يريد أن يبين أنه زار باقي المدن الموريتانية، بالإضافة إلى انواكشوط . كما نقول في الدعاء: اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا وسائر بلاد المسلمين. بمعنى أننا نطلب الأمن لبلد مُعيَّن وباقي البلدان الأخرى، التي نخصها بالدعاء، بحيث نقول: وسائر بلاد المسلمين، أو نتوسع ليشمل الدعاء البلدان الصديقة التي يتأثر أمنُنا بأمنها. أما إذا قال أحدنا: زرت سائر المدن الموريتانية، فكأنه يقول: زرت باقي المدن الموريتانية، وفي هذا التعبير خلل بَيِّن، لأنّ صاحبه يريد أن يقول إنه زار المدن الموريتانية كَافَّةً، ويمكن أن يستعمل بعض ألفاظ الشمول الأخرى ( كل، جميع، عامة، إلخ)، بحيث يقول: زرت كل المدن... أو جميع المدن أو المدن كافة ( أوقاطبة).
2- عقيدة:
قرأت بحثا رصينا حول الفكر الإسلاميّ، فوجدت صاحبه ينسب إلى العقيدة، فيكتب: " عَقِيدِيّ" فخطر ببالي- دون تخطئة الكاتب- أن أذكّر القارئ الكريم بأنّ القاعدة تقول: النسبة إلى ما جاء على وزن " فَعِيلَة"، أن تُحذَف التاء ثم تُحذف الياء ويُفتح الحرف الثاني وتُضاف ياء النسبة مكسور ما قبلها، فنقول: عَقَدِيّ. وشذّ: سَلِيقِيّ ( سَلِيقَة)، وطَبِيعِيّ (طبيعة)، وبَدِيهِيّ ( بديهة) .
ويُستثنى من هذه القاعدة، إذا كان الاسم معتل الثاني، نحذف التاء فقط، مثل : طويلة ( طَوِيلِيّ)، أو مُضعَّف، نحو عليلة ( عَلِيلِيّ).
ولا اعتراض – من باب تبسيط النحو- على الصيغة الواردة في البحث، كما أنه لا مانع من النسبة إلى الجمع، بحيث نقول: عَقائِدِيّ، مادام الكوفيون يُجِيزون النسبة إلى جمع التكسير، تفاديًا لما يحدث أحيانا من لبس عند النسبة إلى المفرد، بالإضافة إلى أن مجمع اللغة العربية بالقاهرة يُجيز النسبة إلى الجمع مُطْلَقًا. ومع ذلك، فإنني أفضل اتِّباعَ القاعدة العامّة.
ويُقاس على عقيدة، قبيلة ( قَبَلِيّ) مدينة ( مَدَنِيّ)، إلخ. مع فتح الباب للنسبة إلى الجمع- كما أسلفت- بحيث نقول : قَبائِلِيّ، مَدائِنِيّ، إلخ.
3- روح:
الروح، ما به حياة النفس. يذكَّر ويؤنَّث. والروح : النفْس، والنفَس ج. أرواح، والرُّوحانِيّ: مافيه الروح. والروحانيّ: نسبة إلى الروح . والطب الروحانيّ: ضرب من علاج النفس (المعجم الوسيط). ونظرًا إلى كثرة النسبة إلى الروح- فيما يكتب في الصحف والمجلات والكتب- برُوحيّ ، ارتأيت أن أنبِّه القارئ الكريم على النسبة المعتمَدة لدى مجمع اللغة العربية. كما وردت هذه النسبة ( روحانيّ) في بعض المراجع الأخرى، ومن بينها ( المرجع في اللغة العربية لعلي رضى) مما يجعلني أفضِّلها على (روحيّ).
وقبل أن أنتقل إلى موضوعات أخرى، أشير إلى أن النسب: هو إلحاق آخر الاسم ياءً مشددة، مكسورًا ما قبلها، والغرض منه أن تجعل المنسوب من آل المنسوب إليه أو من أهل ذلك البلد أو تلك القبيلة، فيقال في النسب إلى دمشق دمشقيّ، وإلى تميم تميميّ، وإلى أحمد أحمديّ، ( انظر المرجع في اللغة العربية لعلي رضى).
وكما أشرت سابقا، فإنني لا أريد أن أجعل من "الرقيب اللغويّ"، مؤلَّفا في النحو والصرف، وإنما الهدف منه يكمن في تتبع بعض الأخطاء التي أسمعها من أفواه المتحدثين أو أطلع عليها مكتوبة، والتنبيه عليها وتصويبها، مع إعطاء الدليل- في بعض الأحيان- على صحة البديل الذي أقترحه، من خلال استقراء بعض المراجع المعتمدة.
وبناءً على ما تقدم، فإنني أنصح القارئ الكريم بمطالعة بعض المراجع المتخصصة لأخذ فكرة عن الأحكام المتعلقة بالنسب، ومنها : النسبة إلى المقصور- النسبة إلى الممدود- النسبة إلى المنقوص- النسبة إلى ما خُتم بتاء التأنيث – النسبة إلى ما كان على وزن فَعِيلة وفُعَيْلة ( وقد تطرقت إلى النسبة إلى ما كان على وزن فَعِلية)- النسبة إلى الثلاثيّ مكسور الوسط- النسبة إلى المختوم بياء مشددة- النسبة إلى ما قبل آخره ياء مشددة – النسبة إلى ما حُذِف منه حرف- النسبة إلى المركبات – النسبة إلى المثنى أو الجَمْع- النسبة إلى العَلَم المصُوغ صياغةَ التثنية أو الجمْع – النسبة إلى فَعِيل وفُعَيْل، إلخ. وقد أعود إلى هذه الحالات أو بعضها، في حلقات قادمة، إن شاء الله. مع ملاحظة أن ياء النسبة، يمكن الاستغناء عنها بوزن فَعَّال، وهذا يكون في الحِرَفِ، نحو خَبَّاز، نَجَّار، إلخ.
4- الماء الشَّرُوبُ:
يُطْلِق كثيرون هذه الصفة ( شَرُوب) على الماء الذي نستخدمه في حياتنا اليومية، نشربه ونستعمله في طهارتنا وفي إعداد طعامنا. وأعتقد أن هذا التعبير لا يُعبِّر عن الماء الذي تتوفر فيه، المعايير المطلوبة ليكون مُسْتَسَاغًا. والدليل على ذلك أننا لو رجعنا إلى المعاجم، لوجدنا أن الشَّرُوب: الماء يُشرب على كُرْهٍ لقلة عذوبته.
وهناك من يقول : الماء الصالح للشُّرب، ولعلَّ هذه الصيغة ترجمة للكلمة الفرنسية (potable) ، وهذه الصفة هي الأخرى لاتعني بالضرورة الماء في أبهى صور نقائه. ولو رجعنا إلى المعجم لوجدنا:
(vin potable) خمر يمكن أن تُشرَب وإن لم تكن ممتازة. ( roman potable) رواية متوسطة الجودة ( انظر المنهل). والمعاجم العربية تُعرِّف الماء بأنه: هو السائل الشفّاف، ومنه العَذْب كماء السماء وماء الأنهار، ومنه مِلْح، ومالِح. وفي القرآن الكريم:" هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ" 53/ الفرقان. ومن الصفات التي تُطلَق على الماء: الزُّلال: وهو الماء العَذْب الصافي البارد السَّلِس. والماء النقيّ : هو الماء النظيف الخالي من الشوائب، والفرات: الماء الشديد العذوبة. يقال ماء فُرات، ونهر فُرات.
ولعل القارئ الكريم، بعد هذه الجولة في المعاجم، يختار الصفة الدقيقة التي يُعِبِّر بها عن الماء الذي يعنيه، وقد يكون من أبسطها وأكثرها شيوعا: الماء العَذْب، الواردة في القرآن الكريم. وفي هذا المجال ، لابد من الإشارة إلى أهمية اختيار الكلمة المناسبة للسياق، فعلى الرُّغْم من اعتراف اللغويين بوجود ما يُسَمَّى الترادُف (synonymie) ، أي : الاشتراك في المَعْنَى، لدرجة تخصيص معاجم للمترادفات (synonymes) ، فإن هناك من يرى أن الترادُف – مَنطِقِيًّا- غيُر موجود، لكننا لا نستطيع – غالبا – أن نميز الفروق الدقيقة (nuances) الموجودة بين هذه المترادفات.
المُهمُّ أن الكاتب أو المتحدث المتمكن من اللغة لا يمكن- على سبيل المثال- أن يتساوَى عنده: القَزَم ، والقصِير، والدَّحْدَاح، والرَّبْعَة ، والطويل، والعِمْلاق، إلخ.
كما أنه، لا بد أن يدرك الفرق بين: يطلب، ويطالب، ويريد، ويود، ويرجو، ويلتمس ، ويتوسل، إلخ. والفرق بين: الدهر، والزمن، والحين، والوقت، واللحظة، والهُنَيْهَة ، إلخ، المساعَدة ، العَوْن، السَّنَد، الدعْم، المَدَد ، التأييد، المُناصَرة، الظهِير، إلخ. والقائمة طويلة . بمعنى أنه لا يجوز رَصُّ الكلمات بكيفية اعتباطية، في الوقت الذي يُفترَض – بصفة عامة- أن لكل كلمة معنًى خاصًا بها، يختلف- قليلا أو كثيرا- عن معنى الكلمة الأخرى.
5- الخُطْبَة:
خَطَبَ الناسَ، وفِيهم، وعليْهم، خَطَابَة وخُطْبَةً: ألقى عليهم خُطْبَةً. وخَطَبَ فُلانَةَ، خَطْبًا، وخِطْبَةً : طلبها للزواج (المعجم الوسيط). وجئت بهذه المادة للتنبيه على ما يحدث من خَلْطٍ بين الخُطْبَةِ ( بضم الخاء)، والخِطْبَةِ( بكسر الخاء).
6-مَصُون:
جاء في إحدى الصحف :... من أجل أن يبقى حَقُّه مُصَانًا.
الصواب:... مَصُونًا. صان الشيءَ يَصُونُه صَوْنًا وصِيانَةً : حَفِظه في مكان أمِين. فهو مَصُون. ويقال : صان عِرضَه: وقاه ممّا يَعِيبُه. مع ملاحظة أنّ فِعْل "عَابَ"، الوارد هنا في صيغة المضارع ، يَجِبُ فَتْحُ حَرْف المضارَعة فيه (الياء الأولى) لأنه فعل ثلاثيّ – كما رأينا- ويظن بعضهم أنه فعل رباعيّ، فيضم الياء، وهو خطأ شائع لدى غير المتخصِّصِين.
وعلينا كذلك أن نتنبَّه لتصريف هذا الفعل، لأنّ كثيرين يُخطِئون في صياغة اسم المفعول منه الذي هو مَعِيب ( بفتح الميم) وليس بضمها.
وللتوضيح، فإنّ اسم الفاعل هو: عائِب. واسم المفعول : مَعِيب ( بفتح الميم)، ومَعْيُوب. ويقاس على الفعل ( عَابَ) فِعْل ( شَانَ)، لأنه فعل ثلاثيّ ، وليس رباعيا، كما يظن بعضُهم. شَانَ يَشِينُ شَيْنًا: عَاَب، وشَوَّهَ. اسم الفاعل: شائِن. واسم المفعول: مَشِين ( بفتح الميم). وعكسه: زَانَ يَزِينُ زَيْنًا، أي أنّ الشيْنَ عَكْسُ الزَيْنِ الذي هو في الجانب الايجابيّ . يقال: زَانَ الشيْءَ جَمَّلَهُ وحَسَّنَهُ.
7- الْتَمَسَ:
الْتمس الشيءَ : طلبه . وتَلمَّسَ الشيْءَ: تَطَلَّبَه مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ( المعجم الوسيط).
8- الرَّيْعُ:
الرَّيْعُ ( بفتح الراء): المَرْجُوع والغَلَّة، ويأتي بمعنى: الرَّيْعَان/ كما يُقال رَيْعَان الشباب. والرِّيعُ ( بكسر الراء ): المرتفع من الأرض ( انظر سورة الشعراء) /128-131)" أتَبْنُونَ بِكُلِّ رٍيعٍ...". ومن معانيه كذلك: الطريق. ونسمع بعضَ السياسيين يتحدثون عن محاربة " الريع الاقتصاديّ"، ويقولون إن الحكومة الفلانية جعلت من الدولة دولة ريع، وينطقون الريع ( بكسر الراء) .
والصواب –للتعبير عن هذا المفهوم- هو الرّيْع ( بفتح الراء)، لأن المقصود : المرجوع والغلة.
9- النُّفَايَات أو(النُّفَايَا):
النُّفَايَة (بضم النون): ما أُبْعِد من الشيْء لرداءته ( المعجم الوسيط). وهنا أنَبِّه على أهمية الأوزان العربية – أحيانا- في الوصول إلى المعنى. ولنأخذ – على سبيل المثال- فُعَالَة، وهو الوزن الذي جاءت عليه: نُفَايَة، ونَقِسْ عليه كلمات أخرى، نحو : قُمَامَة: وهي الكُنَاسَة تُجْمَع من البيوت والطُّرُق، وتُجْمَع على : قُمَام. بُرَادَة: ما يتساقط من الحديد ونحوه في أثناء بَرْدِه. نُشَارَة: ما يسقط عند الشَّقّ من الخَشَب. خُرَاطَة: ما يسقط من خَرْط الخَرَّاط الذي يَخْرط الحديد أو الخشَب. نُحَاتَة: ما نُحِتَ من أطراف الخشبة ونحوها.
وهكذا نلاحظ أن كثيرا من الكلمات، التي جاءت على هذا الوزن، تشير إلى بقايا الأشياء الرديئة التي يجب التخلُّص منها- بصفة عامة- بمعنى أننا يمكن أن نستثني، النُّخَالَة، مَثَلاً، التي تبقى من الشيْء بعد نَخْلِه، لأنّ الأطباء اكتشفوا أنها مفيدة لصحة الإنسان، ومن فوائدها محاربة الإمساك. وعلى القارئ أن يتتبع المعاني الأخرى للكلمات الواردة على هذا الوزن، نحو: حُشَاشَة، التي هي بقية الروح في المريض، إلخ. لأنّ ما أشرت إليه هو الصفة الغالبة، ولم أعْن به حَصْرَ معاني الكلمات التي تجيء على الوزن المذكور.
ولنأخذ- على سبيل المثال- وزن: فُعَال. نلاحظ أن كثيرا من الكلمات، التي تجيء على هذا الوزن، تدل على الأمراض، من بين ما تدل عليه، نحو: صُدَاع، سُعَال، زُكَام، كُسَاح، إلخ. وعلينا هنا كذلك أن نسْتَأنِسَ فقط بهذه الظاهرة، لأنّ معاني الكلمات الواردة على هذا الوزن لا تقتصر على الأمراض.
وحتى لا أطيل، سأختم موضوع الأوزان ببعض الأمثلة الخاصة باسم الآلة، وهو: صيغة تدل على الأداة التي يحدث بها الفعل، نحو: مِبْرَد، ومِنْشَار، ومِكْنَسَة، ويكون اسم الآلة مشتقا، ويُصاغ من الفعل الثلاثيّ المتعدي المجرَّد، على ثلاثة أوزان: مِفْعَل، نحو، مِبْضَع، مِفْعَلَة، نحو: مِكْنَسَة . مِفْعَال، نحو ، مِفْتَاح. كما يكون جامدا وليس له أوزان مُعَيَّنَة، نحو: سِكِّين، وفَأس، وقلم. (المرجع في اللغة العربية لعلي رضا، بتصرف).
10- المَصْدَرُ واسْمُ المَصْدَرِ:
الفرق بين المصدر واسم المصدر، هو أن المصدر يتضمن أحرف فعله لَفْظًا، نحو: دَرَسَ دَرْسًا، وحَفِظَ حِفْظًا، أوتقديرًا، نحو: نَاضَل نِضَالاً. أو بنقْص معوَّض، بحرف آخر، نحو: وعَدَ عِدَةً، فالتاء في الآخِر عُّوِّضَتْ عن الواو التي حُذِفَتْ مِن وَعَد. أمّا اسم المصدر فيُطلَق على المصدر الذي تَقِلُّ حروفُه عن حروف فِعْلِه، نحو: أعَانَ إعانَةً وعَوْنًا، فإعانة مصدر، وعون، اسم مصدر، لأنّ حروف الثاني نقصت عن حروف الفعل. علمًا بأن كل مصادر الفعل الثلاثيّ المجرَّد سماعية يُعتمَد في معرفتها على المعجَمات. وهو ما يتطلب منا جميعا مجهودا خاصا لحِفْظ ما نحتاجه من هذه المصادر بطريقة صحيحة. ومن حُسْن حظنا أن جميع الأفعال التي تتجاوز حروفُها الثلاثةَ ، قياسية، ممّا لا يتطلب منا غير الإلمام بالقواعد الخاصة بها، عن طريق المراجع المتخصصة.
11- البَعْثَة:
البَعثة ( بفتح الباء) هيئة تُرسَل في عمل مُعيَّن مُؤقَّت، منها بَعثة سياسية ، وبَعثة دراسية ( المعجم الوسيط).
ونظرًا إلى كثرة نطقها بكسر الياء، ارتأيت أن أنبِّه على أنّ الصواب(أو الأفصح)، نطقُها بفتح الباء.
ولابد من الإشارة إلى أن السبب في كثرة الاستشهاد بما يَصدُر عن مجامع اللغة العربية، هو أن ما يَصدُر عن هذه المجامع، يمكن أن نحتجّ به، لأنه مأخوذ من مصادر معتمَدة وخَضَع للتمْحِيص والتدقيق. وقد يقول قائل إنه يَأْخُذ على هذه المجامع قلة إنتاجها- نسبيا – مع بطء في الإنتاج - في بعض الأحيان- لكن الذي يهمني هنا، وأنا أتحدث عن اللغة، هو النوعُ والكَيْفُ، وليْسَ الكَمّ.
12- الطُّمَأْنِينَة:
اطْمَأنَّ القَلبُ ونحوه: سكن بعد انزعاج ولم يقلق. والطُّمأنينة ( بضم الطاء): الاطمئنان والثقة وعدم القلق. وبعضهم ينطق الطمأنينة ( بفتح الطاء)، والصواب ضمها.
13- إذًا:
حرف جواب وجزاء أو مكافأة.
والجمهور يكتب (إذًا) بالألف، وكثيرون يكتبون هذا الحرف بالنون (إذَنْ ) ليفرقوا بينه وبين (إذَا). وقيل إن هذا الحرف إذا َنصَبَ الفعلَ كُتِب بالنون، مثل أن تقول لمن قال إنه سيزورك، إذنْ أكرمَك ( بفتح الميم)، وإذا لم يَنْصب الفعلَ، كُتِب بالألف. وقيل العكس . وأنا شخصيا أفضل كتابته بالنون ( إذَنْ) للتفريق بينه وبين (إذَا) ، عَمِل في الفعل أم لم يَعْمَلْ ، على رأي من يقول بذلك، مثل : المبرِّد، ومن يريد أن يأخذ برأي الجمهور الذي يرى كتابته بالألف ( إذًا)، مراعاةً للوقوف عليه، فله ذلك.
وعلى كل حال، فإنني أُفضِّل توحيدَ كتابة الكلمة، قدر المستطاع، بغض النظر عن الآراء المختلفة حول كتابتها، وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق، بعنوان: "رأي في مسألة الأخطاء الشائعة"، عند حديثي عن كتابة الهمزة، في مثل: هيئة وهيأة، ومائة ومئة، إلخ.
14- الشَّرْبُ:
الشَّرْبُ ( بفتح الشين وسكون الراء): القوم يشربون ويجتمعون على الشراب. والشِّرب (بكسر الشين وسكون الراء) : الماء يُشْرَب . والنصِيب من الماء. قال تعالى: "... لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ" 155/الشعراء.
15- حَوَالَي:
حَوَالَ: تَدُلُّ على الجهات، مثل قَعَد حوالَ الشيْء؛ أي: في الجهات المحيطة به. ورأيت الناس حَوَالَيْهِ : مطِيفِين به من جوانبه. وبعضهم يقول" يبلغ العدد حوالي عشرين شخصا، مثلاً. وأفضّل، في مثل هذه الحالة، استخدام: زُهَاءَ أو قُرَابَةَ، أو نَحْو، فنقول يبلغ العدد نحو عشرين شخصا. دون أن أُخَطِّئ من يستخدم ( حوالي ) لأنّ هدفي هو التنبيه على الفصيح، مراعاةً للدِّقَّة.
16- بَيْنَا وبَيْنَمَا:
أصلهما : بَيْنَ ، والألف والميم زائدتان وإذا أضيفت ( بين) لمفرد وجب تكرارها معطوفة بالواو ( هَذَا فِراقٌ بَيْنِي وَبيْنَكَ). قرآن كريم.
كما نقول : العَقْد المبرَم بيننا وبين الشركة الفُلانية.
17- الاخْتِصَاص:
الاختصاص: تركيب يَنتَصِب فيه الاسمُ الظاهُر بفعْل محذوف وجوبًا تقديره : أَخُصُّ أو أَعْنِي . نحو: نحن – الموقعين أدناه- نُقرّ بكذا....
ونحن – العَرَبَ- مَشْهُودٌ لنا بالكَرَم، إلخ.
18- احْمَرّ:َ
احمر الشيءُ احمرارا: إذا لزم لونَه، فلم يتغير من حال إلى حال.
واحْمَارَّ يَحْمَارُّ احْمِيرَارًا: إذا كان عَرَضًا حَادِثًا لا يثبت، كقولك: جعل يحمارُّ مرة ويصفارُّ أخرى.
19-نَيِّف:
يستعمل للمذكر والمؤنث، بلا تاء، ويُعرَب حسب موقعه في الجملة. نحو: عندي عشرون كتابًا ونيِّف. وعندي ثلاثون مجلةً ونيف.
ويمكن أن نقول: عشرة ونيف، وألف ونيف. ولا يُقال: خمسة عشر ونيف. ولا نيف وعشرة. مع ملاحظة أن النيف يقصد به ما زاد على العَقْد، من واحد إلى ثلاثة . أي أن: عشرة ونيف: قد تعني 11أو 12 أو 13، لأن ما كان من 4 إلى 9، فهو البِضْع. ولا يستعمل النيف إلا بعد العَقد.
20- دُونَ:
ظرف مكان منصوب، وهو بحسب ما يُضاف إليه، ومن معانيه: خُذْ. ويوصل بكاف الخِطاب، فَيُقال: دُونَك القلمَ؛ أي: خُذ القلمَ.
21- كَسْرُ هَمْزَة " إنَّ":
تحدثت في مقال سابق بعنوان: "رأي في مسألة الأخطاء الشائعة "عن أهمية مراعاة كسر همزة " إنّ" في المواضع التي يجب فيها كسرُها، وفتحها في المواضع التي يجب فيها فتحُها، على أن نكسرها أو نفتحها في المواضع التي يجوز فيها الوجهان. ولأهمية الموضوع، أشير إلى أن همزة "إن" تكسر إذا وقعت في ابتداء الكلام، نحو قوله تعالى "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا"، أو حُكْمًا ، كالواقعة بعد الاستفتاحية، نحو قوله تعالى، "أَلاَ إٍنَّ أَوْلٍيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهٍمْ ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ"، أو بعد ( حَيْثُ): حيث إنّه . أو بعد ( إذْ) نحو: أحترمه إذْ إنّه كريم. والواقعة في صَدْر جُملة الصِّلَة، نحو: انتصَرَ الذي إنّه مُخْلِص، والواقعة بعد القول، نحو قوله تعالى: "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ". جواب القسم، نحو:"وَالْعَصْرِ إنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ". الواقعة في صدر الجملة الحالية، نحو : زرته وإني لذو أمل في شفائه ( المرجع في اللغة العربية، بتصرف). وأكتفي في هذه الحلقة بهذه النماذج في المواضع التي تُكسَر فيها همزةُ ( إنّ) لأهميتها وكثرة الخطإ فيها، وأنصح القارئ الكريم بمطالعة بعض المراجع المتخصصة لاستكمال مواضع الكسر والاطلاع على مواضع الفتح ومواضع جواز الوجهيْنِ.
22- الفِقْرَة:
الفِقرة ( بكسر الفاء)، من معانيها: جملة من كلام أو جزء من موضوع أو شطر من بيت شعر. تُجمع على: فِقَر ( بكسر الفاء وفتح القاف) وفِقْرات ( بكسر الفاء وسكون القاف).
23- المَفْصِل:
المَفْصِل ( بفتح الميم وكسر الصاد) ، من معانيه : ملتقى كل عَظميْن في الجسد. والمِفْصَل ( بكسر الميم وفتح الصاد) : اللسان.
24- الفِلذَة:
الفِلذة ( بكسر الفاء)، من معانيها : القطعة من الكَبِد . ج. فِلَذ ( بكسر الفاء وفتح اللام) وأفلاذ. والأكباد: الأولاد. يُقال . فلان فِلْذة كَبِدي، أي ولدي.
25- انْظُر:
انظر : فعل أمر من ( نَظَر)، كما هو معلوم، ويخطئ بعضهم عندما يكتب الفعل في صيغة الأمر بهمزة قطع، بدلا من همزة الوصل ( أي الألف)، كما هو مبيَّن، فيكتب (أنظر المرجع السابق أو المرجع الفلانيّ).
26- حَاسُوب:
الحاسوب ( الكومبيوتر)، يُجمَع على: حَواسِيب، لأنه على وزن: فَاعُول، ج فواعيل، على غرار، قاموس ج قواميس، أما الحواسِب، فهي جمع حاسِب. والحاسبات، جمع حاسِبة. ويقع لبس في هذا الموضوع لدى بعض الناس.
27- الْمَبْدَأ:
الهمزة المتطرفة، في هذا النوع من الكلمات، إذا وردت في سياق يتطلب كسرها، أُفَضِّل نقلَ همزة القطع إلى أسفل الألف، نحو: المبادئ: جمع مَبْدَإٍ .
ونحو: قرأت شرح موطإ الإمام مالك . ونحو: اتخذت هذا الموقف، مراعاة لمبدإ الحياد. إلخ. ولكي يطمئن قلب القارئ الكريم على صحة هذه القاعدة، فليرجع إلى المعجم الوسيط، وسيجد: الملأ: الجماعة. يقال : ما كان هذا الأمرُ بِمَلَإٍ مِنَّا. والشاهد فيه أن همزة ( ملأ) عندما جاءت مكسورة ، نُقِلتْ إلى أسفل الألف لتتناسب مع الكسرة.
28- دَاوُد:
هناك من يكتب هذا الاسم بواوين ( داوود)، والأفضل أن يكتب بواو واحدة.
29- مُحْيِي الدِّين:
يوجد من يكتب هذا الاسم بياء واحدة ( محي الدين)، والأفضل ما أشرتُ إليه.
وأود، قبل الانتهاء مما يَسَّرَ اللهُ لي كتابَتَه في هذه الحلقة، أن أقترح على القراء الكرام أن يهتموا بعلامات الترقيم ( ponctuation)؛ أي : علامات الوقف في الجُمَل، كالنقط والفواصل والأقواس والأهلة، إلخ . وأن يولوا عناية خاصة لكتابة الهمزة كتابة صحيحة، لأن كتابتها بطريقة خاطئة تؤدي إلى نطق الكلمة نطقا خاطئا، خاصة وأن اللغة العربية- كما يُقال- تُفْهَمُ- أولا- لكي تُقرأ قراءة صحيحة، في حالة عدم ضبطها بالشكل، بينما نجد لغات أخرى- الفرنسية أو الإنجليزية، على سبيل المثال- تُقرأ لكي تُفْهَمَ. فنحن عندما نكتب : بقاؤُه، بقاءَه، بقائِه، دون الضبط بالشكل، ندرك ، من خلال معرفتنا بكتابة الهمزة، وعلاقة هذه الكتابة بعلامات الشكل، أن الهمزة في الكلمة الأولى (بقاؤه) مضمومة، والثانية ( بقاءه) مفتوحة، وفي الثالثة (بقائه) : مكسورة . ويتضح ذلك عندما نضع هذه الكلمات في نَصٍّ، نحو: هذا العَالَم، الذي نعيش فيه، يتوقفُ بقاؤُه – إلى ما شاء الله- على أن يقوم المسؤولون عن بقائه – كما أراد الله له- بما يَضْمَن بَقاءَه. ولعلك أخي القارئ تدرك معي- من خلال هذا المثال- مدى جمال هذه اللغة الرائعة الطيِّعَة التي تُمكِّنُنَا من نفسها فنقَلِّبُها يميناً ويساراً لنحصل على ما نريد، فنجعل كلمة واحدة، فاعلاً (بقاؤه)، ومجروراً ( بقائه)، ومفعولا به ( بقاءه). يا لها من روعة!
إن لغة كهذه، لا يمكن أن تُقارَن بلغة أخرى، لأنّ ذلك ينقص من قدرها.
يقول الشاعر:
ألَمْ تَرَ أنَّ السَّيْفَ ينقصُ قَدْره *** إذَا قِيلَ إنَّ السَّيْفَ أمْضَى مِنَ العَصَا.
لأنّ في ذلك ذَمًّا للسيف، إذْ لا وَجْهَ للمقارنة.
|
|
|
|
|