|
|

مدخل أساسي لفهم النص
أ. مولاي مروان العلوي
يعد العنوان من المكونات الأساسية للنص، فهو المنطلق والنص هدفه، وهو أداة سلطوية توجه فعل القراءة وتفتح آفاق التأويل، فضلا عن كونه مفتاحا يمكن من فك رموز النص، لذا يمثل العنوان هوية النص وحالته المدنية، إذ يقدم معلومات، في ضوئها، يتمكن المتلقي من توجيه قراءته للنص.
نسعى أسفله إلى إبراز دور اللحظة العنوانية في الولوج إلى كنه النص بناء على المرجعيات النظرية التي تناولت موضوع العنوان/النص.
بدأ الاهتمام بالعنوان باعتباره موضوعا مستقلا للدراسة مع موجة الحداثة الثقافية، فتأسس تبعا لذلك علم العنونة الذي نظر إلى العنوان كونه نصا يتميز بخصائص وسمات تميزه عن باقي النصوص. من هذا المنطلق يمكن دراسة العنوان من بعدين متعالقين لكنهما متمايزان منهجيا. ينظر البعد الأول إلى العنوان من الزاوية البنيوية بوصفه بؤرية لغوية صغرى مستقلة ومنغلقة لكنها تنفتح على بنية لغوية أكبر هي النص. أما البعد الثاني فيتمثل في معالجة العنوان من منظور تواصلي يعتبره بؤرة تواصلية كبرى تؤدي إلى بؤرة تواصلية صغرى هي النص. من هنا نميز بين وظائف العنوان التواصلية المتمثلة في وظيفته المرجعية والتأثيرية ثم الشعرية، فضلا عن بعده البصري والتداولي الذي يستحضر المرجعيات الثقافية والإيديولوجية لكل من المرسل والمتلقي، بناء على خطاطة جاكبسون التواصلية وما ناله من مآخذ من قبل كروتز وآدم. وتعد دراسة العنوان من منظور تواصلي قاصرة عن مقاربته، لذا درسه جيرار جونيت بوصفه متعاليا نصيا مما يجعله يتعالق بصفة ظاهرة أو ضمنية مع نصوص أخرى، فاحتفل بفضاء العنوان الذي نستدرك من خلاله فقر العنوان الدلائلي ، فتطرق إلى بعده الخطي الكالغرافي و جانب البهجة فيه والاحتفالية التي ترافقه. واكب ذلك حركة فكرية تمثلت في ظهور مفهوم التناص عند كريستيفا وموت المؤلف عند بارت، وتعد دراسة ليو هوك في كتابه نوعية العنوان من أهم الدراسات التي احتفلت بالعنونة، إذ منحت للعنوان سلطة خاصة تبرمج القراءة، لذا اعتبر هوك العنوان نصا مستقلا بذاته.
يعد العنوان في النص الشعري لحظة إبداع أساسية، يتكون من بنية لغوية تعضدها علامات سيميائية تتمثل في الغلاف ونوعيته ولونه، فضلا عن اللوحة التي ترافق العنوان، إضافة إلى شكل الخط وحجمه وتموقع العنوان في فضاء الغلاف، وهذا يستدعي استحضار المتلقي لجهازه التأويلي ليعيد فهم الرسالة في ظروف قراءة معينة، فيصبح منتجا ثانيا للنص، وبالتالي مرسلا له، الشيء الذي يضمن استمرارية النص في الحضور. وبهذا يضحي العنوان:
العنوان = سنن لغوي+سنن سميائي+المرجعية الاجتماعية الأيديولوجية
نخلص إلى أن العنوان رسالة تواصلية مزدوجة تمزج بين اللغوي والأيقوني، يمكن اعتباره، إذن، نصا مصغرا يمثل هوية نص أكبر منه، وبؤرة تفاعل تختزل النص وتحفز إلى قراءته لاستدراك فقرها، وتستدعي نصوصا أخرى كما تستبطن إيديولوجية معينة. وبهذا يتبث لدينا قيمة اللحظة العنوانية ومركزيتها في التعامل مع النصوص.
|
|
|
|
|