|
|
متفرقات من مواقف جحا الجديدة
أ. محسن حكيم
ذات ليلة مقمرة جلس جحا إلى أصدقائه ليروحوا عن أنفسهم كعادتهم وليتبادلوا أطراف الحديث ؛ فنطق أحدهم متحدثا وقال : ـ لطالما بلغنا الحديث عن تفضل أحد البخلاء وكرمهم .. فإلى أي حد يمكننا تصديق ذلك الخبر على ما به من ريبة وغرابة !؟ قال جحا : ـ نعم ؛ يقع هذا أحيانا و يكون الأمر ضربا من الإستثناء أن يعطي البخيل قليلا جدا مما لديه ولكنه مقابل ذلك يمن ويتشدق ويرغي بلا طائل فيكون حاله كالطاحونة المتهلهلة ذات الجعجعة الكبيرة والطحن الذي يكاد ينعدم !!! وقال آخر : كيف هي مجالس البخلاء يا جحانا !؟ إبتسم جحا والتفت إلى صاحب السؤال وقال له : ـ يحرص البخيل لدى كل فرصة أن يقنع جلساءه بأن ما يرفل فيه من النعم إنما ورثه كابرا عن كابر وأن حنكته وذكاءه كانا سببا في تنمية أرصدته والحفاظ عليها ؛ ولو حدث وواجهه أحد بما يخالف حقيقة ماضيه لما وسعه إلا أن ينكر ..فكأنما صنع ذاته بنفسه ، وتراه يستدرك معقبا بأن انقطاع قرابته هو مفازة ومنقبة يحسده عليهما كثير من الناس !!! وعلق ثالث على كلام جحا بمقالة لطيفة وقال: ـ حقا ؛ يعظم حرصنا على جمع الأموال فتفتر همتنا أكثر عن العطاء وتزكو يد المنفق بما يبذل من كريم ماله ولا يظفر الممسك إلا بعظيم التلف والعياذ بالله !!! وتكلم رابع وهو يصف بطون البخلاء وقال : ـ يتصور بعض الناس أن البخلاء يتمتعون ببطون منتفخة كما هو الشأن بالنسبة لخزائنهم الممتلئة والحقيقة أن أغلبهم حريصون ومقترون ولذا فهم هزيلون لحد لا يوصف فكأنهم خلقوا ليكنزوا ذهبا وفضة وكل متاع نفيس وليكون أول المحرومين منه هم أنفسهم !! واستحسن آخر حديث صديقيه وعلق يقول : ـ يظن البخيل أن المنحة القليلة لا تفي بالغرض وإذا فهو يتحرج أن يقدمها ؛ ويرى أن العطاء الوافر ربما فتن الأيدي التي تتسلمه بالتالي فهو يتمنع ويحرم أصحابها من أي وصال شفقة بهم !!! وتكلم آخر وقد اعتدل واقفا وتصنع الخطابة وقال : ـ خطب أحد البخلاء في جمع من الفقراء ضمنهم قلة حاسدة خطبة وجيزة لكنها صادقة فقال: ـ إنكم والله لفي نعيم .. وإننا لفي جحيم ..نصلاها قبل يوم الدين ، فلا يغرنكم ظاهر حالنا أيها الطيبون .. واسألوه عز وعلا أن يتجاوز عنا ويغفر لنا بمنه وفضله آمين !! وهبت ريح خفيفة وهم الحاضرون بالإنصراف فقال لهم جحا : ـ سنعود إلى موضوع حديثنا عن البخل والبخلاء بشكل أوسع في لقاء ات قادمة بحول الله ؛ لكن بقي لي أن أخبركم بأمر مهم وهو أن البخلاء يرون أنفسهم هم ومن سار على نهجهم من ذوي الغنى بأنهم يشكلون حلقات قوية من حلقات الحياة وأن الفقراء هم فلتة من فلتات الزمن !!! ـ توقف سمر جحا وجماعته عند هذا الحد على أمل اللقاء في جلسة قادمة
|
|
|
|
|