|
|
خلق بيئة اللغة العربية الفصحى في العالم العربي مسؤولية من؟
د. عارف صديق
كانت إجابته مدهشة أكثر مما كنت أتصور فعندما سلمت على الشيخ وجدي غنيم بعد أن ألقى محاضرته بجامع حمد بن خالد بن أحمد آل ثاني بمدينة الدوحة قبل عدة سنوات وقلت له: يا ليت كانت محاضرتكم هذه باللغة العربية الفصحى! فأجاب قائلاً: إن الناس لا يفهمون. فاغتممت كثيراً من إجابته هذه وظللت أفكر فيمن تقع المسؤولية عليه لعدم خلق بيئة الفصحى في البلاد العربية.
وقبل أن أسهب أود أن أشارككم معي في نكتتين خفيفتين، الأولى أن مجموعة من مصر سافرت إلى باكستان منذ سنوات عديدة من أجل التبليغ. وكان مترجم الجماعة باكستانياً كان قد تعلَّم اللغة العربية من المدارس الدينية في باكستان والمعروف أن هذه المدارس تُعَلِّمُ طلابها اللغة الفصحى فقط دون اللهجات العامية ولم يكن المترجم يعرف اللهجة المصرية التي كان ينطقها أحباب هذه الجماعة. ففي يوم من الأيام كان يتحدث أحدهم في مسجد وكان المترجم الباكستاني يترجم حديثه باللغة الأردية. وبدأ المتحدث يذكر فضائل الجنة خلال حديثه ولكنه لم ينطق حرف الجيم في كلمة الجنة كما يجب أن ينطقها بالفصحى بل نطقها باللهجة المصرية الخالصة فأخطأ المترجم فهم الكلمة لأن كلمة الجنة لو نطقت باللهجة المصرية تعني لدى الباكستانيين قصب السكر. فماذا حدث؟ كان المتحدث يبين فضائل وصفات الجنة بينما المترجم كان يترجم فضائل قصب السكر بما فيه أنهار وحدائق وغيرها. وكان هذا لا خطأ المصري ولا خطأ الباكستاني لأن المصري كان معتاداً على لهجته والباكستاني لم يسمع اللهجة المصرية من قبل.
وأما الثانية فسكنت أنا لمدة وجيزة في منطقة الدقي بالقاهرة. وسألني محصل الأوتوبيس ذات مرة إلى أين تذهب؟ فقلت له: الدقي. فقال مرة أخري إلى أين؟ فقلت: الدقي فأعاد نفس السؤال مرة ثالثة فقلت له: الدئي فقال بصوت عال "أيوا كدة" والمعروف أيضاً أنهم ينطقون القاف بالهمزة يعني لو أرادوا أن يقولوا قلما يقولون ألما .
أيها القراء! لا شك أن اختلاف الألسنة من آيات الله ولا يحق لأحد أن يعترض على لغة أحد أو لهجته لأن توحيد اللغات غير مراد به من قبل الخالق ولكن اللهجات العامية المشتقة والمستنبطة من اللغة العربية هل هي سبب المفخرة للعرب؟ إذا كانت هذه اللهجات مفخرة فأي لهجة أفخر وأفضل من الأخرى؟ وفي اعتقادي أن هذه اللهجات العامية مثل باقي اللغات في العالم التي لا فضل لها عند الله لأنه جل وعلا فضّل العربية الفصحى فقط على جميع اللغات واختارها لنبيه ولكتابه ولأهل الجنة، وجميع فضائل اللغة العربية على الفصحى وليست على العامية والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالفصحى وليس بالعامية.
وعندما يسافر الناس إلى بلاد أجنبية فيمكثون ويقيمون فيها ويتعلمون من خلال تعايشهم في بيئتهم لغة أهل البلاد. وهكذا الذين يسافرون إلى بلاد عربية ويقيمون بها فلا يتعلمون إلا اللهجات المحلية التي هي بعيدة بعداً شاسعاً عن اللغة الفصحى أليس هذا ظلماً على لغة الضاد، لغة القرآن، لغة أهل الجنة، ولغة نبينا؟ ومع الأسف الشديد لا نجد نحن الأعاجم أية دولة عربية في العالم التي تتحدث بالفصحى. وهل بقيت الفصحى مقصورة في الكتب فقط وأما الواقع هو أن الطلبة في المدارس يتكلمون بالعامية.. والمدرسون يشرحون لهم الدروس بالعامية والمشايخ يخطبون على منابر المساجد بالعامية والمحاضرون يلقون محاضراتهم بالعامية فأين نجد اللغة العربية القحة الأصيلة في العالم؟ فالعربية تستنجد وتستغيث وتبحث عمن يحييها وينقذها من الانقراض.
أليس هذا شيئاً عجيباً أن بلادا عجمية تحاول وتحافظ على أصالة اللغة العربية ولو زرتها لوجدت الكثيرين من العلماء الذين لم يسافروا قط إلى بلاد عربية يتحدثون بالفصحى تتعجب من فصاحتهم. ويُمَكِّنُهم رسوخُهم في العربية من سبر أغوارها لاستخراج اللآليء والدرر الثمينة المكنونة في أحشائها. ونجد الكثيرين منهم كتابا خطباء شعراء مدرسين تعجبك طلاقتهم وأسلوبهم في التعبير بالعربية الفصحى. وهكذا هو الحال في باكستن والهند وأندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش وغيرها. وإذا كانت هذه الدول تستطيع أن تحافظ على أصالة اللغة العربية فماذا يمنع إخواننا العرب الذين هم أهل اللغة وجديرون بالمحافظة عليها بل أقول أكثر من ذلك فهم مسؤولون عنها يوم القيامة. كما أرجو من الإخوة العرب أن يساهموا في نشر الفصحى في حياتهم اليومية وليس الضحك على من تكلم بها فمن ذاق طعمها لا يفارقها أبداً.
|
|
|
|
|