|
|
حرف القاف
م. محمد يحيى كعدان
الصيغة: " قاف " (ق 01101 )، ( ا 11111 ), ( ف 01111 )، تعني توصيفاً بلا شكل أمام المستمع لمتآلف لشكل موصّف أمام المستمع، أي نحن بداية أمام توصيف غير متشكل بادٍ للمستمع ( ق ) ثم ننتقل إلى عنصر مألوف لهذا التوصيف غير المتشكل ( ا ) ثم ننتقل إلى شكل موصّف بادٍ للمستمع لهذا العنصر المألوف ( ف ).
بالتالي نحن أمام عنصر مألوف بين صفة وبين صفة متشكلة أمام المستمع. هذا العنصر هو تقفّي يتم من صفة عنصر حتى بلوغ صفة وشكل العنصر معاً من جهة المستمع المستمع (فالتقفّي يتم بعيداً عن المتكلم في جهة المستمع).
أي " القاف " هو تقفّي (تتبع) يجريه المستمع لينتقل من صفة (أثر) عنصر إلى شكله وصفته معاً.
الصيغة " قد " :
يقول المرادي: " قد.. لفظ مشترك؛ يكون اسماً وحرفاً. فأمّا قد الإسمية فلها معنيان:
الأول: أن تكون بمعنى حَسْب. تقول: قَدْني، بمعنى حَسْبِي. والياء المتصلة بها مجرورة الموضع بالإضافة. ويجوز فيها إثبات نون الوقاية، وحذفها.
والياء، في الحالين، في موضع جرّ. هذا مذهب سيبويه، وأكثر البصريين.
الثاني: أن تكون اسم فعل بمعنى كفى.
ويلزمها نون الوقاية، مع ياء المتكلم، كما تلزم مع سائر الأفعال. والياء المتصلة بها في موضع نصب. وهذا القسم نقله الكوفيون عن العرب.
وقول الشاعر حميد الأرقط: " قَدْنِي مِن نَصْرِ الخُبَيْبَيْنِ، قَدِيْ "
الخبيبان: عبدالله بن الزبير، وابنه خبيب.
يحتمل قوله " قدني " وجهين: أحدهما أن يكون بمعنى " حسب "، والياء في موضع جرّ. والثاني أن يكون اسم فعل، والياء في موضع نصب.
وقوله آخر البيت " قدي " يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون بمعنى " حسبي "، ولم يأتِ بنون الوقاية على أحد الوجهين. وثانيها أن يكون اسم فعل، وحذف النون ضرورة. وثالثها أن يكون اسم فعل، والياء للإطلاق، وليست ضميراً.
وأما قد الحرفية فحرف مختص بالفعل، وتدخل على الماضي، بشرط أن يكون متصرّفاً. وعلى المضارع، بشرط تجرُّده من جازم وناصب وحرف تنفيس. واختلفت عبارات النحويين في معنى قد. فقيل: هي حرف توقُّع. وقيل: حرف تقريب.
قال الزمخشري في المفصّل: " ومن أصناف الحرف، حرف التقريب وهو قد. وهو يقرب الماضي من الحال، إذا قلت: قد فَعَلَ. ومنه قول المؤذِّن: قد قامتِ الصلاةُ. ولابدّ فيه من معنى التوقع. قال سيبويه: وأما قد فجواب: هل فَعَلَ. وقال أيضاً: فجواب: لمّا يفعلْ ".
وقيل: حرف تقريب مع الماضي، وتقليل مع المستقبل. قال ابن الخبَّاز: ومن عبارات المُطارِحِينَ في قد، أنهم يقولون: حرف يَصحَبُ الأفعال ويُقرّب الماضي من الحال. قال: وزدته أنا " ويؤثِّر التقليلَ في فعل الاستقبال ".
وقال بعضهم: إن دخلت على المضارع، لفظاً ومعنى، فهي للتحقيق، نحو: قد قام زيد، و قد يَعْلَمُ ما أنتُمْ عَليْهِ النور 64.
قال الشيخ أبو حيان: والذي تَلَقَّنَّاهُ من أفواه الشيوخ، بالأندلس، أنها حرف تحقيق، إذا دخلت على الماضي، وحرف توقع، إذا دخلت على المستقبل.
وقال بعضهم: قد حرف إخبار. تكون مع الماضي للتحقيق، ومع المضارع للتوقع تارة، وهو الكثير فيها، وقد تكون معه للتحقيق، وهو قليل. وقد تكون تقليلاً، وهو أيضاً قليل. والإخبار، في جميع ذلك، لا يخالفها. فهو الخاص بها الذي تُسمى به.
قلت : وجملة ماذكره النحويون لقد خمسة معانٍ:
الأول: التوقّع. وقد ترد للدلالة على التوقع مع الماضي، والمضارع. وذلك مع المضارع واضح، نحو: قد يَخرجُ زيد. فقد هنا تدل على أن الخروج متوقَّع، أي منتظر. وأما مع الماضي فتدل على أنه كان متوقعاً منتظراً. ولذلك يستعمل في الأشياء المُترقَّبة.
وقال الخليل: إن قول القائل " قد فَعَلَ "، كلامٌ لقوم ينتظرون الخبر. ومنه قول المؤذِّن: قد قامت الصلاة، لأن الجماعة منتظرون.
الثاني: التقريب. ولاترد للدلالة عليه إلاّ مع الماضي. ولذلك تلزم غالباً مع الماضي، إذا وقع حالاً. نحو وقَدْ فصّل لَكُمْ الأنعام 119. وإن ورد دون قد، فقيل: هي معه مقدَّرة. وهو مذهب المبرّد، والفرّاء، وقوم من النحويين. وقيل: لاحاجة إلى تقديرها. وهو الأظهر.
وكلام الزمخشري يدل على أن التقريب لا ينفكّ عن معنى التوقع. وكذلك قال ابن مالك في التسهيل: فتدخل على فعل ماض متوقَّع، لا يشبه الحرف، لتقريبه من الحال. وقال ابن الخبّاز: إذا دخل قد على الماضي أثّر فيه معنيين: تقريبه من زمن الحال، وجعله خبراً منتظراً. فإذا قلتَ: قد ركب الأمير، فهو كلام لقوم ينتظرون حديثك. هذا تفسير الخليل.
الثالث: التقليل. وترد للدلالة عليه، مع المضارع. نحو: إنّ البخيل قد يجودُ. وقال ابن إياز: يفيد، مع المستقبل، التقليل في وقوعه، أو في متعلِّقِه.
فالأول كقولك: قد يفعل زيد كذا، أي: ليس ذلك منه بالكثير. والثاني كقوله تعالى قدْ يَعْلَمُ ما أنْتُم عليهِ النور 64، والمعنى، والله عزّ اسمه أعلم: أقلُّ معلوماتِه ما أنتم عليه. قلتُ: والظاهر أنّ قد في هذه الآية للتحقيق، كما ذكره غيره.
ونازع بعضهم في إفادة قد لمعنى التقليل، فقال: قد تدل على توقُّع الفعل، ممّن أُسند إليه. وتقليل المعنى لم يُستفد من قد. بل لو قيل: البخيل يجود، فهم منه التقليل، لأن الحكم، على مَن شأنُهُ البخلُ، بالجودِ إن لم يحمل على صدور ذلك قليلاً كان الكلام كذباً، لأن آخره يدفع أوله.
الرابع: التكثير. وهو معنى غريب. وقد ذكره جماعة، من النحويين، وأنشدوا عليه قول الشاعر:
قد أشهَدُ الغارةَ، الشَّعْواءَ، تَحمِلُنِي ***** جَرْداءُ، مَعرُوقةُ اللَّحْيَيْنِ، سُرحُوبُ
ونحو ذلك من الأبيات الواردة في الافتخار.
قلتُ: وجعل الزمخشري منه قوله تعالى قدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجهِكَ في السَّماءِ البقرة 144. ورام بعضهم استنباط هذا المعنى من كلام سيبويه. فإنه قال: وأمّا قد فجواب لقوله لمّا يفعلْ. ثم قال: وتكون قد بمنزلة رُبَّما. قال الهذلي:
قدْ أترُكُ القِرْنَ مُصْفرّاً أناملُهُ ***** كأنَّ أثوابَهُ مُجَّتْ ، بِفِرْصادِ
كأنّه قال: رُبَّما. هذا نصّه. فتشبيهه بربّما يدل على أنها للتكثير.
وعكسَ ذلك بعضهم، فقال: بل تدل على التقليل، لأن ربّما للتقليل. وسيأتي تحقيق معنى رُبَّ في بابها.
الخامس: التحقيق. وترد للدلالة عليه، مع الفعلين: الماضي والمضارع. فمع الماضي، نحو قَدْ أفْلَحَ المؤمنُونَ المؤمنون 1. ومع المضارع، نحو قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الّذي يَقولونَ الأنعام 33.
والحاصل أنها تفيد مع الماضي، أحد ثلاثة معان: التوقع، والتقريب، والتحقيق. ومع المضارع، أحد أربعة معان: التوقع، والتقليل، والتحقيق، والتكثير.
تنبيه.. قد الدّالة على التقليل تصرف المضارع إلى الماضي. ذكر ذلك ابن مالك.
والظاهر أن الدالة على التكثير كذلك. وأمّا التي للتحقيق فإنها قد تصرفه إلى المضيّ، ولا يلزم فيها ذلك. هذا معنى كلام ابن مالك.
واعلم أن قد مع الفعل كجزء منه، فلا يفصل بينهما، بغير القسم. كقول الشاعر أخو يزيد بن عبد الله البجلي:
أخالدُ، قد، واللهِ، أوطأتَ عَشوةً ***** وما العاشقُ المَظلُومُ، فينا، بسارقِ
وقد يُحذَف الفعل بعدها، إذا دلّ عليه دليل، كقول النابغة:
أزِفَ التَّرحُّلَ ، غيرَ أنَّ رِكابَنا ***** لمّا تَزُلْ بِرِحالِنا ، وكأنْ قَدِ
أي: وكأنْ قد زالتْ. والله أعلم.".
وجدنا أنّ تعريف الحرف (د) هو القيم 11100، وتعني عدم معرفة المتكلم والمستمع لشكل وصفة عنصر حاضر.
بينما تعريف الحرف (ق) هو القيم 01101، وتعني معرفة المستمع فقط بصفة عنصر حاضر.
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: قَدْ (يعلم ما أنتم عليه). وتعني (والله أعلم):
معرفة المستمع فقط بصفة عنصر حاضر (ق)، لعنصر حاضر غير معروف الشكل والصفة للمتكلم والمستمع (د)، هو الصيغة: يعلم ما أنتم عليه.
بالتالي فنحن أمام قيام المستمع فقط، بتمييز (صفة) عنصر حاضر، من عنصر حاضر غير معروف الشكل والصفة، أو غير متوقّع إن صحّ التعبير، للمتكلم والمستمع معاً.
هذا وإنّ قَصْر معرفة المستمع على الصفة فقط لهذا العنصر رغم حضوره، يدل على عدم ثبات شكل هذا العنصر، بل تغيره، مما أدى لعدم معرفة شكله الخاص به، فهو يأخذ شكل أي عنصر، وهو في الصيغة يأخذ شكل العنصر الذي يصوغه، فشكله قَدَّ شكل العنصر المصاغ.
فالصيغة: قد (يعلم ما أنتم عليه)، تدل على معرفة المستمع بصفة عنصر حاضر، شكله متغير، له هنا شكل الصيغة: يعلم ما أنتم عليه، من عنصر حاضر غير معروف (غير متوقّع) الشكل والصفة للمتكلم والمستمع، هو الصيغة: يعلم ما أنتم عليه.
وإنّ معرفة المستمع فقط، دون المتكلم، تعني أنّ العنصر بعيد عن المتكلم وقريب من المستمع حقيقة أو حكماً، وبالتالي فإن التغير في الشكل هو باتجاه النقصان بالنسبة للمتكلم لابتعاده عنه. إذ نقول: اللحم قَدْ، إذا انكمش شكلاً، ومنه القديد.
أما إذا كان التغير بالزيادة، فيجب أن يكون العنصر قريباً من المتكلم وبعيداً عن المستمع، ونستعمل عندها الحرف (ز) ذي القيم 11001، ونقول مثلاً: عملُ زيدٍ زَدْ، مقابل: عملُ زيدٍ قَدْ.
والآن لنتأمل الصيغة التالية كمثال: قَدْ (يسافر زيد). وتعني:
أننا أمام عنصر قَدّه هو قدّ العنصر: يسافر زيد. أي هو عنصر حاضر، وهو صفة، ذو شكل متغير باتجاه النقصان للعنصر: يسافر زيد. وهذا يدل على تقليل تشكيل أو تجسيد الصيغة: يسافر زيد.
ولنتأمل الصيغة التالية كمثال: قَدْ (سافر زيد). وتعني:
أننا أمام عنصر قَدّه هو قدّ العنصر: سافر زيد. أي هو عنصر حاضر، وهو صفة، ذو شكل متغير باتجاه النقصان للعنصر: سافر زيد. وهذا يدل على تقليل تشكيل أو تجسيد الصيغة: سافر زيد. ولكن بما أن الصيغة في الماضي وهي متشكلة، فإن التغير في الشكل ينقص حتى ينطبق أو يلبس تماماً العنصر: سافر زيد. وهذا يدل هنا على تحقيق هذا العنصر.
وبالتالي فنحن أمام قَدْ للعنصر المصاغ، وقَدْ هذه هي: صفة العنصر الحاضر المتغير الشكل باتجاه النقصان. أي يتغير حتى يلبس العنصر المصاغ تماماً، مرّة واحدة على الأقل.
|
|
|
|
|