للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الزمن في اللغة العربية - 3

د. محمد سعيد حسب النبي


من المعلوم كما يقول العقاد أن الغربيين في أجروميتهم يلحقون باب الشرط والنفي بالكلام على الزمن في الأفعال، وهو لحق معقول، لأن الشرط والنفي يفيدان ما يحدث وما لا يحدث في زمن من الأزمان، وقد استوفى الشرط والنفي في اللغة العربية أيما استيفاء، فكان من أدوات الشرط ما يفيد الاحتمال الضعيف ومنها ما يفيد الاحتمال القوي. كما يقال: إن حدث هذا، وإذا حدث هذا، ومنها مايفيد الاحتمال مع الفرض والتقدير، وقد يفيد الامتناع حين تستخدم (لو) في مواضعها، ومنها ما يفيد الشرط المعلق على توقيت منتظر أو متفق عليه كالشرط بـ (متى). ومنها ما يربطه بالسببية أو النتيجة العقلية على الإطلاق الذي لا يتقيد من الأزمان كـ (مهما) وأيان وأنى، وكـ (لو) في بعض الأحوال.
أما النفي ففيه دقة وقصد يدل على جملة قواعد القصد في اللغة العربية، فالنفي بـ (لم) مقصور على نفي الحدوث، وهو بالبداهة لا يكون إلا لزمن ماض، لأننا لا نتكلم عن شيء حدث قطعاً أو لم يحدث قطعاً إلا إذا كان الكلام على ما مضى، ولهذا تقصد اللغة فلا تحول الفعل من صيغة المضارع إلى صيغة الماضي بعد لم، ويقول العربي ما حدث هذا ولا يقول لمْ حدث هذا، لأن (ما) تدخل على المضارع فتقيد نفي (الانبغاء) لا نفي الحدوث... ومن قال: (ما يحدث هذا) فإنه يعني أن هذا لا ينبغي أن يحدث ولا يعقل أن يحدث.. وقد يلاحظ هذا على الفعل الماضي الذي تسبقه (ما).. فإن نفي الوقوع هنا لا يخلو من نفي الانبغاء، ومن قال مثلاً: (ما فاء فلان بهذا الكلام) فكأنه يقول: (حاشاه أن يفوه به) وهذا هو الفارق بين (لم) التي لا تحتاج إلى الفعل الماضي فإنها ماضية قطعاً وبين (ما) التي تدخل على الماضي والمضارع، لأنها تدل على إلى جانب معنى الوقوع على نفي الشيء لأنه لا ينبغي أو لا يعقل أو لا يقع في الحساب.
أما إذا نفي الحدوث مع انتظاره في المستقبل فصيغة المستقبل هنا لازمة، ولهذا يقول العربي (لم يحدث هذا) وهو يترقب أن يحدث بعد قليل أو كثير. وهذا القصد في تحويل صيغة الفعل لا يأتي جزافاً –كما يرى العقاد- لأنه يتكرر حيثما اقتضاه المعنى، فنقول مثلاً (إن حدث هذا) وإذا حدث هذا، ومتى حدث هذا، لأن الاستقبال مفهوم بالبداهة ولا حاجة إليه في اللفظ، وليس هذا لعجز أو لنقص في التصريف لأن الفعل المضارع موجود ويجوز استعماله مع الشرط في بعض الأحوال لمن شاء.
وإذا دخلت أداة النفي على الفعل المضارع فهي في حقيقتها مانعة للحدوث لا نافية للحدوث، ومن قال: لن يثوب القارظان ولن تشرق الشمس من المغرب، فهو يقرر امتناع ذلك لسبب عنده قاطع يمنعه، وليس هذا من قبيل النفي في الصيغ الماضوية.
والمهم في جميع هذه الملاحظات أن الفعل يتأثر بموقعه من الأداة النافية ومعناها، فليس هو منقطعاً عن العلاقة الزمنية، بل هو متأثر بها في لفظه ومعناه، فلم يفعل (غير) لن يفعل غير (ما يفعل)، وهو اختلاف يدل على ارتباط العلاقة الزمنية بعلاقة الإعراب، وإن تعذر تعليله من ناحية الإعراب كما يتعذر مثل ذلك في جميع اللغات.
على أن اللغات التي تتكلم بها أرقى الأمم لم تشتمل على تصريفات أو صيغ مصطلح للدلالة على الزمن خلت منها اللغة العربية أو من نظائرها. وإنما ترد الشبهة على بعض النقاد الغربيين من وجود عناوين للأزمنة المعلقة عندهم لا توجد لها نظائر في اللغة العربية وهذه الأزمنة المعلقة هي التي يفرض حدوثها فيما مضى أو ما يلي في حالات مشروطة أو متخيلة ولكنها ليست قاطعة ولا منتهية إلى نهاية حاسمة. وهذه الأزمنة المعلقة يعبرون عنها في بعض اللغات الأوربية بالأفعال المساعدة مع الفعل أو اسم الفاعل أو اسم المفعول. ويحكيها في اللغة العربية أن تقول مثلاً عن أحد معروف أو مفروض: (لعله يكون مصوراً كبيراً لو نشأ قبل عصره) أو (لعله يكون في مثل هذه الأحوال قد نجح لو نشأ بعد حين) أو (في مثل هذه الساعة من الغد يكون قد حضر أو يكون حاضراً) .. إلى أشباه هذه التعبيرات التي يسهل استخدامها في اللغة العربية. وليست هي في اللغات الأخرى مخصصة بوضع أصيل من أوضاع التصريف والاشتقاق، ولكنها تعبيرات طارئة تتيسر محاكاتها عندنا في كل معنى من معانيها.
وقد يأتي التعبير مخالفاً لقصد القائل مع استعمال الفعل المساعد في أشيع اللغات الأوروبية، كما يظهر من ترجمة هذه الجملة العربية: (قلت له أمس إنني سأذهب غداً) فإنهم يترجمونها بالإنجليزية: I said to him yesterday I should go tomorrow، ويجوز للسامع أن يفهم من هذا التعبير أن الذهاب واجب أو أنه حاصل حتماً، في حين أن المتكلم لا يعني ذلك، بل يعني أن ينوي أن يذهب ولا يقيد ذلك بالوجوب أو الجزم بالحدوث. وليس في التعبير العربي شيء جديد يدعو إلى هذا اللبس، مع أن الزيادة فيه على الفعل أقل من الزيادة اللفظية فياللغة الإنجليزية، لأن السين حرف واحد، وقد يستغني عنه فيقال: (قلت له أمس إنني أذهب غداً، أو ذاهب غداً) فيفهم السامع ما أراده القائل:
وكثيراً كان يقيدون دلالات الزمن في اللغات الأوروبية بعبارة معينة لا تتقيد بها في الواقع، ومن الأمثلة التي يذكرها العقاد على ذلك أنه حينما كان في أيام التلمذة يدرس باب المبني للمجهول في اللغة الإنجليزية فسأله الأستاذ أن يبني للمجهول هذه العبارة ويكتب هذا write this فأجابه العقاد بما معناه هذا يجب أن يكتب this must be written، فقال الأستاذ: يجوز، ولكنه غير الاصطلاح المشهور، وإنما الاصطلاح المشهور أن يقال: this should be written والفرق بينهما كالفرق بين (هذا يجب أن يكتب ) وهذا يلزم أن يكتب.. ولا فرق بينهما في الحقيقة إلا تحكماً وإصلاحاً لتقرير وضع من الأوضاع يتردد في جميع التراكيب.
وبعدُ، فإن اللغة من اللغات يعيبها على الأغلب الأعم نقصان: نقص في المفردات ونقص في أصول التعبير، والنقص في المفردات مستدرك، لأنها تزداد بالاقتباس والنقل والتجديد، وما من لغة إلا وهي فقيرة لو سقط منها ما لم يكن فيها قبل بضعة قرون، أما النقص المعيب حقا ًكما يقول العقاد هو نقص الأصول والقواعد الأساسية في تكوين اللغة، ومن قبيلة ما نسب إلى لغتنا من نقص الدلالة على الزمن في صوره المختلفة، وإنه لنقص خطير لو صحت نسبته إليها، ولكنه بحمد الله غير صحيح، ويحق لنا أن نقول: إن هذه اللغة العربية لغة الزمن بأكثر من معنى واحد، لغة الزمن لأنها تحسن التعبير عنه، ولغة الزمن لأنها قادرة على مسايرة الزمن في عصرنا وفيما يلي من عصور.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية