|
|
رحلة العمر
أ. محسن حكيم
وصل الحفيد الشاب من سفرية طويلة قادما من إحدى القرى بجبال الريف المغربية وكانت بلدة جميلة هادئة تطل على البحر ؛ قدم إلى بيت جدته قبيل الغروب بقليل وكان قد أزمع منذ وقت طويل من تعيينه مدرسا هناك أن يصطحب معه جدته العزيزة ويحقق أمنيتها الدفينة برؤية البحر٠ كانت كل الدلائل تنبئ بأن الحلم السعيد قد قرب من نهايته ليصبح حقيقة وأنهما عما قريب سينطلقان في رحلة ممتعة عبر طريق الوحدة التي تخترق جبال الريف مرورا بأشجار الأرز والصنوبر التي تنتشر بكثافة جهة منطقة كتامة ثم تتمهد المسالك أمامهما نزولا صوب شطآن البحر الأبيض المتوسط الجنوبية٠ هاهي صنوف الهدايا من كسكس وطحين ولوز قد أخذت مكانها داخل أكياس ناعمة أغلقت بإحكام وهاهي حقيبة الجدة التي طالما اشتاق الحفيد لحملها وهو طفل صغير صارت اليوم طوع بنانه وفي متناول قبضة يده٠ قبل الحفيد جدته بحرارة وكانت عيناها مغمضتين وكانت تغمغم بكلمات لم يستبنها عقله ..ربما بسبب فرحة اللقاء وربما لأنه ظل ينتظر بشغف أن تستفيق من نومتها التي أخبره من بالدار من الأهل أنها كانت طويلة على غير عادتها٠ لكن ، لم العجلة والعمر أمامهما يعدهما بلحظات شيقة يستعيد الحفيد الشاب من خلالها كل ذكريات أيام طفولته السعيدة ٠ وبلغ مسامع أهل البيت صوت المؤذن وهو يدعو الناس لصلاة المغرب ورفعت الجدة سبابتها إلى السماء متمتمة بكلماتها المبهمة واعتبرها الحفيد بشرى خير لأن الجدة بطبعها كانت سيدة نشيطة لا تركن كثيرا إلى الفراش مهما كانت ظروف صحتها لا تسمح بذلك٠ وهم الحفيد يريد أن يغادر عتبة البيت للخروج للصلاة في مسجد قريته الذي اشتاق إلى جنباته العطرة ولكن صيحة مدوية أطلقتها خالته الكبرى جعلته يعدل عن تنفيذ فكرته فرجع القهقرى يريد أن يستفسر عن الخبر..أسلمت الجدة روحها المطمئنة الى بارئها في السماء وكأنها كانت تنتظر أن يصل إلى أذنيها الباردتين صوت الحق وصوت الأذان ووقف الحفيد الشاب يستعيد في مخيلته في وجوم وذهول شريط رحلة جميلة لم يكتب لها أن تتحقق !!!
|
|
|
|
|