|
|
إعجاز القرآن للقاضي عياض
د. محمد سعيد حسب النبي
هو القاضي أبو الفضل عياض بن موسى السبتي، نسبة إلى مدينة سبتة كان إماماً في الحديث والفقة وكاتباً من أوائل الكتاب، وكتابه الشفاء في السيرة المحمدية لم يؤلف مثله في موضوعه من حيث بلاغة عبارته وجمال أسلوبه. كتب يوماً عن إعجاز القرآن فأشار إلى أن كتاب الله العزيز منطو على وجوه من الإعجاز كثيرة وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه، أولها حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب وذلك أنهم كانوا أرباب هذا الشأن وفرسان الكلام قد خصوا من البلاغة والحكم بما لم يخص به غيرهم من الأمم وأوتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت إنسان.
ومن فصل الخطاب ما يقيد الألباب، جعل الله لهم ذلك طبعاً وخلقة، وفيهم غريزة وقوة، يأتون منه على البديهة بالعجب، ويدلون به إلى كل سبب، فيخطبون بديهاً في المقامات والخطب. ويرتجزون بين الطعن والضرب، ويمدحون ويقدحون، ويتوسلون ويتوصلون، ويرفعون ويضعون، فيأتون من ذلك بالسحر الحلال، ويطوقون من أوصافهم أجمل سِمط اللآل؛ فيخدعون الألباب، ويذللون الصعاب، ويذهبون الإحن، ويهيجون الدمن، ويجرئون الجبان، ويبسطون يد الجعد البنان، ويصيرون الناقص كاملاً، ويتركون النبيه خاملاً. منهم البدوي ذو اللفظ الجزل، والقول الفصل، والكلام الفخم، والطبع الجوهري والمنزع القوي، ومنهم الحضري ذو البلاغة البارعة، والألفاظ الناصعة، والكلمات الجامعة، والطبع السهل والتصرف في القول القليل الكلفة الكثير الرونق الرقيق الحاشية، لا يشكون أن الكلام طوع مرادهم، والبلاغة ملك قيادهم.
قد حووا فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كل باب من أبوابها، وعلوا صرحاً لبلوغ أسبابها، فقالوا في الخطير والمهين، وتفننوا في الغث والسمين، وتقاولوا في القُل والكُثر، وتساجلوا في النظم والنثر، فما راعهم إلا رسول كريم بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. أحكمت آياته، وفصلت كلماته، وبهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول، وتضافر إيجازه وإعجازه، وتظاهرت حقيقته ومجازه، وتبارت في الحسن مطالعه ومقاطعه، وحوت كل البيان مجامعه وبدائعه، واعتدل مع إيجازه حسن نظمه، وانطبق على كثرة فوائده مختار لفظه، وهم أفسح ما كانوا في هذا الباب مجالاً، وأشهر في الخطابة رجالاً، وأكثر في الشعر والسجع ارتجالاً، وأوسع في الغريب واللغة مقالاً، بلغتهم التي بها يتحاورون، ومنازعهم التي عنها يناضلون، فما زال صارخاً بهم في كل حين، ومقرعاً لهم على رؤوس الملأ أجمعين. أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين.
|
|
|
|
|