|
|
فسيفساء العربية
أ. سميرة بيطام
حيثما توجد اللغة العربية يوجد الفخر و الاعتزاز ، و حيثما كتب للحرف العربي أن يتلألأ كتبت له المصداقية و اللمعان كألوان قوس قزح الزاهية ، ليس يهم أن تتحول العبارات إلى تفاصيل لشرح معنى الحرف العربي الأصيل ، إذ يكفي أن النطق الساحر يزين شكل الحرف و يجعله مميزا أينما كتب و بأي الأوضاع ترتب.
و قد نجحت اللغة العربية في إنجاح عملية تحضير نوابغ الأمة العربية و الإسلامية على مر قرون خلت و لبت في ذلك نداء الفقهاء و العلماء على ضرورة الاحتفاظ بإرث اللغة العربية و عدم السماح لأعدائها النيل منها مهما تنوعت أساليب العداء لها ، ولا يخفى على احد أنه من تجارب التاريخ تقررت للعرب أصالة اللغة العربية كعامل أساسي في حركة الأمة ووصولها إلى درجة الفهم الجيد لعظمة هذه اللغة و التي تزخر بفنيات جمالية متنوعة أين أخذت لها التشبيه كالفسيفساء التي تمحورت ألوانها لتشكل لوحة فنية جميلة ، نفس الشيء سعت له اللغة العربية بعد أن وحدت بين الأحرف و أدرجت سلسلة التعابير الراقية عبر الشعر أو النثر أو الكتابة على اختلاف مضمونها فكانت منها الإبداعية و كانت منها ما تطرقت لمحاور مجتمعية و كانت منها الثقافية ، فارتقت بذلك العربية في أعلى مرتبة للتأهيل الذي منحها عبقرية أخاذة على لسان كل عربي فصيح تكلمها و اجتهد في تحصيل المزيد من معانيها بعد التدرب على مخارج الحروف الموزونة ، و بذلك ارتقت لأن تكون لغة الحب و الجمال و الفصاحة .
و ليس يفوتنا التنويه عن ما تمتكله اللغة العربية من مؤهلات خلقت لها عدائية في محيط اللغويين باللغات الأجنبية و غير الناطقين بها ،حتى أن هذه العدائية كان مصدرها أبناء العروبة الذين لم يسعوا لممارسة اللغة العربية و التكلم بها في كل مجالات العمل و الدراسة و فضلوا استعمال لغة المستعمر مثل ما هو حاصل في الجزائر ، إذ أن اغلب الجزائريين لا يجيدون التكلم بالعربية و يفخرون باللغة الفرنسية كدلالة للتفوق و إتقان لغة أجنبية و يا ليتها كانت لغة عالمية كالانجليزية بل هي لغة المستعمر الذي لم يغادر الجزائر كلية بل ترك له أذنابا يخدمون البرنامج الاستعماري و بالتدريج ينطلقون في محاولة مسخ اللغة العربية عبر اقتراح مشروع التعليم باللغة العامية في الطورين التمهيدي للدراسة و هذا مما لا شك فيه سابقة خطيرة تنذر بتهديد اللغة العربية و في دارها و إلا فما الفائدة من إدراج الدستور الجزائرية لمادة صريحة تنص على أن اللغة الرسمية للجزائر هي اللغة العربية ؟ و أيا كانت الأعذار من هذا الاقتراح فلا عذر يقبل بغير العربية لغة أصلية كبادئة للتغيير و الذي هدفه الإصلاح ،ثم لم تكن اللغة العامية لتخدم مفهوما راقيا في ذهنية الطفل و هو الذي تعود جيله في السابقة تليقي تحفيظ القرآن الكريم في الكتاب على أيدي شيوخ أوفياء أحبوا اللغة العربية و أخبوا كتاب الله فأبوا إلا أن يساهموا بتلقين القرآن على أيديهم.
و عليه فان فسيفساء اللغة العربية تحوي من الألوان ما يجعلها سهلة الفهم و القراءة و الكتابة و ليست تنافسها أي لغة أخرى لأن فيها من الجمال المتنوع ما يجعلها تحتل الصدارة لتنوع المعاني و الألفاظ فيها ، فلنحافظ على لغتنا بفسيفسائها المتنوعة و لا نقبل لها بأي بديل مهما كان لأن ما كان هو الأصل فينا سيبقى هو الأصل مهما تقدم بنا الزمن ومهما تنوعت على أنظارنا التكنولوجيا ، و لو كان في المتاحف إمكانية لتغيير فسيفساء منحوتة برسم جميل لأمكن التغيير لفسيفساء اللغة العربية؟ طبعا لن يحدث ذلك ، و عليه يجب الحفاظ على لغتنا من كل مخطط لتهميشها أو محو قيمتها على الألسن.
|
|
|
|
|