للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

العربية في فرنسا: من مكون للثقافة إلى عبء يجب التخلص منه

    في الليلة الفاصلة بين 21 يونيو الجاري، حرص الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على زيارة معهد العالم العربي المطل على نهر السين في باريس والذي يعد واجهة الثقافة العربية في فرنسا بشكل خاص وفي دول الاتحاد الأوروبي الأخرى عموما. ويقول البعض إن هولاند أراد من خلال هذه الزيارة الليلية وإحياء عيد الموسيقى السنوي الذي أطلق بشكل رسمي عام 1983 ليصبح عيدا شبه عالمي الثناء على جاك لانغ رئيس معهد العالم العربي حاليا. فقد اضطلع لانغ بدور أساسي في إطلاق هذا العيد عندما كان وزيرا للثقافة في عهد الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران؛ ولكن البعض يرون أن هذه الزيارة حصلت؛ لأن الرئيس الفرنسي سعى من خلالها إلى تكريم اللغة العربية التي صيغت عبرها صفحات مضيئة في تاريخ الثقافة العربية وأشعت من خلالها الثقافة الفرنسية لمدة قرون. وواضح أن السياق الذي حصلت فيه زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة إلى معهد العالم العربي يظهر صورة مغايرة تماما لتلك التي كانت محمولة لدى كثير من الفرنسيين ولدى كثير من العرب المقيمين في فرنسا من المهاجرين أو من الذين يحملون الجنسية الفرنسية. فمن أداة إشعاع بالنسبة إلى الحضارة العربية الإسلامية وأداة أشعت من خلالها ثقافة الأنوار الفرنسية لمدة قرون، تحولت اللغة العربية في عقود قليلة إلى عبء على كثير من الفرنسيين الأصليين وكثير ممن يحملون أصولا عربية أو المهاجرين العرب المقيمين في البلاد. وهذا ما يتجلى بشكل واضح من خلال نسبة الذين يقبلون اليوم على تعلم اللغة العربية في فرنسا خلال المرحلتين الثانوية والجامعية. فهي لا تتجاوز اليوم صفرا فاصل 16 في المئة لدى التلاميذ وصفرا فاصل 33 في المئة لدى الطلبة. وقد أصبح أولياء التلاميذ من الفرنسيين أو من العرب المقيمين في فرنسا يتحاشون تسجيل أبنائهم في المعاهد الثانوية التي تدرس اللغة العربية؛ لأن لديهم قناعة بأن هذه المعاهد ليست جادة ولا تفتح أفقا أمام أبنائهم وأنه من الأفضل اختيار معاهد تدرس لغات أخرى بالإضافة إلى الفرنسية اللغة الأم للسماح لأبنائهم بالتخلص من عبء اللغة العربية، علما أن كثيرا من الأسر الفرنسية أصبحت تنظر إلى اللغة العربية كما لو كانت رمزا للتطرف والإرهاب لاسيما بعد أن غدت هذه اللغة تطل عليهم عبر شاشة التلفزيون من خلال شعارات المجموعات الإسلامية المتطرفة في القارات الخمس. هذه الصورة المحمولة اليوم عن اللغة العربية في فرنسا هي التي حملت أسرا فرنسية من جزيرة كورسيكا قبل أيام على توجيه تهديدات لمدرسات رغبن في اختتام السنة المدرسية عبر تدريب تلاميذهن على كلمات أغنية الموسيقار الراحل دجون لينون الشهيرة "إيمادجن" أي "تخيل" بخمس لغات هي مجموع اللغات التي يتحدث بها تلاميذ هذه المدرسة الفرنسية الابتدائية الواقعة في كورسيكا. أما هذه اللغات فهي الفرنسية والكورسيكية والإنجليزية والإسبانية والعربية. وسبب التهديدات الموجهة إلى المدرسات هو رغبتهن في أن تكون اللغة العربية ضمن اللغات التي تقرر استخدامها في حفل آخر السنة المدرسية من قبل تلاميذ هذه المدرسة للتذكير بأن البشر سواسية كما جاء في نص الأغنية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. بل تجاوزه إلى دخول بعض العناصر المعروفة بعدائها تجاه العرب والمسلمين في جزيرة كورسيكا إلى ساحة المدرسة وتدنيسها بالشعارات العنصرية التي دأبت على رفعها. صحيح أن وزيرة التربية الفرنسية نجاة فالو بلقاسم نددت بهذه التهديدات والشعارات العنصرية التي كتبت في ساحة المدرسة، وصحيح أيضًا أن الوزارة رفعت شكوى أمام القضاء للبحث عن الأشخاص الذين صدرت عنهم مثل هذه التهديدات. ولكن ما يحز في نفوس كثير من الفرنسيين وما يؤلم أطفال المدرسة الفرنسية الواقعة في كورسيكا أن يتم إلغاء حفل آخر السنة المدرسية والذي كان مبرمجا في يوم 26 يونيو الجاري. وهناك اليوم قناعة لدى المتخصصين في علوم الاجتماع والتربية والمحللين السياسيين بأن الدولة الفرنسية مضطرة إلى التحرك بسرعة وبقوة لتطويق مضاعفات هذه الحملة الشرسة على اللغة العربية في فرنسا من قبل اليمين المتطرف والجهات المعروفة بعدائها تجاه العرب والمسلمين لاسيما في الظروف الحالية التي تشهد تصاعد العنصرية تجاه كل ما لديه علاقة بالإسلام والمسلمين. والحقيقة أن اندماج المهاجرين العرب وغير العرب في المجتمع الفرنسي عبر المدرسة الفرنسية كان ولا يزال إحدى ركائز الخصوصية التربوية الفرنسية ومطلبا من أهم مطالب الأجانب المقيمين في هذا البلد. ويعزى ذلك إلى أن التعليم في فرنسا حق من حقوق كل فرنسي وأجنبي مقيم في البلاد. والتعليم في فرنسا مجاني في كل مراحله في مدارس القطاع العام. زد على ذلك أنه يلقن التلاميذ القيم التي يقوم عليها النظام الجمهوري الفرنسي أي الحرية والمساواة والإخاء. وقد تمكنت أجيال عديدة من الفرنسيين والعرب من تلك التي تعلمت في المدارس الفرنسية من استخدام اللغة العربية لجعل الثقافة الفرنسية تشع في العالم ولجعل فرنسا تكتشف كنوز الحضارة العربية الإسلامية وآدابها وفنونها وتاريخها وإسهامها في الثقافة الإنسانية. حصل ذلك عبر مؤسسات عريقة فرنسية ساعدت بدورها على تطوير اللغة العربية ومنها مثلا معهد اللغات والحضارات الشرقية وجامعة السوربون و"الكوليج دي فرانس". وما لا يعرفه الكثيرون اليوم أن أساتذة عربا كبارا متخصصين في الآداب العربية حصلوا على شهاداتهم العليا في فرنسا على أيدي أساتذة فرنسيين، وأن كثيرا من أبناء الدبلوماسيين العرب المعتمدين في العالم يتعلمون اليوم اللغة العربية من خلال "المركز الوطني الفرنسي للتعلم عن بعد" لا عبر مدارس بلدانهم الأصلية، بل إن هذا المركز يسخر جزءا من إمكاناته وأساتذته لمساعدة التلاميذ في البلدان العربية التي شهدت أو تشهد حروبا أهلية ونزاعات على مواصلة تعلم اللغة العربية. ما لا يعرفه الكثيرون أيضا أن الكثير من الفرنسيين خصوصًا من الأكاديميين والباحثين قضوا شطرا كبيرا من حياتهم لنقل إبداعات العرب باللغة العربية إلى اللغة الفرنسية. ومنهم مثلا البروفيسور الراحل "شارل بيلا" الذي نقل غالبية آثار الجاحظ و"موليير" و"جان جاك شميت" و"دانيال ريغ" اللذان لا يزالان مصرين على إعداد قواميس ومعاجم في مختلف التخصصات من الفرنسية إلى العربية ومن العربية إلى الفرنسية يستخدمها اليوم كل الذين يهتمون باللغتين لا في فرنسا والعالم العربي فحسب بل في القارات الخمس كلها.

ويفترض أن يستغل أولو الأمر في فرنسا اليوم اللغة العربية التي تحولت إلى عبء ليجعلوها من جديد أداة من أدوات التنوير والانفتاح على الآخر، غرار ما كانت عليه من قبل في فرنسا. ويتأتى ذلك مثلا عبر اعتماد هذه اللغة بشكل رسمي في التعبير عن توجهات الدبلوماسية الفرنسية. وهذا التقليد أرسى منذ مدة في بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية. كما يتأتى ذلك عبر رصد الإمكانات المادية والبشرية الضرورية لجعل لغة الضاد في المستقبل رمزا من رموز إشعاع الثقافة الفرنسية في العالم.


الرياض

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية