|
|
متفرقات من مواقف جحا الجديدة
أ. محسن حكيم
إلتقى جحا بمجموعة من أصدقائه بين أحضان الطبيعة ثم جلسوا فترة يتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم كعادتهم فسأله أحدهم عن مباحات الكلام فقال له جحا : ـ أوصيك بهذه الخصال ا لأربع فاعمل بها : ـ لا تقف ما غاب عنك تأويل علمه ..ولا تركب بحرا قلت خبرتك بخفي حراك موجه ..ولا تعدن اللجاجة من كمال العقل ولو لم تخل من معسول كلام .. وترفق بالغير كما تحب أن يترفق بك تعش في سلام !! وسأله صديق آخر فقال : ـ ما الوسيلة للتخلص من آفة التبرم والشكوى يرحمك الله يا جحا !؟ ـ رد جحا عليه يقول : ـ إذا ،، كنت ،، تجد في التذمر وكثرة الشكوى راحة لنفسك فإنه قد يأتي عليك يوم يهجرك فيه كل الذين هم حولك لتبرمهم منك ولنفاد صبرهم أيضا ؛ وإذا ما تعاظم صراخك أكثر فإنه قد تصيبك جلطة في حنجرتك أو تنفجر طبلة أذنك فجأة ويحل بك صمم مستدام جراء ذلك !! وقال ثالث : ـ بلغنا أيضا خبر حديثك عن النفوس المتعاظمة .. فماذا قلت أحسن الله تعالى إليك !؟ ـ رد جحا عليه وهو يتفرس مليا أعين باقي أصدقائه كمن يدعوهم للإستماع جيدا ثم قال : ـ إذا ،، كنتم،، تنظرون إلى أنفسكم نظرة تعاظم لخلقة لا يد لكم في تكوينها أم ملكة إكتسبتموها من غير حول ولا قوة أو جاه لم تمهدوا له أو تعملوا من أجله أو منصبا رمتكم به دواليب الأيام أو عرضا من زخرف عابر عابر فإنه حري بالأم الكبرى وهي الأرض أن تدق أعظمكم كاملة وتعتصر كل ذرة تنبض فيكم بالحياة حتى ينفض منها بريق الزيف ويتلاشى عن سمائها دخان الكبر والعجب الزائدين !! وقيل له بعد انتهائه من كلمته..كيف نكون راضين على أدوارنا في هذه الحياة يا جحا !؟ ـ رد عليهم يقول : ـ إذا ،، كنت ،، غرابا ناعقا أحمل بصوتي السأم إلى القلوب المطمئنة وألوث الأسماع الهادئة فالأليق بي أن أتعلم التسبيح والإستغفار في صمت .. وقتها فقط يمكن لي أن أستحق نعمة الحياة ويكون لي فيها دور شرف مثل غراب ابني آدم الذي بعثه الله تعالى في الأرض ليري الظالم منهما كيف يواري سوأة أخيه !! وسكت فترة قصيرة ثم نظر إلى صاحب السؤال الأخير وقال له : ـ شعورنا بعدم الرضا على وضع من الأوضاع المادية أو الإجتماعية وغيرها والطمع أو الرغبة في الوصول إلى ما هو أفضل يكون مسألة إيجابية وأمرا محمودا متى كنا نرنو بتطلعاتنا إلى تقديم أجود ما لدينا بحيث تعم الفائدة أكبر عدد من الناس ؛ أما أن نخلق بتسلقاتنا الآنية والواهنة حاجزا من السلبية وحب الذات والقطيعة بيننا وبين الآخرين لاعتقادنا بأننا سمونا نحو الأعلى وأننا صرنا فوقهم فذاك مما ينبغي على النفوس الأبية أن تتبرأ منه وتنبذ البتة جميع مفرداته المتشنجة من قاموس سلوكها وتعاملها وتفكيرها وتجعل بينها وبين العجرفة والكبر والتعالي ردما وسدا !! ومازحه أحدهم قائلا : ـ هلا ختمنا نزهتنا هذه يا جحا بكلام معسول ووصف معقول ونبت طري ليس فيه برسيم ولا أعواد فول أو بقول ..تستسيغه ثلة هاته العجول ؟! ( وقد قال عبارته الأخيرة تلك وهو يشير إلى مجموعة أصدقائه ساخرا منهم !!!) ـ ضحكت المجموعة عاليا حتى كادت أن تقلق راحة بعض الأطيار المتواجدة هناك فأشار إليهم جحا أن يكفوا وينصتوا ثم قال : ـ ما أجمل نسائم الورود ..وبسمات الزهور.. وتغريدات الأطيار.. وهمسات الريح .. وخيوط الشمس .. وألوان الربيع .. وخرير المياه .. وصفاء السواقي ..ورقصات الفراشات .. وطنين النحل .. وحفيف الأوراق .. وزرقة السماء .. وإشراقة الأرض .. وحركة الهوام وهي تغدو وتروح في سعيها آمنة مطمئنة .. ماأروعها من لوحة كريمة وآسرة حين تجد خواطر تتأملها في حسن جميل وقلبا مرهفا يفضي بأحاسيسه الجياشة إلى اللسان فينطلق بالتسبيح والإجلال والتعظيم للبارئ جل في علاه منشئ الأكوان جميعها ..تبارك اسمه وتقدست صفاته ولا معبود سواه !!!
هنا انتهت نزهة جحا وأصدقائه على أمل إحياء جولة جديدة في ما سيقدم من الأيام بحول الله وقوته قادمة
|
|
|
|
|