|
|
أسـرار اللغــــة العربيــــة
د. إدريس ولد عتيه
يمر هذا التعبير ( أسرار اللغة العربية ) علي أي متلقٍّ - كما لو كان تعبيرا عاديا لا يحمل مستبطبناتٍ جمةً - بيد أن لكلمة سر معنى عظيما من الدلالات لما وراء الكلمة من معانٍ ؛ لقد وقفتني هذه الدلالات أكثرَ من مرة ( وأنا أعكف على تأليف موسوعة " المستكشف " المعجمية المصنفة من القاموس المحيط للفيروزآبادي منذ ما يقارب ثلاثةَ عقود متوالية ) ؛ لأجد أن استعمال فقهاء العربية وأدبائها لهذا التعبير ، لم يكن عابرا ولا اعتباطا وتذكرت تلك الأسرار وأنا أَمْخر ذلك العُبَابَ الزاخر من كنوز الفصحي التي لا تبوح بها إلا للأخلاء الأصفياء الذين أدمنوا وصالها زمانا طويلا ، وقبلت الفصحى أن تبادلهم حبا بحب ومفاتحة ببعض أسرارها.
ولك أيها القارئ الكريم أن تسأل ولكن ما هذه الأسرار التي تتحدث عنها ؟ ولِمَ كان البَوحُ بها لا يُباح إلا لمن سميتَهم الأخلِّاءَ الأصفياءَ ؟ .
أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تقتضي - ليس تلك الأجوبةَ الإنشائية التي درجنا عليها مثل (الفصحى بحر لا ساحل له ، والفصحى أم اللغات ، والفصحى فتاة اللغات التي لا تشيخ - . )
إن كل ما ورد من هذه الأمثلة صحيح ؛ بيد أني أوثر أن أتحف القارئ بإجابات تبتعد عن النمط السائد ؛ وتنحو منحى الملموس المنشود فَلْنشدَّ الرِّحال - أيها القارئ الكريم معا - ولْتمتطِ معي صهوة الفصحى في رحلة قد تكون بدايتها شاقة ، بيد أنها ستثمر لا محالة والعبرة بالإثمار بعد الغرس كما يقال .
لا أود الإثقال بمقدمة تاريخية طويلة عن تاريخ اللغة العربية ؛ لأن ذلك من المتاح معرفته للقراء جميعا ، ولكن ما أريد أن ألفت الأذهان إليه هو أن الضَّادِيةَ ( الفصحى ) قد مرت بمراحلَ وقناطرَ عسيرة وأنها قد تجاوزتها ، دون أن يعني ذلك أن جسد هذه اللغة - وإن بقي قائما منتصبا قيامَ الطود الأشمِّ – لم تصبه جراحاتٌ عميقةٌ ؛ لأن عادياتِ الزمان وقوارعَ الخطوب التي ألمت بها ما كانت إلا لتتركَ بعض أثارها ماثلة للعيان ؛ إن ذلك يعني أن الفصحى قد أصابها ما أصاب الحضارة العربية الإسلامية من عوامل الفتور والضعف ؛ كيف لا وهي الوعاء الحاضن لهذه الحضارة ، رافقت مساراتها علوا وهبوطا ؛ ولست هنا لأحلل عوامل ذلك العلو أو الهبوط ( لأن ذلك شأن آخر ) ولكني أكتفي بالإشارة إلي أن الفصحى قد وصلت عصرنا الحديث بعد سيرورة وصيرورة بالغتي التعدد والتشعب ، فأفضى ذلك إلي ميلاد فصحى جديدة ، قد لا يرى الباحث المنقب كبير عناء في وصفها بالفصحي الناقصة ؛ لما يتميز به معجمها الحديث من محدودية شديدة ( استنادا إلي الثراء غير المحدود لمعاجم العربية ) ، إن هذا ما سيكون مدخلا لموضوع هذا المقال لأحدد بعض ملامح ذلك النقص ، ولأثبت أن الفصحي بريئة منه ، وإنما أَحَلَّها زمانُها العاثرُ هذه الدَّركَة ؛ فغدا ما كان معروفا منها مُشاعا إشاعَة الهواء والماء سرا من الأسرار وكنزا من الكنوز لا يستكشف إلا بعد عناء ومشقة .
وسعيا إلي تسهيل الموضوع وتقريبه إلى القراء ، وابتعادا عن المقدمات الإنشائية ، أورد الأمثلة التالية المقتبسة من موسوعة المستكشف بلغة سهلة ليترآى للقارئ مدى دقة الفصحي ولِيُرْوِيَ بعضَ ظمئه إلي سد بعض الثغرات والاحتياجات الاستعمالية التي يواجهها في مظاهر حياته العملية والعلمية والتعاملية .
الثغرات الاستعمالية المعاصرة ودقة الفصحى فـي معالجتها:
لا أريد أن أطيل على القارئ أيضا ، وإنما سأنتقي له جزءا صغيرا من الحقل الدلالي لمادة العين ( حاسة البصر ) ولا شك أن كل قارئ ( طبيبا كان أو فنانا أو مصورا أو عاملا في محلات تزيين وحلاقة مثلا ... ) واجدً غرضَه وهو يسأل هذا السؤال ما هي أقسام العين وما هي أدق تفاصيل ذلك .؟
أليس بعد قراءته المتأنية سيستكشف أسرارا وأوصافا بالغة الدقة ؛ ما كان يخطر بباله أن للعربية بها شأنا .
فاظفر معي أيها القارئ الكريم – بهذه الأسرار واستكشف هذه الكنوز .
أقسام العين : ( من موسوعة المستكشف المعجمية المصنفة من القاموس المحيط من تأليفي )
1. ـ ماقِئُ العَيْنُ: مُؤْخِرُها، أو مُقدِمُها.
2. ـ وَذَأَت العيْنُ: نَبَتْ.
3. ـ الجُبَّةُ: حِجاجُ العَيْنِ.
4. ـ الحاجِبانِ: العَظْمانِ فَوْقَ العَيْنَيْنِ بِلَحْمِهِما وشَعَرِهِما.
5. - ذُبابُ العَيْنِ: إنْسانُها.
6. ـ الغَرْبُ: عِرْقٌ في العَيْنِ يَسْقي لا يَنْقَطِعُ، والدَّمْعُ، ومَسِيلُهُ، أو انْهِلالُهُ مِنَ العَيْنِ، ومِنَ الدَّمْعِ، وبَثْرَةٌ في العَيْنِ، ووَرَمٌ في المآقِي.ومُقْدِمُ العَيْنِ، ومُؤْخِرُها.
7. ـ الغُضَابُ: القَذَى في العَيْنِ.
8. - الكَوْكَبُ: بياضٌ في العَيْنِ.
9. ـ الوَقْبَة: َنُقْرَةِ العَيْنِ.
10. ـ الهُدَبِدُ: ضَعْفُ العَيْنِ.
11. ـ الغاذُّ: عِرْقٌ في العَيْنِ يَسْقِي ولا يَنْقطِعُ.
12. ـ إِشْيافُ الأَبَّارِ: دَواءٌ للعَيْنِ.
13. ـ الثِّيرُ: غطاءُ العينِ.
14. ـ الحَجْرُ: مَحْجِرُ العينِ.
15. ـ مَحْجِرُ العينِ: ما دارَ بها، وبدا من البرقعِ، أو ما يظهرُ من نِقابِهَا.
16. ـ الأَسْدَرانِ: عِرْقانِ في العَيْنَيْنِ.
17. ـ السُّمْدُورُ: غِشاوَةُ العينِ.
18. ـ الأَسْهَرانِ: عِرْقانِ في العينِ.
19. ـ الظُّفْرُ: جُلَيْدَةٌ تُغَشِّي العيْنَ.
20. ـ العَوارُ: اللَّحمُ يُنْزَعُ من العَينِ بَعْدَما يُذَرُّ عليه الذَّرورُ.
21. ـ العَيْرُ: ماقِئُ العَينِ، أو جَفْنُها، أو إِنْسانُها، أو لَحْظُها.
22. ـ القَارُورَةُ: حَدَقَةُ العَيْنِ.
23. ـ النُّقْرَةُ: وقْبُ العَينِ.
24. ـ الإِنْسَانُ: المِثَالُ يُرَى في سَوادِ العينِ.
25. ـ الرَّمَصُ: وَسَخٌ أبْيَضُ يَجْتَمِعُ في مُؤقِ العين.
26. ـ الفَصُّ: حَدَقةُ العينِ .
27. ـ الجِحاظُ: مَحْجِرُ العَيْنِ.
28. ـ اللَّحَاظُ: مُؤْخِرُ العَيْنِ.
29. اللِّحَاظُ: سِمَةٌ تحتَ العينِ،
30. ـ أُسْكُفُّ العَيْنَيْنِ: مَنَابِتُ أهْدابِهِما، أو جَفْنُهما الأسْفَلُ.
31. ـ الطَّرْفَةُ: نُقْطَةٌ حَمْراءُ من الدَّمِ تَحْدُثُ في العَيْنِ من ضَرْبَةٍ وغيرِها.
32. ـ امْقُ العيْنِ: مَأْقُها.
33. ـ الحَدَقَةُ: سَوادُ العَينِ،
34. ـ حُمْلاقُ العيْنِ: باطِنُ أجْفانِها الذي يَسْوَدُّ بالكَحْلَةِ، أو ما غَطَّتْهُ الأَجْفانُ من بَياضِ المُقْلَةِ، أو باطِنُ الجَفْنِ الأَحْمَرُ الذي إذا قُلِبَ لِلْكَحْلِ رأيتَ حُمْرَتَه، أو ما لَزِقَ بالعينِ من مَوْضِعِ الكُحْلِ من باطِنٍ.
35. ـ الدَّقُوقُ: دواءٌ يُدَقُّ للعَيْنِ،.
36. ـ أَرْواقُ العَيْنِ: جَوانِبُها.
37. ـ الرِّواقُ: حاجِبُ العَيْنِ .
38. ـ مَأْقُ العَيْنِ: طَرَفُها مما يَلِي الأَنْفَ، وهو مَجْرَى الدَّمْعِ من العَيْنِ، أو مُقَدَّمُها، أو مُؤَخَّرُها.
39. ـ الوَدْقُ: نُقَطٌ حُمْرٌ تَخْرُجُ في العَيْنِ من دَمٍ تَشْرَقُ به، أو لَحْمَةٌ تَعْظُمُ فيها، أو مَرَضٌ فيها تَرِمُ منه الأُذُنُ.
40. ـ اللَّمْكُ: الجِلاءُ يُكْحَلُ به العَيْن.
41. ـ الزُّجْلَةُ: الجِلْدَةُ التي بَيْنَ العَيْنَيْنِ.
42. ـ السَّبَلُ: غِشاوَةُ العَيْنِ من انْتِفاخِ عُروقِها الظاهِرَةِ في سَطْحِ المُلْتَحِمَةِ، وظُهورُ انْتِساجِ شيءٍ فيما بينهما كالدُّخانِ.
43. ـ الكُحْلُ: كلُّ ما وُضِعَ في العينِ يُشْتَفَى به.
44. ـ المُقْلَةُ: شَحْمَةُ العَينِ التي تَجْمَعُ السَّوادَ والبياضَ، أو هي السَّوادُ والبياضُ، أو الحَدَقَةُ .
45. ـ أخْصامُ العَينِ: ماضُمَّتْ عليهِ الأشْفارُ.
46. ـ ومُقْدِمُ العينِ: ما يَلِي الأنْفَ،
47. ـ الجَفْنُ: غِطاءُ العَيْنِ من أعْلَى وأسْفَل
48. ـ سُخْنَةُ العَيْنِ: نَقيضُ قُرَّتِها.
49. ـ الشَّأْنُ: مَجْرَى الدَّمْعِ إلى العينِ
50. ـ الهانَّةُ: الشَّحْمَةُ في باطِنِ العَيْنِ تَحْتَ المُقْلَةِ.
51. القَذى: ما يَقَعُ في العَيْنِ.
خـاتـمـــة :
لا أريد أن أُمِلَّ القارئ بمزيد من التعليق على هذه المادة اللغوية ؛ لأنها تفسر نفسها بنفسها وإنما سأكتفي بإثارة نماذج أسئلة منها : ما الذي يفتقده القارئ من مزيد الدقة الوصفية في جانب من هذا الحقل الدلالي المتعلق بالعين مثالا فقط على مالم نذكره في حقول دلالية أخرى ؟
ما السر أن تكون لغة ( كاللغة العربية ) قد نشأت في أحضان بدو يحتفون أساسا بالجانب الحسي الظاهر وهي مع ذلك قد وصلت إلي كل هذه التفاصيل في أدق مضامينها ؟
ما السبيل إلى أن ندرك أنه ( تأسيسا أن اللغة العربية لغة علم ووصف ودقة إذا ما قبل أهلها ذلك وأعملوا الجهد في سبيل تجسيده على الواقع المعيش ) ألم يحن الوقت لنودع عهد تأبين اللغة العربية ، وزمن إسالة الدمعات على ماضيها الحضاري المضيء دون أن نضيف شيئا ذا بال ، يمكن أن ينهض بها من كبوتها ؟
ألم يصبح العصر التكنولوجي - الذي نعيش وارف ظلاله – خير معين يمكن أن نستثمره ونستثمر ما يتيحه من إمكانات علمية لا حد لها لإيصال اللغة العربية إلى مكانتها المستحقة ؟
أتمنى أن نمتلك القدرة علي صوغ أسئلة أسباب إنهاض اللغة العربية بعمل ميداني قطاعي يدمج الجوانب العلمية والأدبية والسياسية والاقتصادية في مشروع إنهاض اللغة العربية ، لتكون هذه اللغة لغة علم واقتصاد وأدب وسياسة ، كما كانت في الماضي ؛ بدل محاصرتها – كما هو واقع الآن - في دوائر محدودة ضيقة كأنما يصَّعد صدرها إلي السماء التماسا لفرج مرتقب !
|
|
|
|
|