للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

جامعة الفارابي و واقع اللغة العربية في آسيا الوسطى

أ. د. محمود الربداوي

كثيرة هي المؤلفات التي كُتبت عن الفارابي، يتراوح بعضها بين الكتاب الذي تتعدد أجزاؤه، أو البحث الذي تتعدد صفحاته، أو المقالة التي تقتصر على عدد محدود من الصفحات، ولمّا كان الرجل يتمتع بعبقرية فذة؛‏ لذا جاء حديث الناس عنه متعدد الأنماط نظراً لتعدد جوانب المعرفة عنده، فكثيرة هي الأبحاث التي تناولت فكر الرجل الفلسفي والاجتماعي، على حين تناول بعضها ما قدمه من جهود مبكّرة في علم الموسيقى، وعلم الفلك، وعلم الفيزياء، وحتى علم الأدب، وما فيه من تنظير نقدي أو مشاركة في نظم الشعر، أو تصنيف العلوم. هذا فضلاً عن قدرته الفائقة على الترجمة، ونقل الأفكار بوضوح وإبانة، نظراً لتملّكه ملكة تمكّنت ـ وبدرجة فائقة الفهم ـ من اللغات كالتركية والفارسية واليونانية فضلاً عن العربية، وقد ترك فيها جميعاً مؤلفاتٍ تشهد بقدرته على التمكن من فنَّيْ القراءة والكتابة فهو قارئ ممتاز، وهو كاتب ممتاز، ولهذا نعته الذين يعرفون حقيقة عبقريته بأنه (المعلم الثاني) حيث يأتي في الدرجة الثانية بعد (المعلم الأول) أرسطو عبقري اليونان ومن هنا تنافست الأمم في ضمّها لعبقريته، وادعائها في انتسابه إليها، فتنافس الأتراك والإيرانيون والعرب والكازاخستانيون في ضمه إلى العباقرة من أبناء جنسهم، فاحتفلوا بذكرى ميلاده وذكرى وفاته، ولكي يخلّدوا هاتين الذكريين طبعوا اسمه على مؤسسات ثقافية مرموقة كأسماء الجامعات والمعاهد والمدارس وغيرها، إن في الوطن العربي أو الأوطان التي ولد فيها أو مرّ بها، أو فكّر مستخدماً لغتها أو فكر أهلها. وعلى الرغم من الجدال الذي دار بين الأمم حول هذه العبقرية المتميزة لم يستطع علماء حضارة القرنين: العشرين والحادي والعشرين في الغرب أو الشرق إلا أن يعترفوا بنبوغ هذا العالم، والتسليم بما قدّمه للحضارة الإنسانية من فكر متقدم، حيث كان الكوكب المنير في سماء كان يلفها الظلام الفكري والاجتماعي، وقدَّم بفكره النيّر مبادراتٍ تشهد بعلو كَعبه في تفهم حضارة عصره وما بعدها، وتقديمه الحلول لبعض الظواهر الاجتماعية وحتى الأيديولوجية.‏

قدمت بهذه المقدمة عن الفارابي، عندما قرأت في (الشابكة)(1) الخبر التالي:‏

"وافق مجلس التعليم العالي في سوريا، من حيث المبدأ على تأسيس مؤسسة تعليمية مشتركة تحت اسم (جامعة الفارابي للدراسات العليا)، بالتعاون مع جامعة (تربية مدرّس) الإيرانية وجعل مركز هذه الجامعة في مدينة اللاذقية، وأحيل ملف تأسيس الجامعة إلى اللجان المختصة لدراسة الاختصاصات الضرورية وفق احتياجات المجتمع وخطط التنمية.‏

وفي الحوار الذي دار بين وزير التعليم العالي السوري الدكتور غياث بركات والدكتور فرهاد دانشجو رئيس جامعة تربية مدرس الإيرانية إمكانية عقد تفاهم لإقامة جامعة مشتركة في المكان الذي يحدّده الجانبان، وقد بيّن السيد الوزير استعداد وزارة التعليم العالي للتعاون مع الجانب الإيراني لتأمين الموقع المناسب لإقامة هذا المشروع الكبير بما ينسجم مع مضمون المرسوم 36 الناظم لعمل المؤسسات التعليمية الخاصة. وقد أكّد الدكتور فرهاد دانشجو رغبة مجلس أمناء جامعة (تربية مدرس) الإيرانية في عقد اتفاق تعاون لتأسيس مؤسسة تعليمية مشتركة.‏

وجدير بالذكر أن الذي يسهّل إجراءات هذا المشروع أن جامعة تشرين ترتبط باتفاقية تعاون علمي مع جامعة (تربية مدرس) الإيرانية، مدّتها خمس سنوات، تنصّ هذه الاتفاقية على إحداث درجات علمية مشتركة بين الجامعتين على مستوى الدراسات العليا في تخصصات مختلفة، إضافة إلى تبادل الزيارات والمنشورات العليمة، وإقامة دورات تدريبية للمحاضرين والفنيين.‏

وقد تمّ في ذلك اللقاء مناقشة مسودّة الاتفاق المشترك لإنشاء الجامعة، وفق احتياجات المجتمع من الكفاءات العلمية، وتحقيقاً لمتطلبات الخطط التنموية للدولة.‏

وكانت وزارة التعليم العالي السورية قد وقّعت مع وزارة العلوم والأبحاث والتكنولوجية الإيرانية مذكرة تفاهم حول التعليم العالي تشمل تبادل الخبرات، وتبادل المنح والمؤلفات وإقامة دراسة مشتركة، وتبادل الأستاذة حول اللغتين العربية والفارسية والإشراف المشترك على الدراسات العليا. كما تمّ الاتفاق على تشييد بناء خاص لقسم اللغة الفارسية في جامعة دمشق".‏

شدّني هذا الخبر كثيراً، وأعجبت بمجمل مضمونه وتفاصيله، ومردّ إعجابي به يعود إلى عدّة أسباب، بعضها جوهريٌّ أساسي، وبعضها عرضي شكلي، منها: سبب شكلي وهو كيف اهتدت هذه اللجنة الثنائية إلى اختيار اسم العالم الفارابي لتجعله اسماً للجامعة المزمَع إنشاؤها، هذا العالم العظيم الذي انطلق من (فاراب) في كازاخستان، ومرّ على إيران فاكتسب فيها علماً ومعرفة، ثم حلّت ركابه في البلاد العربية: مصر وسورية، وأقام مدّة في بلد سيف الدولة في حلب، وعاد إلى دمشق حيث وافته المنية فيها ودفن في مقبرة باب الصغير سنة 339هـ. وهذا التطواف هو الذي جعل أربع دول تتنازع شرف انتماء الفارابي إليها: كازاخستان وإيران وتركيا وسوريا. وحدا هذا الشرف بالدول الأربع أن تتنافس في الاحتفال بذكرى تاريخ ميلاده وتاريخ وفاته. وحفز الكثيرين من الدارسين والمثقفين من هذه الدول الأربع للقيام بدراسات عليا على مستوى الدكتوراه والماجستير والأبحاث والمقالات التي تناولت جوانب متعمّقة من ثقافة الرجل كالفلسفة والفلك والموسيقى والعلوم الأخرى. ولست ـ اليوم ـ بصدد البحث في الجوانب الكثيرة التي أكثر من تناولها الباحثون، وتعمّقوا في دراستها. ولكنني آثرت أن أتناول من الفارابي وما يدور حولـه موضوعاً أعتقد أنه لم يتناوله أحد، وأن الحديث فيه على جانب من الجدّة، ذلك هو موضوع (جامعة الفارابي)، وأغتنم فرصة تسمية جامعة الفارابي المزمع تأسيسها في اللاذقية بالتعاون بين الدولتين اللتين كوّنتا ثقافة الفارابي وفكره هما: سوريا وإيران؛ لأتحدث عن الجامعة التي تحمل اسم الفارابي أيضاً ولكنْ في العاصمة الكازاخستانية القديمة (آلماآتا). وأغتنم أيضاً هذه الفرصة وهذه الجامعة لأتحدث عن اهتمام جامعة الفارابي الكازاخستانية باللغة العربية، هذا الاهتمام الذي هو جزء من اهتمام الدولة الكازاخستانية باللغة العربية. بل هو أيضاً جزء من اهتمام دول جمهوريات آسيا الوسطى باللغة العربية. كأوزباكستان، وقيرغيزستان، وتركستان، وأذربيجان. فضلاً عن مجموعة الدولة الوسط آسيوية الصغرى، فما هي جامعة الفارابي الكازاخستانية؟‏

جامعة الفارابي في العاصمة القديمة (آلماآتا) أكبر جامعة في كازاخستان. تحتل مركزاً مرموقاً في شارع الفارابي في العاصمة، حيث يبلغ طول هذا الشارع حوالي 10 كيلو مترات.‏

ولما كان الحديث عن جامعة الفارابي بكلياتها المختلفة حديث يطول حاولت أن أقصر حديثي من جامعة الفارابي على كلية الآداب فيها، وتحديداً على قسم اللغة العربية هذا القسم الذي تأسس سنة 1984م بالجامعة الحكومية، وهو القسم الذي يعطينا مؤشراً عن اهتمام الدولة القازاقية باللغة العربية، كان هذا القسم في البداية يسمى قسم الدراسات اللغوية الشرقية، وقام بتأسيسه الأستاذ الدكتور عبد الستار دربيسالي المتخصص في الدراسات الشرقية والعربية. ويعد دربيسالي أحد مؤسسي مدرسة الدراسات العربية في كازاخستان. ففي عام 1977م قام لأول مرة في كازاخستان بإدخال تدريس اللغة العربية بصفتها لغة تخصص في جامعة الفارابي، وفي عام 1989، أنشأ كلية الاستشراق، واصبح أول عميد لها حتى عام 1991، ثم شغل منصب نائب رئيس الجامعة لشؤون اللغات والعلاقات الدولية في الحقبة من عام 1991-1997م، وقد عمل بالقسم وما زال خريجو جامعتي لينينغراد وطشقند، وكذلك صفوة خريجي القسم ذاته.‏

وعلى مدار عشرين عاماً تخرّج بالقسم ما يزيد على أربع مئة طالب وطالبة، وقامت وزارة الخارجية بانتداب عدد كبير من شباب أعضاء هيئة التدريس والخريجين للعمل بها، ويبرز من بين هؤلاء: بغداد عمرييف سفير جمهورية كازاخستان في مصر العربية، وعظمات بيرديباي مستشار سفارة جمهورية كازاخستان لدى المملكة العربية السعودية، وخيرت ساكي، وخيّرت لاماشريف، ورسول جومالي، وأرمان عيسى غالييف، وبيريك أرينوف، والمات أوميرزاق، ودرخان كوكسيغينوف، وغيرهم...‏

كذلك يعمل الكثيرون من خريجي القسم بالتدريس في مختلف الجامعات والمعاهد بكازاخستان ومنها جامعة أبلاي خان للعلاقات الدولية واللغات العالمية، وجامعة آباي القومية للعلوم التربوية، وجامعة غومليوف القومية الأوردآسيوية، وجامعة أحمد يساوي بتركستان، كما يعمل عدد منهم في مختلف مناحي النشاط داخل الجمهورية وخارجها.‏

ومن بين قدامى الشخصيات التي اضطلعت بدور كبير في تأسيس الكلية والقسم أناسٌ وهبوا حياتهم للنشاط التدريسي، ومن بينهم الأستاذة الدكتورة مرضيّة ماجينوفا والأستاذة المساعدة غولجان رمضانوفا.‏

ويقيم القسم علاقات دائمة مع جامعات الدول العربية،وتعدّ الجامعات المغربية والسورية والأردنية والتونسية والمصرية من أوائل الجامعات التي أقامت وتقيم تعاوناً مع القسم.‏

كما يعمل بالقسم خبيران من أهل اللغة وهما: الدكتور عامر محمد أحمد. والأستاذ محمد عبد المنعم، اللذان يقومان بتدريس اللغة العربية. وإلقاء المحاضرات في نظرية الترجمة وتطبيقاتها.‏

أما البحث العلمي في القسم فيجري في المحاور التالية: النحو المقارن باللغة العربية ولغة الأتراك القديمة، والأدب العربي في العصور الوسطى والعصر الحديث، الأدب المقارن، مخطوطات العصور الوسطى، الفلسفة العربية، التاريخ الحديث للدول العربية، ويضم القسم الآن بين أعضائه ثمانية من الحاصلين على درجة الدكتوراه.‏

ويتضمن قسم الدراسات العربية التخصصات التالية لدرجة البكالوريوس: الدراسات الشرقية، الترجمة، اللغويات، اللغة العربية، علم البلدان، كما يضُم القسم مرحلة الماجستير والدكتوراه.‏

كذلك يوطّد القسم علاقاته بالسفارات والجامعات الأجنبية، حيث يوفَد الطلاب في مهمّات تدريبية لتنمية المهارات اللغوية بجامعة المنيا بجمهورية مصر العربية، كما يقوم أعضاء السفارات العربية بإلقاء المحاضرات لأعضاء هيئة التدريس والطلاب والمشاركة في المحافل التي ينظمها القسم بالتعاون مع هذه السفارات، كذلك تلقَّى القسم إهداءات في شكل تجهيز قاعات بالحاسبات الآلية وأثاث ومعدات وكتب، أيضاً يقوم الصندوق المصري للتعاون الفني مع دول الكومنولث، على مدار عدة أعوام، بتنظيم دورات تدريبية لطلاب ومدرّسي القسم بجامعة القاهرة، كما تجري منظمة (الإيسيسكو) حلقة نقاشية تربوية لأعضاء هيئة التدريس بالقسم.‏

وبفضل مساعدات الدول العربية يزوّد القسم بالمعدات والتجهيزات اللازمة حيث يتوفر لديه قاعة للتدريب على الحاسب الآلي، وجهاز تلفزيون لاستقبال القنوات الفضائية العربية وغيرها من المعدات. وقد قام الملك فهد ـ رحمه الله ـ بإهداء مجموعة ضخمة من الكتب باللغة العربية، كذلك يتوفر لدى القسم الكتب التعليمية التي تلقاها من مصر وتونس.‏

ويبذل أعضاء قسم الدراسات العربية بجامعة الفارابي كل ما بوسعهم من جهد ومعرفة وخبرة من أجل إعداد (كوادر) على درجة عالية من الكفاءة، وتخريج مواطنين باللغة العربية يعكسون مجد بلادهم، وأناسٍ يتّسمون حقاً بالذكاء والتنوير(2).‏

وقد تبرّع وزير العدل السعودي بمبلغ من المال لقسم اللغة العربية في جامعة الفارابي وبمبلغ مماثل لقسم اللغة العربية في جامعة آباي الكازاخستانية، وهذه الجامعة الأخيرة في آلماآتا يرأسها الدكتور صديقوف محمد سلمان، ونائب رئيس الجامعة الدكتور ميرزاييف كينياس إيراهيم، وأنشئت قبل 72 عاماً، واستأنفت تعليم اللغة العربية بعد استقلال كازاخستان، وتضم عشر كليّات و82 تخصصاً و17 مجلساً علمياً.‏

وأذكر بهذه المناسبات اهتمام الكازاخستانيين بالفارابي فهناك كليّة تسمى كليّة فلسفة الفارابي، وفي نبأ مشابه لنبأ مشروع تأسيس جامعة الفارابي في مدينة اللاذقية بالتعاون السوري الإيراني، هناك تعاون ثقافي إيراني كازاخستاني بين إيران وكلية فلسفة الفارابي، فلعلّ من بعضها زيارة الأستاذ الإيراني غلام حسين إبراهيمي ديناني المختص في المجالات الفلسفية والثقافية. وأثنى هذا الباحث على الجهود التي بذلها الفارابي في الفلسفة، وأن إيران عُنيت بطبع آثار الفارابي وسترسل أعداداً منها إلى كلية فلسفة الفارابي في كازاخستان.‏

هذه كلمة مختصرة اقتبسناها من لائحة موجزة أصدرتها جامعة الفارابي الكازاخستانية بمناسبة مرور عشرين عاماً على تأسيس القسم العربي فيها، ولكن هذا القسم لا ينهض وحده بأعباء تعليم اللغة العربية، فهناك مؤسسات رديفة تعضد هذا القسم بعضها كازاخستاني، وبعضها عربي، ومن المؤسسات العربية ذات القدم في التواصل مع كازاختسان، ما قامت به وزارة الأوقاف المصرية بالتعاون مع جامعتي الأزهر والقاهرة بتأسيس جامعة في العاصمة القديمة لكازاخستان (الماآتا) سميت (جامعة نور مبارك) لتكون جامعة إسلامية عصرية، تشتمل على مجموعة من التخصصات الإنسانية في العلوم العربية والدينية، ويبدو أن جامعة الأزهر وجامعة القاهرة كانتا من أكثر الجامعات العربية حظاً في تأسيس هذه الجامعة لخدمة اللغة العربية، وقد وُفقّت جامعة القاهرة عندما أسندت رئاسة الجامعة المصرية في (المآآتا) لأستاذ جامعي مرموق، ومتخصص متحمّس للغة العربية هو الدكتور محمود فهمي حجازي عضو مجمّع اللغة العربية في القاهرة، الذي قدَّم محاضرة عن واقع اللغة العربية في كازاخستان وجمهوريات وسط آسيا الإسلامية كأوزباكستان، وطاجيكستان، وقيرغيرستان، وتركستان، وأذربيجان، تُعدّ من أصدق وأدق ما كُتب عن واقع اللغة العربية في آسيا الوسطى، لا لسعة اضطلاعه بمركزه الجديد في أكبر جمهورية من جمهوريات أواسط آسيا، وإنما لسعة اطلاعه على خصائص اللغة العربية خاصة واللغات الشرقية عامّة.‏

فإذا أضفنا إلى تلك الخدمات التي قدمتها هذه الجامعة إلى ما قدّمه الصندوق المصري للتعاون مع كومنولث الدول المستقلة وهو المشروع الذي بدأته وزارة الخارجية والمركز المصري للعلوم والتعليم الذي ظلّ يتطوّر ويتّسع حتى صار اليوم أحد أهم المراكز العلمية في عاصمة الأوزبك3، وإذا تذكرنا التعاون الجامعي بين جامعة (المنيا) المصرية وجامعة الفارابي أدركنا حجم خدمة الجامعات المصرية للغة العربية في هذا الركن القصيّ من آسيا الوسطى؛ ولكن ليست مصر وحدها من المجموعة العربية التي تهتم بتعليم اللغة العربية ونشرها في أواسط آسيا، وإنما يُشاركها في ذلك بعض الدول العربية كالمملكة العربية السعودية، ففي المملكة مؤسسة اسمها (العربية للجميع)4 ، زار رئيس مجلس إدارتها سفير جمهورية كازاخستان (خيرات لاما شريف) في مقر سفارته، وقد تباحث الطرفان في طرق تعليم العربية في كازاخستان، بتدريب المعلمين، ووضع الخطط الاستراتيجية لنشر اللغة العربية هناك، وتبنّى الكتب المناسبة لهذا الغرض، وإنشاء معهد متخصص لتدريب معلمي اللغة العربية.‏

وقد نقل السفير لوفد (العربية للجميع) أن (جامعة الفارابي) في (آلماآتا) قد اطّلعت على كتاب (العربية بين يديك) وغيره من الكتب، وأبدت إعجابها بـ(العربية بين يديك) واقترحت تبنّيه؛ ليكون المنهج المعتمد لعموم الدولة.‏

وقد اتفق الطرفان على أن يقوم وفدٌ من (العربية للجميع) بزيارة رسمية لكازاخستان للاطّلاع على واقع تعليم اللغة العربية هناك، وتقديم دراسة مفصّلة حول أفضل الطرق لنشرها هناك. ثمّ القيام بِحَثّ الجهات الثقافية المعنيّة بتقديم الدعم لتفعيل البرامج المتّفق عليها.‏

وقد تمّ تكليف نائب السفير بمتابعة هذا الأمر مع إدارة (العربية للجميع) مستقبلاً وهناك مباحثات الآن لتقوم (العربية للجميع) بتقديم دراسة شاملة حول تعليم اللغة العربية في كازاخستان كلّها، ثم تتسلّم (العربية للجميع) الإشراف على تعليم العربية في البلد كلّه. فهم حريصون على تعلُّم العربية وتعليمها.‏

أما سائر الدول العربية فكأن قضية اللغة العربية في كازاخستان وجمهوريات أواسط آسيا لا تعنيها، اللهمّ إلا إذا استثنينا سوريا التي تقدم لخدمة العربية ما بطوقها من خدمات، وخاصة ما تقدمه المعاهد الشرعية: كمعهدي الفتح الإسلامي ومعهد الشيخ المرحوم أحمد كفتارو، والذي أعرفه أن معهد الفتح الإسلامي يستقدم عشرات الطلاب من جنسيات تزيد على المئة، بعضها من جمهوريات آسيا الوسطى تؤهلّهم في اللغة العربية والثقافة الإسلامية والشرعية النقيّة المعتدلة، فضلاً عن تأمين متطلبات عيش الطلبة والطالبات من المسكن والملبس والمأكل، وترسلهم إلى بلدانهم ليكونوا رُسلاً للثقافة العربية والإسلامية.‏

وتحضرني هنا كلمة سماحة الشيخ عبد الستار دربيس علي مفتي جمهورية كازاخستان عندما زار دمشق، والتقى بالمسؤولين عن معهدي الفتح والنور أكّد المفتي على الدور الريادي التاريخي الذي تميّزت فيه دمشق كمركز مهم للدين الإسلامي وعلومه وعلمائه، وكمنطلق للحضارة العربية الذي جعل منها (شام شريف) عند كل المسلمين، جاء ذلك في أثناء زيارة المفتي ورئيس جامعة الفارابي وعدد من رجالات الفكر لدمشق، وزيارة ضريح أبي نصر الفارابي في (باب الصغير).‏

وتحدث المفتي الضيف عن التزام كازاخستان بدينها الإسلامي واعتزازها به وحرصها على التواصل مع الأمة العربية، ولاسيما سورية(5)، وعن اعتزازها بالعلماء الذين استطاعت أن تقدمهم إلى العالم، وفي مقدمتهم الفارابي الذي تحتل أكبر جامعة حكومية في آسيا الوسطى اسمه اعترافاً بعلمه وفضله، والذي نزل دمشق ساعياً وراء علومها وحضارتها، ثم رحل إلى حلب وزاحم بمنكبيه كوكبة العلماء في بلاط سيف الدولة، وانتزع إعجابه بما قدَّم من علوم فلسفية وفلكية وطبيعية وأدبية، وكان رائداً في علم الموسيقى الذي بلغ القمة على يديه.‏

لا تتركوا ـ أيها العرب ـ جامعة الفارابي في كازاخستان وبعض المؤسسات العربية الأخرى تتحمل مسؤولية التحديات التي تتعرض لها العربية في شتى أرجاء الدنيا، ومنها جمهوريات آسيا الوسطى، وأكبرها كازاكستان(6)(7).‏

(1) الشابكة: الكلمة التي ارتضاها مجمع اللغة العربية في دمشق لكلمة (انترنت) في المصطلح الحاسوبي.‏

(2) مرجعنا في ذلك مطوية التعريف بقسم اللغة العربية في جامعة الفارابي.‏

(3 ) بل صارت له فروع في المدن الأوزبكية الأخرى أهمها:‏

1 ـ مركز تعليم اللغة العربية في سمرقند.‏

2 ـ مركز تعليم اللغة العربية في بخارى.‏

3 ـ مركز تعليم اللغة العربية في نامينجان.‏

ويهدف نشاط المركز المصري في طشقند إلى دعم العلاقات الثقافية بين مصر وأوزباكستان ويقوم بدور كبير في تدريس اللغة العربية التي تحظى باهتمام بالغ من الشعب الأوزبكي المسلم، حتى إن مركز طشقند وحده يصل عدد دارسي العربية فيه اليوم إلى ألف طالب من مختلف الأعمار، ناهيك عن العدد المتزايد للطلاب في الفروع الأخرى للمركز.‏

(4) مؤسسة (العربية للجميع) مؤسسة سعودية، ناشطة متطوّرة علمياً، أسست برنامجاً غير ربحي، يضم مشاريع متعددة، يهدف من خلالها إلى تسخير كافة الإمكانات الأكاديمية والفنية لخدمة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وتنوي تنفيذ المشاريع التالية:‏

1 ـ تصميم موقع على الشبكة الدولية (الأنترنت) لتعليم اللغة العربية.‏

2 ـ تأليف مناهج علمية متخصصة ومتدرجة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.‏

3 ـ إنتاج أقراص مدمجة (C.D) لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.‏

4 ـ إنتاج برامج تلفزيونية، وأشرطة (DVD) لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.‏

5 ـ عقد اختبارات لقياس الكفاية من اللغة العربية لدى المتقدمين، على نمط اختبار (Tofel).‏

6 ـ دعم مؤسسات تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. وتقديم الاستشارات المناسبة لها.‏

7 ـ عقد دورات متخصصة لتأهيل معلمي اللغة العربية لغير الناطقين بها، والرقي بمستوياتهم في بلدانهم.‏

8 ـ إنتاج برامج إذاعية مسموعة لتعليم اللغة العربية.‏

9 ـ تصميم وإنتاج جهاز (إلكتروني) جيبي لتعليم اللغة العربي، شبيه بالمفكرات الإلكترونية.‏

(5) تتحدث الأنباء عن تقديم مبلغ يقرب من 60 مليون ليرة سورية من كازاخستان لترميم دار الكتب الظاهرية، على اعتبار أن الظاهر بيبرس الذي تنسب إليه المكتبة بطل إسلامي أصله من كازاخستان، وبالمناسبة تبرّعت كازاخستان بمبلغ أكبر من هذا لمصر لترميم الآثار التي تنسب للظاهر بيبرس في القاهرة وسواها من المدن.‏

(6) انظر كتابنا: انتشار اللغة العربية في القارات الخمس والتحديات الكبرى التي تواجهها.‏

(7) من أراد المزيد من تاريخ دخول العربية لكازاخستان وواقع وجودها والتحديات التي واجهتها في العصور القديمة والحديثة، وخاصة في العصر المغولي، وأبجديتها التي كانت في العربية، ثم تحولت في انضوائها تحت الحكم السوفييتي، واصطناع الأبجدية الكيريلية لكتابتها. ثم إلى اللاتينية بعد استقلالها سنة 1991 عن الاتحاد السوفييتي فينظر تفاصيل ذلك في مجلة مجمّع اللغة العربية في دمشق.‏

الفتح الإسلامي

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية