|
|
عندما توقف العصفور عن التغريد
أ. محسن حكيم
ـ كان طول قامته يقترب من المتر بقليل وآثر أن يتخلى عن تقليده لبكاء الأطفال الرضع وقد كان يروق له من قبل أن يطلق عنان حنجتره في أي وقت يشاء ؛ ولم يترك عبث المهد إلا بعد تهديد صريح من قريبة زارت بيتهم ومعها أعشاب يكرهها كل الأطفال ٠ ويبدو أن فطامه ذلك منحه بعضا من الإستقلالية والحرية ثم لم يلبث أن لصقت به عادة أخرى فصار يجرب تقليد الجنادب التي لا تنقطع أصواتها خاصة عند حلول فصل الصيف ، وأي مجنون ذاك الذي يطرب لنغمتها المستفزة ؟! واستبدلها بقليل بتقليد جديد فصار يحاكي البلابل ولعله وجد من بين أقرانه من يمتدح صنيعه هذا ..ولن يعدم الأحمق أن يجد من يشبهه !! وسر صاحبنا ذات يوم أن يتسلق فروع عالية لشجرة هائلة يتفيأ بوارف ظلالها الكبار والصغار وحركته غريزته وظن أنه أصبح عصفورا حقيقيا فأطلق العنان للتغريد ٠ وكرر محاولاته وغمرته نشوة كبيرة وهو يرى الناس يغدون ويروحون ثم يتوقفون برهة عند أسفل الشجرة لاكتشاف هذا البلبل الغريد ٠ لم يخطر بباله أن هذا الإعجاب لن يدوم طويلا فقد وصل فجأة أحد الأطفال العابثين المعروفين بعدائهم للأطيار وحول فرحة صاحبنا إلى خوف شديد إذ رآه يتهيأ ليصيبه برمية من مقلاعه ٠ وصاح يتوسل إليه ويدعوه أن يكف عن رميه لأنه ليس عصفورا حقيقيا وإنما هو طفل مثله لا أقل ولاأكثر .. وكتم عصفورنا المزعوم خيبته وكدمات جراحه التي أحدثتها أغصان الشجرة في كامل جسده وتسلل سريعا لأنه كان لا يأمن غدرغريمه الصياد الذي لم يحفل به وقابله بضحكات مسترسلة وساخرة ٠ ونظر إليه عصفورنا البشري باستغراب وازدراء ومضى إلى حال سبيله متفكرا وقد قرر أن يكف عن التغريد في انتظار موهبة أخرى قد تأتي وقد لا تأتي!! وقال الراوي ياسادة يا كرام بعد الصلاة والسلام على سيد الأنام ..قد مر ما يزيد عن الأربعين سنة بالكمال والتمام على وقوع تلك الأحداث الطريفة السالفة الذكر والتي عاش أطوارها عصفورنا وبطل حكايتنا.. وهاهو اليوم يسير في مسلك فريد ويمتع نفسه وأحباءه من القراء الأعزاء بترانيم وتغريدات من نوع آخر ويطلق على نفسه لقب عصفور ن الغرب ..فما أعجبه من عصفور ..وما أروع ما ادخرته له صفحات الأيام في طياتها من مفاجآت سارة جميلة وعجيبة!!!
ـ إنتهى ـ
|
|
|
|
|