|
|
حرف الميم
م. محمد يحيى كعدان
يقول المرادي في كتابه "الجنى الداني في حروف المعاني": " الميم .. يكون حرف معنى في موضعين:
الأول: قولهم في القَسَم: مُ اللهِ، بضم الميم. فالميم في ذلك حرف جرّ، عند قوم من النحويين. وذهب قوم إلى أنها بدل من واو القسم. ورُدَّ بأنها لو كانت بدلاً منها لَفُتحت، كما تفتح الواو، وبأن إبدال الميم من الواو لم يوجد، إلاّ في كلمة واحدة، مختلف فيها، وهي فمٌ. وذهب قوم إلى أن هذه الميم اسم، وهي بقية ايمن. واختاره ابن مالك. وحكى في هذه الميم الفتح والكسر أيضاً، فهي مثلثة. وذهب الزمخشري إلى أن قولهم: مُ الله، هي مُنْ التي تستعمل في القسَم، حذفت نونها.
الثاني: الميم التي هي بدل من لام التعريف، في لغة طَيِّئْ. وقيل: هي لغة أهل اليمن. كقول الشاعر عبدالله بن عنمة:
ذاكَ خَلِيلِي ، وذُو يُواصِلُني ***** يَرْمِي ورائي، بامْسَهْمِ، وامْسَلِمَهْ
وروى النَّمِرُ بنُ تولب، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ يقول: " ليسَ من امْبِرِّ امْصِيامُ في امْسَفَرِ ". قال ابن يعيش في شرح المفصّل: لم يرو النَّمِرُ عن النبي ، غير هذا الحديث.
قلتُ: في عَدِّ هذه الميم من حروف المعاني نظر، لأنها بدل لا أصل. وأيضاً فإنَّ هذا مبنيّ على القول بأن حرف التعريف أحادي والهمزة غير معتدّ بها.
وذكر أبو البقاء أن الميم في أنتم حرف معنى ".
الأداة ( م 10011 ) تعني معرفة المتكلم فقط (لغياب المستمع) لشكل وصفة العنصر الثاني الغائب. أي يوجد شكل وصفة لعنصر غائب قد " ماه " إلى المتكلم أو " تماها " فيه.
ففي المثال: مُ اللهِ. يكون العنصر الثاني وهو لفظ الجلالة: الله، غائباً ولكنه معروف شكلاً وصفة للمتكلم فقط.
ونلاحظ أنه لا يصح استخدام هذا القَسَم، لأن معرفة الله شكلاً وصفة غير متوفرة لأحد (ويصح عند القَسم بأشياء أخرى، وهو مُحرَّم شرعاً). إلاّ إذا اعتبرنا أن الله غائب، ويتجلّى شكله في مخلوقاته، وصفاته وهي أسماؤه الحسنى.
مفهوم التماهي يتجلى في الصيغ التالية: مَ (كتب)، مَ (صنع)، مِ (براة)، مُ (دافع).
الصيغة: " ميم " ( م 10011 )، ( ي 10110 ), ( م 10011 )، تعني شكلاً وصفة لعنصر غائب أمام المتكلم، لشكل غير موصّف لعنصر غائب أمام المتكلم والمستمع، لشكل وصفة لعنصر غائب أمام المتكلم؛ أي نحن بداية أمام شكل وصفة لعنصر غائب عند المتكلم وبالتالي هو تماها معه ( م ) ثم ننتقل إلى شكل لعنصر غائب لدى المتكلم والمستمع ( ي ) ثم ننتقل إلى عنصر غائب تماها مع المتكلم ( م ).
بالتالي نحن أمام عنصر غائب متشكل أمام المتكلم والمستمع. هذا العنصر بين عنصرين غائبين متماهيين مع المتكلم، ألا وهو " الميم ".
أي " الميم " هو شكل لعنصر غائب بين عنصرين متماهيين مع المتكلم.
نلاحظ أن الصيغة (ميم) عكوسة وبالتالي تبديلية. أي يمكن استبدال موقعي العنصرين دون تغيير في المعنى.
ندرس (أمْ) المستخدمة كتعريف في الصيغة أمْ سفر في الحديث الشريف (حسب لغة طَيِّئْ) وفق: أ(م(سفر))، نعتبر أن سفر معروفة الصياغة والمعنى.
بما أن الصياغة من اليسار إلى اليمين، نبدأ بدراسة الحرف (م) أولاً، ويعني أن العنصر الثاني سفر غائب ومعروف الشكل والصفة للمتكلم فقط. ومن ثم يتم تركيب المعنى السابق مع الألف، التي تعني تآلف الصيغة مْ سفر مع المتكلم والمستمع معاً. أي أن الصيغة السابقة أصبحت حاضرة، ومعروفة الشكل والصفة للمتكلم والمستمع معاً.
منه إن معنى الصيغة: (أم)، هو نقل معرفة الصيغة التي تأتي بعدها (العنصر الثاني) شكلاً وصفة، من المتكلم فقط، إلى المتكلم والمستمع معاً، وانتقال العنصر من الغياب إلى الحضور. وبالتالي قيام المتكلم بتعريف العنصر الثاني، الذي يعرفه رغم غيابه، إلى المستمع عند حضوره.
نلاحظ أن المعنى السابق يُعطيه الحرفان: (أم) معاً، وليس الحرف (م) لوحده.
وتُستخدم الأداة ( م 10011 ) في الشهادة على الحدث، إذ يتحدث المتكلم عن موضوع ما، ثم يطلب شهادة أحدهم في كون ما قاله هو تمام المعرفة شكلاً وصفة بالموضوع، أي: الحقيقة. فيقول سائلاً أحدَهم: مَ؟ أو ما؟ لطلب التصديق.
الصيغة " أم ":
تعريف الحرف م هو القيم 10011، وتعني معرفة المتكلم فقط بشكل وصفة عنصر غائب. وبمتابعة الصياغة بالألف، نحصل على التآلف بين العنصر السابق وكلٍ من المتكلم والمستمع.
بالتالي الصيغة " أم "، تفيد في تعريف أو تآلف المتكلم والمستمع مع عنصر حاضر (ا)، لعنصر غائب معروف الشكل والصفة للمتكلم فقط (م).
من المفهوم أعلاه، نجد أن الصيغة: زيد أم عمرو، لا تساوي الصيغة: عمرو أم زيد.
لأن عمرواً في الصيغة الأولى، هو عنصر حاضر متآلف ، لعنصرٍ غائب معروف شكلاً وصفة للمتكلم فقط. بينما زيد في نفس الصيغة فليس من قول أو ذِكْرٍ عنه، غير اسمه. أمّا في الصيغة الثانية فيكون العكس صحيحاً.
بالتالي نرى أن المتكلم عندما لا يملك المعرفة عن زيد مثلاً، فإنه يطرح عنصراً آخر غائباً، ومعروفاً له شكلاً وصفة، لعنصرٍ متآلف مع المتكلم والمستمع، هو عمرو.
الصيغة " ما ":
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: ما قام زيد. وندرسها وفق المراحل:
م (ا(قام زيد )). معتبرين أن الصيغة: قام زيد، معروفة الصياغة والمعنى.
إن الصياغة بالألف، تعني وجود التآلف بين العنصر الثاني الحاضر، وهو الصيغة: قام زيد، وبين المتكلم والمستمع.
ولكن عند الصياغة بالميم ذات التعريف 10011، فإن المتكلم فقط يعرف شكل وصفة العنصر الثاني الغائب، لعنصرٍ متآلف، هو الصيغة: قام زيد. أي أن العنصر الثاني تماها مع المتكلم.
وهي بهذا المعنى تفيد حصر المعرفة بالمتكلم لعنصر غائب يعرفه شكلاً وصفة، لعنصر متآلف.
ليكن لدينا المثال التالي: خالِدينَ فيها ما دامَتِ السّماواتُ والأرضُ (هود 108). وتعني (والله أعلم): خالدين فيها، المتكلم فقط وهو سبحانه وتعالى، يعرف شكل وصفة العنصر الثاني الغائب، لعنصر متآلف، هو دامَتِ السّماواتُ والأرضُ.
ليكن لدينا المثال التالي: يعجبني ما صنعتَ. وتعني: يعجبني، وأنا فقط كمتكلم، أعرف شكل وصفة العنصر الثاني الغائب، لعنصر متآلف، هو: صنعتَ.
ليكن لدينا المثال التالي: وإذا ما أُنْزِلَتْ سُورةٌ (التوبة 124). وتعني (والله أعلم): وإذا، والمتكلم فقط وهو سبحانه وتعالى، يعرف شكل وصفة العنصر الثاني الغائب، لعنصر متآلف، هو أُنْزِلَتْ سُورةٌ.
وهكذا نجد أن الصيغة " ما " وفي كل الأمثلة، لا تخرج في معناها عما ذكرناه أعلاه.
نلاحظ أن الصيغة " ما " هي عكس الصيغة " أم ".
|
|
|
|
|