للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

فنّ الخطّ العربيّ

د. نوال بنت سيف البلوشية

رغم اختلاف الحضارات وتنوعها، تبقى الكتابة العربيّة وفن الخطّ العربيّ محط أنظار الباحثين والدّارسين المهتمين بهندسة الخطّ العربيّ وجمالياتها. والنّصّ العربيّ بحرفه حافظ على رونقه الحضاريّ؛ سواء أكان على مستوى استعماله الرّمزيّ أو التّعبيريّ بين الأسطر والكلمات. واختراع الإنسان لصناعة الكتابة هي ترجمة عن التّقدّم الفكريّ والرّوحيّ؛ لذلك عُدّت الكتابة في مختلف أحوالها مظهر من مظاهر الحضارة الإنسانيّة؛ أيّ لا يمكن تصوّر نشأتها إلا في ظلّ حضارة إنسانيّة لها مراحلها وتطوّراتها.
وقدّ تحدث ابن النّديم عن الخطّ العربيّ، وعن أنواعه، وأشهر الخطّاطين حتى عصره، بقوله: " فأوّل الخطوط العربيّة الخطّ المكيّ، وبعده المدنيّ ثمّ البصريّ ثمّ الكوفيّ ... بعدها عرّج حديثه عن أشهر الخطّاطين في العصر الأمويّ والعباسيّ؛ فقد كان في العصر الأموي أميه بن قُطبة وأمّا العصر العباسيّ الضّحاك بن عجلان، بعدها جاء في العصر العباسيّ إسحاق بن حمّاد وقدّ كان كاتبًا في خلافة المنصور و المهدي. وزعم بعض المؤرخين وفق ما ورد في كتاب ابن خلكان وفيات الأعيان أنّ ابن مقلة هو أوّل من نقل الخطّ العربيّ من شكله اليابس المعروف بالخطّ الكوفيّ إلى شكله الجديد الّلين المعروف بالخطّ المنسوب.
والمتأمل في فن الخطّ العربيّ سيتيقن أنّها ملَكَة تنضبط فيها حركة الأنامل بالقلم على قواعد مخصّصّة، تتشكّل وتتبلّور تلك الملَكَة بالتّعلّم و المرآن؛ إذ ليس كلّ إنسان قابلاً لأن يكون خطّاطًا. والبعض لديه تلك الملكة بالفطرة وتحتاج إلى من يُشعلها ويشحذها بالتّدريب والمرآن. هذا ما أكده ابن خلدون في مقدمته، حينما كان تعلّم الخطّ من المظاهر الحضاريّة؛ أصبح العلماء في عصره يتناقلون الاخبار عن اهتمام أهل مصر بقوله: " يحكى لنا عن مصر ... أنّ بها معلمين منتصبين لتعلّم الخطّ يلقون على المتعلّم قوانين وأحكامًا في وضع الحرف ... فتصعد لديه رتبة العلم والحسّ في التّعليم، وتأتي ملَكَتهُ على أتمّ الوجوه.
والمتتبع لنشأة الخطّ العربيّ وتطوراتها سيلتمس أنّ هناك اعتبارات وضرورات دينيّة، سياسيّة، وعلميّة تساند وجودها؛ ففي الجانب الدّينيّ تمثلت في كتابة القرآن الكريم والحديث، وفي الجانب السّياسيّ تمثل في تعدد أسماء الخطوط العربيّة تبعًا لأسماء المدن الإسلاميّة كالخطّ الكوفيّ والخطّ الحجازيّ، وفي الجانب العلميّ تمثل في تعدد أسماء الخطوط العربيّة تبعًا لأسماء العلماء والمبدعين كالخطّ الياقوتي والخطّ الرّيحاني والغزاليّ.



وأما في الجانب الجماليّ تميّز الخطّ العربيّ بهندسة الحروف الّتي تُعبر عن مكنونها الجماليّ في المرونة والاستدارة والاستطالة متنوّعة من خلال لمسات المدّ والرّجع، والتّشبيك في صورة متوازنة متكاملة متداخلة؛ كنتاج هندسيّ مبدع وخلّاق. هذا وليس الإنسان العربيّ من تذوق جماليات الخطّ العربيّ فحسب؛ بل إن الأوروبيين المعاصرين تذوقوا  ذلك الجمال بزاوية من زواياها المتعددة، ما يدلل على ذلك قول الرّسام الشّهير بيكاسو " إن أبعد نقطة حاولت الوصول إليها بالرّسم وجدت الخطّ العربيّ قدّ سبقني اكتشافه واستعماله ..." .   
ومن تحديات الخطّ العربيّ في صموده قَبوله الطّباعة الحديثة ومستجدات التّقانة المتطوّرة بطواعية وإيجابيّة عالية، على أثرها جعل الحرف العربيّ التّقانة في تحديات عدّة منها تعدد أشكال الحرف الواحد – على سبيل المثال حرف الميم يُرسم بصور في أوّل كلمة  مثل " مُحمَّد " وبصورة  في  آخر الكلمة مثل " السّلام " -  الّتي تصل في بعض الأحيان إلى أربعة أشكال. لم يتوقف هاجس أصحاب الصّناعة والتّقانة عند الحرف العربيّ وتعدد أشكاله؛ وإنّما تمثل هذا الهاجس في توليد خطوط جديدة مستوحاه من الخطوط العربيّة السّابقة، إذ ظهرت في الأسواق في صورة برامج عربيّة بخطوط عدّة، قام بتصميمها أفراد ومؤسسات برمجيّة عالميّة تهتم في أعمال النّشر الإلكتروني مثل شركة " أي. بي. سي" وغيرها من الشّركات العالميّة؛ بذلك كسب الخطّ العربيّ التّحدي في صموده وقَبوله للطّباعة الحديثة ومستجدات التّقانة في ظلّ التّقدّم التّكنولوجيّ والبرمجيات الرّقميّة السّريعة.
الخاتمة
1.    المتأمل في الخطّ العربيّ يجد أنّ هناك علاقة  بين الخطّ و الفكر،  تتبلور لتشكّل قيمة بصريّة  تُعزز الهُوية العربيّة في مجال حرفي مؤثث بهندسة الأشكال؛ كفن روحانيّ يتناسب مع التّطورات والتّصورات اللّسانيّة الحديثة، كونها لغة التّعايش والحياة في الأمة العربيّة.

2.    التّفاعل الإيجابي بين التّقانة الحديثة والحرف العربيّ لم يفقد الخطّ العربيّ رونقه؛ بل أكسب الحرف العربيّ وخطّه التّحدي في توليد خطوط جديدة مستوحاه من الخطوط العربيّة السّابقة.

3.    التّراث اللّغويّ العربيّ دليل حضارة شيّدت بنيانها وفق نظام، كان العقل المعماري فيه هو الأساس لكلّ تصور نظريّ وعمليّ؛ لذا يتوجب علينا الاهتمام في تطوير ذلك التّراث والحفاظ عليه في استثماره علميًّا.



المراجع
1.    ابن خلدون، عبد الرحمن أبو زيد ولي الدين (2004). مقدمة العلامة ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر. بيروت: دار الفكر.

2.    ابن خلكان، أبو العباس  شمس الدين احمد بن محمد بن ابي بكر (د ت).وفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان. بيروت: دار الفكر.
3.    الدهون، إ. (2013). نشأة الخط العربي: جذور و تأريخ. الجوبة - مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية - السعودية، ع 41 ، 7 - 11.
4.    الرمحي، م. ع. (2013). حروفيات الخط العربي. الجوبة - مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية - السعودية، ع 41 ، 6.
5.    فهمي، خ. (2013). الخط العربي: مقال في آفاق الاستثمار الإنساني. الجوبة - مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية - السعودية، ع 41 ، 28 - 30.
6.    فوزي، ع. (2013). الخط العربي: فن أم حرفة ؟. الجوبة - مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية - السعودية، ع 41 ، 24 - 17.
7.    القرشي، خ. س. (2013). الخط العربي و التقنية. الجوبة - مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية - السعودية، ع 41 ، 19 - 23.
8.    مهداد، ا. (2013). الخط العربي: رحلة إبداع. الجوبة - مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية - السعودية، ع 41 ، 12 - 18.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية