للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

هل نحترم اللغة العربية؟

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل "وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين * وإنه لفي زبر الأولين" الشعراء 192-196.

لقد أثبتت الأيام أن الأمم التي تحترم لغتها وتتمسك بها في التعليم والمحافل الدولية، تكون لها الريادة والسيادة، ويكون لها شأن عظيم. ودليلنا على ذلك أن نهضة أوروبا قامت على ما تم نقله من كتب العلماء المسلمين إلى اللغات الأوروبية عموماً واللاتينية على وجه الخصوص.

وربما كان الشعب الألماني ظاهرة مميزة بين شعوب العالم أجمع في الاعتداد بلغته، فيندر أن تجد من يقبل أن يتحدث معك بغير لغته الأم، احتراماً للغة الألمانية. ومع ذلك تجد ألمانيا مقياساً عالمياً على مستوى الصناعة والطب، بل إن شهرة ألمانيا في الصناعة أصبحت من المسلمات حيث يلغي وجود المنتج الألماني عنصر المنافسة، ولا يلبث أن يسود، لدرجة أن دولاً يشار لها بالبنان كاليابان وكوريا أصبحت تحاكي في صناعتها التصاميم الألمانية.

وفي المقابل نجد الدول العربية، وقد شرفها الله بلغة القرآن، أبعد ما تكون عن تمسكها وعنايتها بلغة القرآن، رغم أن المؤشرات كلها تعلن كل يوم أن سبب تدهور مستوى التعليم في العالم العربي هو التهافت غير المدروس على محاكاة الثقافات الغربية بدون ضوابط، وبالرغم من ذلك، نجد أن الأصوات تعلو مطالبة بالتركيز في التعليم على اللغة الإنجليزية، بدعوى أنها لغة العلم، وهذا القول عار عن الصحة، بدليل ما زالت المدارس الصينية تدرس طلبتها باللغة الصينية والحال نفسه في اليابان، وقبل ذلك تطرقنا لتجربة ألمانيا، وجميعها دول لا يشق لها غبار على مستوى التقدم التقني الذي نحلم بالوصول إليه، رغم أننا غيرنا ملامح ثقافتنا لتحاكي الغرب، ولكننا نجد أنفسنا متخلفين صناعياً وتقنياً عن الركب، ولم تتجاوز حدود تجربتنا الاستخدام، هذا إن كنا نريد أن نتحدث بوضوح وبموضوعية، فينقصنا الكثير حتى نجاري الغرب والشرق فيما وصل إليه، وما ذلك إلا لأننا مفرطين في التمسك بمكتسباتنا الثقافية وليست اللغة إلا أحد أهم معالمها إن لم تكن الأهم. علماً أن دولة عربية واحدة هي سوريا تدرس اليوم الطب باللغة العربية وقد قطعت شوطاً كبيراً في ذلك، وأصبحت شهادة الطب السورية معتمدة عالمياً.

 ولا يفوتني أن أذكر للتاريخ، أن أوروبا عندما كانت غارقة في ظلام وجهل القرون الوسطى بعد سقوط روما، ولقرون عدة، ظلت العواصم العربية كبغداد العباسيين، وقاهرة الفاطميين، وقرطبة الأندلسيين نبراساً للعلم والحضارة ومنهلاً للعلوم الراقية والثقافة الثرة، فها هو الخليفة العباسي المأمون يقرب أساطين العلماء والمفكرين من أرجاء المعمورة، ويتبنى حركة الترجمة من اليونانية واللاتينية والفارسية والسنسكريتية والهندية والسريانية إلى العربية، محققاً بذلك أكبر حركة نشر للعلوم والمعارف بالعربية.

وقد استطاع العلماء المسلمون أن يجمعوا بين العلم والفقه في آن واحد وبتبحر عجيب، في تناغم يندر حدوثه وبذلك شكلوا ما يشبه الفسيفساء، فهم نخبة العلم في الفلك والطب والصيدلة وفي الأدب والفلسفة والفيزياء والكيمياء والأحياء والتشريح وفي الرياضيات ومع ذلك تجد الواحد فيهم في الغالب حافظ لكتاب الله، ونابغة في علوم الدين ومسائل الفقه، وهذا الدليل الدامغ على أن العلم ليس له حدود، وليس بالضرورة أن يحصر المرء نفسه في باب ضيق من أبواب العلم، بل عليه أن ينهل من معينه الذي لا ينضب ما أراد الله ذلك، ومن علمائنا وأعلامنا الأفذاذ، الخوارزمي والكندي والمتنبي والرازي وابن يونس وابن رشد وسيبويه والخيام، وابن الهيثم البصري الذي أطلق عليه الكاتب الأمريكي المعاصر ميشيل هاملتون مورغان بأنشتاين زمانه لما ساهمت به نظرياته العملية من تطور وفائدة للعلماء رغم مضي قرون عليها.

فهل كان أولئك يتحدثون أية لغة أجنبية، وهل درسوا وتخرجوا في الغرب، ولكنهم عرفوا طريق العلم من خلال لغتهم العربية لغة القرآن التي تربوا عليها، ومن خلال الجد والمثابرة، ولم يشغلهم طلبهم للعلم والبحث والتجريب عن أمر دينهم، فقد عنوا بالقرآن وعلوم الحديث أيما عناية، وقدموا لنا الدليل والمنهج الذي ساروا عليه بقناعة واعتماد على الله عز وجل، فكانت لهم الريادة.

وما أحرانا نحن الأحفاد، أن نسير على المنهج الصحيح، ونكمل المشوار، وذلك من خلال العناية بالقرآن وتفسيره، وكذلك علوم الحديث والفقه، وهذا الدور هو ما يجب أن تقوم به وزارة التعليم، وبشكل سريع، فقد أصبحت معاناة الجيل الحالي في قراءة القرآن الكريم، والنطق والإملاء واضحة تماماً، وهناك معاناة حقيقية يعيشها بعض الشباب، وتكمن في عدم التمكن من الكتابة بشكل صحيح، أو قراءة القرآن بشكل منضبط وحتى القراءة العادية، أصبحت تشكل عبئاً على الكثير من الطلبة، ومن درس الطلبة الجامعيين، يشعر بعظم المأساة، فطالب الجامعة لا يتقن الكتابة والتعبير عن الموضوع بشكل صحيح، وإن قرأ لحن بالقول، وإن طلب منه التعبير عن موضوع، وقف متلعثماً غير قادر على الكلام، والسبب واضح تماماً، وهو تجاهل كل ما له علاقة باللغة العربية، والتساهل فيها من قبل المدارس والمدرسين لدرجة أصبح فيها النجاح من نافلة القول. وهو ما انعكس على الطالب سلباً، فلم يعد يستطيع أن يتكيف مع المادة أو اللغة العربية بشكل سليم، ومن ثم فقد الطالب الإحساس بأهمية اللغة العربية، وتعدى الأمر عند البعض إلى التسليم بعدم جدواها. وهو ما يفسر لنا هذه المأساة التي نشهد على تناميها يوماً بعد آخر، فمن المؤلم أن نكون في مقدمة الدول المستوردة للأجهزة من الغرب، ويصدم المرء عندما يستعرض كتاب التشغيل للجهاز فيجده مترجم إلى معظم لغات العالم باستثناء العربية، وهو ما يعكس حجم تجاهل هذه اللغة العظيمة دون اعتراض من قبل المستورد أو وزارة التجارة.

وأرى أن تعود اللغة بقوة من خلال المدرسة والجامعة، ويصبح القرآن الكريم هو العامل الحاسم في السير بالعملية التعليمة للأمام.

لقد مضى زمن ونحن نتمنى أن تعود المدرسة والجامعة إلى ما كانت عليه من تنوع علمي وثقافي، وها نحن اليوم نقف على أبواب عام دراسي جديد، ونسأل الله أن يوفق القائمين على هذه الصروح، إلى ما يحي لغة القرآن وينقدها من الضياع والنسيان على يد أبنائها، من المعلمين والمتعلمين في آن واحد، فعلينا أن نخفف من الاعتماد على اللغة الإنجليزية التي بدأت تتسلل إلى بعض المناهج، وهو ما أثر كثيراً على اهتمام الطلبة والمدرسين باللغة العربية اللغة الأم ولغة القرآن، وشكل عائقاً أمام تلقي الطالب وتفرغه للغة العربية، وما يتبع ذلك من إتقان القراءة والكتابة والتعبير، حتى أصبحت مواداً هامشية، أو كما يقال في اللفظ بالدارج بين الطلبة " النجاح فيها مضمون " وبالتالي لا تستحق بذل الجهد، وفي هذا تسطيح لمفهوم التحصيل الدراسي، فالنهضة الأوروبية ما كان لها أن تكون لولا عملية الحراك الأدبي والعلمي التي دبت فيها وبلغاتها الأم. بعدما أخذت بمفهوم الترجمة من العربية، فكتاب القانون في الطب لابن سينا، دليل ناصع على ما أوردته، فقد ظل هذا الكتاب يدرس في جامعات أوروبا على مدى خمسة قرون، وحتى نهاية القرن الخامس عشر، وما زالت معظم الجامعات تعتبره مرجعاً لا غنى لها عنه. وهذا ما يؤكد ضرورة عودة الدور الريادي للغة العربية، لغة القرآن ومن خلال المدرسة، التي يجب أن نعيد لها دورها وهيبتها في المجتمع، فهي ليست مجرد مكان لتلقي العلم وحسب، وإنما هي ملاذ العلماء والمبدعين، ومنطلق لكل طموح وبوابة العلماء والمتعلمين، طلبة، ومدرسين، والأمر نفسه ينطبق على الجامعات، يجب إعلاء شأن اللغة العربية، لغة القرآن، ويجب اعتمادها في المناهج كلغة رئيسة، وبذل كل جهد من خلال جمعيات النشاط اللاصفي في المدارس والجامعات، للبنين والبنات، لترسيخ القراءة والبحث باللغة العربية لغتنا الأم وإعلاء شأن لغة القرآن.. والله من وراء القصد..

مصر

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية